أكثر ما كان يميز الراحل نبيل الفضل جرأته على الحديث بالذي لا يود الناس سماعه، مثل انتقاده لثقافة الريع والبطالة المقنعة، وخطر ذلك على المستقبل القريب، وأهمية التفكير جديا بفكرة الضرائب وتنويع الاقتصاد بشكل جذري وغيرها من الأفكار التي ترجمها عبر عشرات الاقتراحات المميزة كماً ونوعاً خلال عمره النيابي القصير.

Ad

سنة 2015 حتى الآن سنة ثقيلة مليئة بالأحداث المؤلمة والظلم وفقدان الشخصيات التي لها ثقل في المجتمع، لكنه قضاء الباري عز وجل وقدره اللذان يستوجبان منا جميعا الحمد والشكر والصبر مهما كانت النتائج وصعوبتها، ففي هذه السنة فقدت الكويت عدداً من رجالاتها ونوابها السابقين، وبالأمس وقبل أن تطوي هذه السنة سجلها فجعنا بفقدان النائب الراحل نبيل الفضل، وهو نائب لن يتكرر، ومن الصعب تعويضه.

أقول هذا ليس لأن الراحل صاحب قدرات خارقة وصفات لا مثيل لها، بل لتركيبته الفريدة من نوعها والتي بطبيعتها جعلته شخصية سياسية مثيرة للجدل دائما، وخصوصا بعدما خاض المعترك السياسي النيابي قبل أربع سنوات تقريبا، والذي أثراه باعتماد أسلوب جديد في الترشح لم يسبقه إليه أحد بتخليه عن إيجاد مقر انتخابي ومفاتيح انتخابية وحملة انتخابية تقليدية منظمة، بل اعتمد فقط على ندوتين ومقابلاته التلفزيونية وزياراته للدواوين حسب طلبهم، واستطاع بهذا الأسلوب تحقيق النجاح رغم الحملة الشرسة ضده، وكرر ذلك النجاح بالصوت الواحد أيضا.

وجاءت نجاحاته هذه في وقت كانت الكويت تمر بأزمة سياسية كبرى شاعت فيها الفوضى وتعالي نبرة التعدي والتحدي، فكان هو الصوت المضاد المعبر عن استياء قطاع كبير من الشعب مما يجري، وبأسلوب حاد يعادل أسلوب الطرف المقابل طبقا للبيت الشهير (إن لم يكن حلم الحليم بنافع... فإن صد الجهل بالجهل أنفع).

سواء اتفقت أو اختلفت معه بالرأي، لا تملك إلا أن تحترم قناعاته وحججه التي يستند إليها، فحتى في بعض المواضيع التي قد تبدو للوهلة الأولى بأنها ضرب من الخيال، كان يدعم رأيه بشواهد من القانون الذي كنا نعتقد أنه يسير في اتجاه وإذا به يسير في اتجاه آخر تماما، وكانت ردوده على خصومه مفحمة، حيث يتفنن في تعرية منطقهم الأعوج وفضح ممارساتهم التي تناقض ما تلعق به ألسنتهم ليلا ونهارا من مبادئ وكأنهم الأوصياء على الناس. ولذلك كانت مقابلاته ممتعة ولا تملّ، يشدك بتسلسل أفكاره ومنطقه وأسلوبه الحاد البعيد عن الدبلوماسية، وبكلامه الشعبي وكأنه جالس في ديوانية.

لكن بالنسبة إلي فإن أكثر ما كان يميز الراحل نبيل الفضل هو تصديه الشرس لكل من يحاول بث الطائفية بالبلد أياً كان مذهبه وجرأته على الحديث بالذي لا يود الناس سماعه، مثل انتقاده لثقافة الريع والبطالة المقنعة، وخطر ذلك على المستقبل القريب، وأهمية التفكير جديا بفكرة الضرائب وتنويع الاقتصاد بشكل جذري وغيرها من الأفكار التي ترجمها عبر عشرات الاقتراحات المميزة كماً ونوعاً خلال عمره النيابي القصير، والتي دلت بأن الرجل يملك فكرا سياسيا واقتصاديا وليس قلما مميزا ولسانا لاذعا فقط، ولذلك لم يكن من المستغرب مواظبته على أداء عمله النيابي على أكمل وجه من خلال حرصه على حضور اللجان والجلسات وانتقاده للمارسات الخاطئة وآخرها انتقاده (قبل أن توافيه المنية بدقائق) لتوقيع المعاملات أثناء انعقاد الجلسات.

إن كنا سنختصر الراحل الفقيد بكلمة فإنها حتما ستكون "المتمرد"، نعم المتمرد عن المألوف، والسابح ضد التيار، هذا هو سر تميز نبيل الفضل الذي فارقنا تاركا فراغا يصعب سده، نسأل الباري عز وجل له الرحمة والمغفرة ولأهله ومحبيه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.