ما واقع الفن والدراما المعاصرين؟

Ad

المتأمل بحركة الفن والدراما المعاصرين معتبراً أنها تعكس الواقع بإطاره العام، تسايره في اكتشافاته العلمية وما تصفه التكنولوجيا من وسائل التواصل الاجتماعي وتقنياتها من رفاهية، معتقداً أن ذلك يمكن أن يكون مدخلاً رائعاً لحياة منعمة لم تشهدها البشرية، فواقع وموضوع الدراما والمسرح المعاصرين كانا غير ذلك.

كيف  كانا إذاً؟

أدركت التجربة المسرحية المعاصرة، أن ثمة اتجاهاً آخر يقودنا إلى هاوية سحيقة، يتجرد فيها الإنسان من قيمه التي تراكمت عبر موروثه المعرفي، ففي الفترة من نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين تعرّض العالم إلى تحولات وانقسامات وبؤر توتر.

في أوروبا وآسيا والعالم العربي وأفريقيا تجتاح القوى المادية كل ما هو حضاري وقيمي، من انقسام دول البلقان إلى الحروب العرقية والطائفية في بعض الجزر والبلدان والآسيوية إلى ما يسمى بالربيع العربي، وما يحدث الآن من تدمير للثقافات والحضارات في بلاد ما بين النهرين إلى الجماعات المتناحرة في أفريقيا، وأخيراً أزمة اللاجئين على سواحل أوروبا، كل ذلك يعد تحولاً سلبياً يقود البشرية نحو الهاوية ويؤثر على الدراما والفن المسرحي، بلا شك، في تعاطيهما مع الإنسان وقضاياه على خشبة المسرح.

ما نظرة المبدع المسرحي إلى تلك التحولات؟

اتجه المسرح المعاصر إلى الطبيعة البكر والشكل البدائي والبحث عن سبر أغوار النفس البشرية والعلاقات الإنسانية، والحقيقة أن هذه الصدمة التي يواجهها الفكر المعاصر تجاه التناقض بين الشعارات والقيم الإنسانية المعلقة كالعدالة والحرية، وما يحصل في أرض الواقع من تهجير وقتل وتدمير للثقافات والحضارات، دفعا المبدع في المجال الدرامي والمسرحي إلى النظر في التجربة المسرحية ذاتها وتأثيرها بل وأهمية دورها في المعرفة والسلوك الإنساني، وهذا ما دعاه إلى تساؤلات بديهية حول ما هو المسرح؟ ما هي المسرحية؟ ما الممثل؟ ما المتفرج؟ وربما ما هي العلاقة التي تربط بين هؤلاء جميعاً؟.

متى ظهر مسرح العبث؟

دعنا نعود بالذاكرة إلى مرحلة الحرب العالمية الثانية وما بعدها، عندما تحولت الاكتشافات العلمية والتطور التكنولوجي إلى وبال على الإنسان، وخسارة ما يقرب على خمسين مليون إنسان. أصيبت المجتمعات في تلك الفترة بما يعرف بالصدمة، وظهر لدينا في المسرح، ما يسمى بمسرح العبث في أوروبا، وفي بريطانيا بعد إنهيار الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس وانحسارها تشكلت حركة مسرحية غاضبة على السياسات البريطانية في منتصف خمسينيات القرن العشرين، هذه الصدمات ما زالت تحرك اتجاهات الدراما والمسرح وتؤثر حتى في بنائه الدرامي.

ما  بناء المسرحية الفني المعاصر؟

كما أشرت، التحولات والأزمات والانكسارات أنتجت ما يسمى في عالم البناء الفني للمسرحية بتكنيك الصدمة، وسبر أغوار الحالات الحلمية ومستويات العقل الباطن والغريزة الخاصة بالفضول البشري، وربما كان ذلك وراء استلهام أشكال فنية درامية اتسمت بالنزعة البدائية والكرنفال والطقوس الموروثة في ثقافات الشعوب والأساطير، والأهم هو الصراع الذي يتمثل بتفكيك الثقافات السائدة ورموزها، ولا سيما الإنكليزية والفرنسية التي توظفها القوى العالمية في وقتنا المعاصر لبناء ثقافة هجينة، تعينها في ما بعد على البقاء في مناطق التوترات العالمية، وهذا ما سمي بأدب المسرح أو مسرح ما بعد الكولونيالية.

ماذا عن المسرح التقليدي؟

في الحقيقة تحوّل المسرح التقليدي إلى أشكال يختلط فيها السينمائي بالمسرحي والتلفزيوني بالآليات الإحصائية والمعلوماتية، إضافة إلى الأسلوب الروائي والملحمي والتغريبي في تقنية أداء الممثل.

فها هي الكاتبة والممثلة والمخرجة المسرحية والناشطة السياسية إيف إنسلر تقدم مسرحية بعنوان «أهداف ضرورية» التي تتناول فيها واقع المرأة ومعاناتها في حروب البلقان ولا سيما البوسنة والهرسك، وفي مكان آخر قدمت صحافيتان فكتوريا برتن وجيليان سلوفو شهادات المهجرين من العالم الثالث ومعاناتهم في مناطق التوتر والأزمات العالمية المعاصرة، وكذلك ما يحدث لهم في العالم الأوروبي الأول، وذلك في عروض مسرحية تخاطب العقل الأوروبي والعالمي، رموز وأشكال مسرحية غير تقليدية تتسلل إلى أعماق النفس البشرية، وتطالب بحقوق الإنسان وكرامته في أي مكان ومشروعية بقائه وتعليمه، والحفاظ على ثقافته الموروثة، وذلك في مسرحيتي «إلتزام شرف الدفاع عن الحرية» و{معنى الانتظار».

ماذا عن المسرح العربي المعاصر؟

المتتبع للمسرح العربي وفعالياته وتجاربه، يمكن أن يطلق عليه «مسرح النخبة» فمعظم أعماله الجادة والمميزة تقدم في المهرجانات والاحتفاليات التي تنظم طوال العام بمسميات مختلفة في كثير من الدول العربية.

فما أن ينتهي ملتقى حتى يبدأ آخر، والفنان المسرحي العربي يضع نصب عينيه تلك الملتقيات والمهرجانات، وللأسف الشديد تحرم المجتمعات العربية وعامة الناس من الإطلاع على هذه التجارب.

أين تكمن الإشكالية؟

التجربة المسرحية هنا هي علاقة المثقف المسرحي بالمتلقي المثقف، بين التجربة الأكاديمية بالمشاهد الأكاديمي، سواء كان أستاذاً أو طالباً أو خريجاً.

ولا شك في أنها إشكالية تحتاج إلى إيجاد حلول منطقية للتواصل مع المشاهد وتثقيفه وعودة المسرح إلى دوره الحقيقي تجاه الإنسان العربي.

فماذا نصنع لو أن الصحف والأعمال السينمائية والتلفزيونية تم إنتاجها وتوزيعها في الدوائر الثقافية والإعلامية بشتى أنواعها بعيداً عن المتلقي العربي؟

هل يمكن أن ننتظر نهضة ثقافية حقيقية في ساحتنا الثقافية وبناء إنسان عربي مثقف تتواصل التجربة الإبداعية معه لتكشف له واقع الإنسان المعاصر وقضاياه باسلوب فني مبتكر؟.

هل اطلعت على تجارب مسرحية معاصرة؟

أجل، اطلعت على الكثير من التجارب المسرحية المعاصرة ولا سيما المحلية، فمنها ما يستحق أن يقدم للعامة من الناس بعيداً عن الإطار الأكاديمي والنخبوي، وفي الوقت نفسه يحقق النجاح الجماهيري المتوقع، فبعد الراحل صقر الرشود في مسرحياته «حفلة عل الخازوق» و{علي جناح التبرزي وتابعه قفه»، والتجربة المميزة في الإخراج المسرحي للفنان والمخرج فؤاد الشطي في مسرحيته «رحلة حنظلة»، والتجربة الإخراجية المبدعة للفنان والمخرج عبدالعزيز المسلم في مسرحية «الستار»، تظهر لنا شخصية مخرج متمكن من أدواته الإخراجية وهو الفنان عبدالله التركماني، وذلك في مسرحيتي «مندلي» و{ليلة مع شياطين مكبث» اللتين تحملان العمق الفكري الذي يصور آلام الإنسان العربي المعاصر وصراعاته بأسلوب فني مبهر ينطلق من التاريخ إلى الواقع بأساليب إخراجية تعتمد على التغريب والصدمة والتحول.

النقد المسرحي

يرى د. جاسم الغيث أن النقد الفني في عالمنا العربي، إذا استثينا بعضاً من الممارسات النقدية الجادة نظرياً وتطبيقياً، يعيش حالة من التناقض بين أدواته النقدية والعمل الإبداعي المعاصر، فبعدما عانى المنتج الإبداعي، سواء كان قصة أو مسرحية أو فيلماً سينمائياً، من الانطباعية والمزاجية والأهواء التي تتملك النقاد من دون تقديم أسباب علمية أو منطقية تتعامل مع الشكل والمضمون، اتجه بعض النقاد إلى المدارس النقدية القديمة «الأرسطية»، وأحياناً محاولة ربطها بالأديب وحياته وعلاقتها بالتطور التاريخي والاجتماعي والنفسي الذي يرافق العصر، غير أن ذلك يعد الآن من المناهج التي عفا عليها الزمن.

وأضاف أنه إذا كانت التجربة المسرحية غير تقليدية، وتتداخل فيها وتتمازج القوالب المسرحية والسينمائية والتلفزيونية إضافة إلى الملامح الروائية والملحمية، فكيف يمكن للناقد الذي يعيش في كنف تلك المناهج القديمة أن يقدم رؤية تحليلية لعرض مسرحي معاصر؟! مبينا أنه لابد إذاً من انتهاج المذاهب والمناهج النقدية المعاصرة كالتأويل والتحليل النفسي والسيميولوجيا والبنيوية وغيرها، لتقديم رؤية تحليلية ونقدية معاصرة تمثل فناً وإبداعاً نقدياً حقيقياً يتواكب مع إبداع الفنان المسرحي في النص والعرض المسرحي.