مع أنها ليست المرة الأولى، لكنّ المفترض أن يُنظر إلى العملية الإرهابية المرعبة التي ضربت "أنقرة" يوم السبت، أمس الأول، على أنها بداية وضعٍ إقليمي قد يطول وقد يقصر كصدى بل كردٍّ سيتبعه حتماً رد فعل معاكس للغزو الروسي لسورية، الذي قال عنه "أصحابه" في البدايات إنه سينتهي خلال ثلاثة أو أربعة أشهر على الأكثر، لكنهم ما لبثوا أن غيروا رأيهم قبل أن يتلاشى صدى أصواتهم، وقالوا إنه، أي هذا الغزو، سيستمر مادامت هناك حاجة إليه على الأرض... وهنا فإن مثل هذه الحاجة قد تستمر عاماً أو عامين.. وإلى ألا تكون هناك حاجة إلى قواعد شواطئ البحر الأبيض المتوسط بالقرب من مدينة اللاذقية.

Ad

ربما هناك من سيذهب، أو ذهب فعلاً، في اتجاهات أخرى غير هذا الاتجاه، لكن ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار هو أن هناك من يرى أن أهم تحدٍّ للوجود الروسي في سورية، العسكري والسياسي وكل شيء، هو التحدي التركي، إذ إن تركيا هي الدولة الإقليمية الوحيدة التي بإمكانها أن تكون قاعدة إسنادٍ خلفية قريبة وفعلية للمعارضة السورية (المعتدلة)، وهي الدولة الإقليمية الوحيدة القادرة على أن تشكل جسراً جويَّاً وأيضاً بحريَّاً للدعم الدولي والعربي لهذه المعارضة، أي من الغرب الأوروبي والولايات المتحدة ومن بعض الدول العربية القريبة والبعيدة!

لقد أرادت الجهة التي وقفت وراء هذه الجريمة القذرة أنْ تُفهم تركيا، حزب العدالة والتنمية، أن عليها أن تُخفف معارضتها للوجود العسكري الروسي والقواعد العسكرية الروسية في سورية، وأن تضع حدّاً لدعمها للتنظيمات السورية ولفتح حدودها ومنافذها البحرية والجوية لهذه المعارضة، وإلا فإن أول الغيث هو هذا القطر، وأنه "كما تدين تدان" وإنَّ من أنذر أعذر.. ولهذا فحتى من يحرص دائماً وأبداً على تغليب النوايا الحسنة فإنه لن يجد أي احتمال فعلي غير هذا الاحتمال بالنسبة لكل من رأى أن هذا الغزو العسكري والسياسي الروسي هو لدولة بمكانة سورية وأهميتها الاستراتيجية بالنسبة لجارتها الشمالية، وبخاصة بعد كل التحولات التي شهدتها هذه المنطقة في السنوات الخمس الأخيرة.

 وبالطبع فالمؤكد أن من وقف وراء هذا العمل المرعب، الذي من المؤكد أنه لن يقف عند هذا الحد، أراد أن يستدرج الأنظار ويستدرج الاتهامات حتى أنظار الأتراك واتهاماتهم، إلى حزب العمال الكردستاني – التركي الـ (P.K.K) الذي بعد اتضاح محاور الاستقطاب والصراع الإقليمي بالنسبة للأزمة السورية، التي تحولت إلى أزمة إقليمية ودولية، بادر إلى خرق الهدنة التي كان قد اتفق عليها مع حكومة حزب العدالة والتنمية التركية بقيادة رجب طيب إردوغان واستأنف العمل العسكري عبر الحدود العراقية – التركية، وبخاصة من جبل قنديل المتاخم أيضاً للحدود التركية – الإيرانية.

 وهكذا وبالتأكيد فإن من قام بهذه العملية، إنْ مباشرة وإن من خلال حزب العمال الكردستاني – التركي الـ (P.K.K)، الذي نشأ بدعم جهاز الـ"كي. جي. بي" السوفياتي في حضن المخابرات السورية، والذي يبدو أنه لا يزال على ولائه السابق، رغم كل ما حصل مع زعيمه عبد الله أوجلان الذي سُلَّم تسليماً لتركيا، أراد خلْق أزمة طاحنة داخل تركيا بين الأتراك وبين المكوِّن الكردي في هذا البلد "الفسيفسائي" التركيب، والهدف هو إشغال هذا البلد بأوضاعه الداخلية ومنعه من تقديم أو إيصال أي عون للمعارضة السورية (المعتدلة) التي كانت في مواجهة مع نظام بشار الأسد، فأصبحت أيضاً في مواجهة مع القوات الروسية الغازية والمحتلة.

إنَّ المفترض أنه معروف، إلا لمن يرفض رؤية الأشياء كما هي، أنَّ انحياز حزب العمال الكردستاني – التركي الـ (P.K.K) إلى إيران قد أصبح مؤكداً وواضحاً، هذا بالإضافة إلى ولائه الموروث لروسيا، مما يعني أن مسؤولية هذه العملية الدامية القذرة تقع على عاتق طهران أولاً وعلى عاتق موسكو ثانياً، حتى وإن قام بها هذا الحزب الذي كان يجب أن يبقى حركة وطنية كردية تناضل سلمياً وبعيداً عن العنف والإرهاب وبعيداً عن أنْ يتحول إلى "بندقية للإيجار"، ويقحم هذا الشعب الطيب الذي من حقه المطالبة بحقوقه المشروعة في صراعات جانبية، وبخاصة أن هناك أكثر من ثمانية ملايين كردي في إيران يتعرضون لاضطهاد قومي، لا مثيل له في أيٍّ من الدول المجاورة.