أكد وزير التجارة والصناعة، يوسف العلي، أن هناك تطلعات مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي نحو تشجيع الاستثمار الأجنبي ليزهو به اقتصادها في وجه العواصف والتقلبات الاقتصادية، مشيرا إلى أن هذه الدول تتميز بوجود قاعدة قوية لتشجيع استقطاب الاستثمارات الصناعية المباشرة، خاصة في مجال صناعة البتروكيماويات المستندة إلى ثروتها الطبيعة، وكذلك صناعة المواد الغذائية لتحقيق الأمن الغذائي الاستراتيجي.

Ad

حديث العلي جاء خلال مؤتمر الصناعيين الخامس عشر، الذي افتتح أمس تحت عنوان «الاستثمار الأجنبي المباشر وأثره في الصناعة الخليجية»، والذي تنظمه وزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للصناعة، وهيئة ‏تشجيع الاستثمار المباشر، ومنظمة الخليج للاستشارات الصناعية (جويك) بالتعاون مع غرفة ‏تجارة وصناعة الكويت، وبنك الكويت الصناعي، واتحاد الصناعات الكويتية، وكذلك الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، واتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي برعاية سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد.

وتابع العلي بقوله إن دول التعاون ملائمة لجذب الاستثمارات في الصناعات الابداعية من حيث المعرفة والابتكار لتنمية الصادرات غير النفطية لبناء المستقبل وإنجاح التنويع الاقتصادي لتحقيق النمو المستدام اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا.

وأضاف أنه مما لا شك فيه أن «الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصادات الضعيفة ليس لها مورد حقيقي وتشغيلي تجعلنا أكثر اهتماما وعناية من أي وقت مضى بالصناعة، ما يتطلب منا الكثير من الجهود والعمل الدؤوب من أجل تشجيع الاستثمار الأجنبي الذي صار أمراً حتمياً لابد منه، خاصة في هذه المرحلة التي تشهد تطورات متلاحقة على صعيد التجارة العالمية».

وأشار إلى أنه «رغم الخطوات التي اتخذت لدفع عجلة التنمية الصناعية نحو الأمام، فإننا نطمح لبذل المزيد وتكثيف الجهود وتنشيط هذا القطاع الحيوي في البلاد»، مؤكدا أن الجهات ذات العلاقة في دول المجلس تسعى لتحقيق أهدافها المتمثلة في تحديد سياسات واضحة لتطوير الخطط التنموية في دول المجلس مبنية على جهود متكاملة من المقومات لجذب المستثمر الأجنبي إلى جانب وضع استراتيجية طموحة لتطوير القطاع الصناعي والنهوض به، ليكون أبرز توجهاتها سن تشريعات وقوانين وتقديم تسهيلات وحوافز للمستثمر الأجنبي.

وبين العلي أن الهدف من تلك الخطوات هو تأسيس بيئة استثمار واعدة مع تعزيز القدرة التنافسية للقطاع في دول مجلس التعاون من خلال استقطاب الاستثمارات الأجنبية ليس المال النقدي فقط ولكن رأس المال الأجنبي متمثلا في التقنية المتطورة والبحث والتطوير والصناعات المعرفية والتسويق والتنظيم والإدارة المبتكرة في كل المجالات الإنتاجية والخدمية، للدفع بالصناعات الخليجية لمستويات تقنية عالية تمكنها من تحقيق درجات تنافسية مقبولة، وتمكنها من تقوية التشابك العالمي في سلاسل القيمة والطلب لدعم التنمية الاقتصادية المستدامة.

ولفت إلى أن حصة دول المجلس من الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج ارتفعت من 27 مليار دولار عام 2013 إلى 29.5 مليار دولار عام 2014، كما استقطبت نحو 61 في المئة من هذه الاستثمارات خلال الفترة من 2009 – 2014، متأثرة إيجابا بمتانة النمو الاقتصادي وابتعادها عن حالة الاضطراب السياسي وتوافر عوامل جاذبة أخرى.

الاتفاقية الاقتصادية

من جهته، قال الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية والتنموية بالأمانة العامة لمجلس التعاون عبدالله بن جمعة الشبلي في الكلمة التي ألقاها نيابة عن الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية د. عبد اللطيف بن راشد الزياني، إنه «نظراً لأن الاستثمار يعتبر المحرك الرئيسي  للتنمية، فقد نصت الاتفاقية الاقتصادية لدول المجلس على تحقيق هدف تنمية الاستثمارات المحلية والبينية والخارجية بدول التعاون، وتوفير بيئة استثمارية تتسم بالشفافية والاستقرار».

وأضاف الشبلي: «بما أن سوق دول التعاون يعتبر أكبر سوق اقتصادي حر في منطقة الشرق الأوسط، فإنه حتم عليها تهيئة المناخ الاستثماري المناسب، خصوصاً في ظل توافر المقومات اللازمة لنجاح ذلك، سواء من حيث الاستقرار السياسي والاجتماعي والازدهار الاقتصادي».

 وأضاف «ولكونها أكبر مصدر للنفط والغاز في العالم، وتمتلك أكبر احتياطي عالمي منه، بالإضافة إلى مرونة سياستها النقدية واستقرار أسعار صرف عملاتها المحلية، ومحافظتها على معدل تضخم منخفض، مع استمرار النمو الإيجابي لمساهمة القطاع الخاص غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي، أكسب ذلك دول المجلس قدراً كبيراً من الثقة لدى المستثمرين المحليين والدوليين في فعالية سياساتها الاقتصادية، وتهيئة بيئة تنافسية أكثر جذباً وتنوعاً».

وبين أن دول المجلس تعمل بشكل مستمر على إجراء تقييم عملي للآثآر الإيجابية والسلبية، وأثرها المباشر على اقتصاداتها من جراء تجربتها في هذا المجال، وان المؤتمر يعتبر إحدى آليات هذا التقييم، مع استذكار التجارب التي مرت بها الدول الأخرى، واستنباط العبر منها، ودراسة التجارب الدولية  الناجحة في هذا المجال.

وحث المستثمرين الوطنيين والأجانب على استغلال الفرص الاستثمارية الواعدة المتاحة بدول التعاون في العديد من المجالات الاقتصادية، بما في ذلك النفط والغاز، والتعدين، والطاقة المتجددة، وتقنية المعلومات والاتصالات، وتوليد محطات الكهرباء، ومعالجة المياه، والصناعات البتروكيماوية، والهندسية، وصناعات الأدوية وغيرها، والصناعات المنبثقة عن المشروعات الخليجية المشتركة لسكك الحديد، والربط الكهربائي، وإنشاء شركات التأمين.

تنويع المصادر

بدوره، قال الأمين العام في منظمة الخليج للاستشارات الصناعية (جويك) عبدالعزيز بن حمد العقيل في كلمته، إن «المؤتمر يعقد في وقتٍ تسعى فيه دولُ مجلسِ التعاونِ الخليجيِّ إلى تنويعِ مصادر الدخلِ، وتقليلِ اعتمادِها على النفطِ كمحركٍ أساسيٍّ لعمليةِ التنميةِ الاقتصاديةِ، حيثُ ما زالَ يُسَاهِمُ بحوالي 47 في المئة من ناتجها المحلي».

ولفت إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر  شكل إِحدَى الوسائلِ التي لَجَأتْ إليها دول الخليج للتنويعِ الاقتصادي، حيثُ تَضاعَفَ حَجمُ الاستثمارِ الأجنبيِّ في دولِ التعاون من نحو 84.3 مليار دولار في 2005، إلى حوالي 416.3 مليار خلال 2014.

وذكر أن دول التعاون أدركت أهميةَ التنويعِ في القطاع الصناعي بوجهٍ خاصٍّ، فكانَ التوجُّهُ لاستِقطابِ الاستثماراتِ الأجنبيةِ لدعمِ هذا القطاعِ الحيويِّ، حيث سَجلتْ هذه الدولُ تراكماً يُقدَّرُ بحوالي 53 مليار دولار في عام 2014 من الاستثماراتِ الأجنبيةِ المباشِرة. ووفّرتْ هذه الاستثماراتُ قرابةَ 302 ألف فرصة عملٍ في السوقِ الخليجي.

وأوضح أن الشراكات الاستراتيجية مع شَرِكاتٍ عالميةٍ رائدةٍ من أفضلِ الأساليبِ التي يُمْكِنُ لدولِ المجلسِ اتِّباعُها لنقلِ وتوطينِ التكنولوجيا، وخَلْقِ اقتصادٍ قائمٍ على الصناعةِ والتصديرِ، خُصوصاً أنَّ دولَ المجلسِ تَمتَلِكُ القدراتِ التمويليةَ والبنيةَ التحتيةَ والتشريعيةَ لعَقْدِ مثلِ هذا النوعِ من الشراكات، مما يَجْعَلُهَا قادرةً على استقطابِ الاستثماراتِ النوعيةِ في قطاعِ الصناعةِ.

شراكات عالمية

من جهته، قال نائب رئيس مجلس الوزراء السابق في قطر عبدالله بن حمد العطية، إن «الاستثمار الأجنبي في دول الخليج هو عنوان تم التعايش معه خلال فترات الثروات النفطية»، لافتا إلى أن «الثقافة الخليجية واحدة في الاعتماد على النفط والغاز وتصديرهما، إلا إننا في الآونة الأخيرة بدأنا التحول إلى البتروكيماويات والمشتقات وقمنا بعمليات ناجحة ودخلنا في شراكات عالمية، بالإضافة إلى تمكننا من إنشاء قاعدة وفق أهم الأسس للتصدير والمنافسة في الأسواق العالمية». وأضاف انه لا يتم الاستغلال الأمثل للمواد الأولية في دول الخليج، حيث يتم تصدير المواد الخام وإعادة استيرادها بعد تحويلها إلى قيم تقدر بأضعاف أثمان التصدير، فيما دعى دول الخليج إلى الحذر خلال الفترات المقبلة من قيام الولايات المتحدة بتصدير كميات كبيرة من الأسمدة ومنتجات البتروكيماويات في الأسواق العالمية، مما سيشكل ضغطا ومنافسة شديدة، وهو ما يتوجب معه التخطيط لموجهة الأزمة قبل وقوعها.

وأشار إلى أن أسعار النفط شهدت موجات من الصعود والانخفاض، حيث ارتفعت من 14 دولارا في 2005 إلى أعلى مستوياتها في 2014، إلا أنها بدأت في التراجع مرة أخرى، لافتا إلى أن الارتفاع والانخفاض يأتيان دائما بشكل مفاجئ وليس تدريجياً.

سيرة التنسيق

بدوره، قال الأمين العام لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي عبدالرحيم النقي، إن رعاية سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد  لمؤتمر الصناعيين تعد أحد أوجه الدعم والمساندة التي تقدمها الكويت لكل أشكال العمل الاقتصادي المشترك، وفتح المزيد من الآفاق بما يخدم مسيرة التنسيق والتكامل والوحدة الاقتصادية الكاملة التي ننشدها.

وأوضح النقي، أن اللقاء بالغ الأهمية من حيث التوقيت والموضوعات  المعروضة فيه، «من حيث التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون  التي لم تعد خافية على أي منا»، لافتاً إلى المؤتمر جاء ليقوي واقع  الصناعة في المنطقة وتعزيز قدراتها وتنافسيتها.

وذكر أن المؤتمر يعزز عمل القطاع الصناعي بدول مجلس التعاون وقدرته على الاستفادة من المشروعات الاستراتيجية التي تنوي دول التعاون تنفيذها في البنية التحتية، ومنها مشروعات السكك الحديدية ومشروعات الصناعات التحويلية ومشروعات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأخرى المتفرعة من النفط والغاز ومشتقاتها بجانب البتروكيماويات وغيرها.

وذكر أن ما يتطلع إليه القطاع الخاص بدول مجلس التعاون من أهمية الاستثمار الأجنبي يسهم في نقل التكنولوجيا والصناعات الرئيسية في مختلف المجالات، والتي من شأنها فتح الباب أمام المواطنين المتطلعين إلى العمل، أو إلى تحسين مستوى المعيشة مستفيدين في ذلك من  تراجع أسعار النفط، مما يدعو دول التعاون إلى أهمية التفكير في الصناعات النفطة لإعادة تصدير منتجاتها بأسعار أعلى من تصدير النفط كمادة خام.

ورأى أن المشاركة الكبيرة من قبل القطاع الخاص والمسؤولين في دول الخليجي مع ممثلي الشركات الأجنبية في المؤتمر سيمكن القائمين على الحدث من التوصل إلى النتائج المأمولة منه وفي مقدمتها توطين الصناعة الخليجية، وخلق علاقات متينة إلى جانب خلق فرص عمل جديدة واستغلال المواد الأولية بصورة أفضل مستفيدة بذلك من التسهيلات التي توفرها دول المجلس للصناعة بصورة عامة بالإضافة إلى سوق مدعوم بمنظومة من التشريعات والقوانين التي تشجع على الاستثمار.

جلسة وزارية

من جانبه، ترأس المدير العام لهيئة تشجيع الاستثمار الأجنبي الشيخ مشعل الجابر الجلسة الحوارية الوزارية، حيث قال خلال الجلسة، إن دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت جاذب للاستثمارات، مدعومة من الاستقرار الذي تشهده حيث استقطبت نحو 22 مليار دولار من إجمالي استثمارات الأجنبية المباشرة بلغت نحو 1.23 تريليون دولار في 2014.

وتوقع نمو حصة مجلس التعاون في السنوات المقبلة مع تزايد فرص الاستثمار وفق الخطط التنموية الموضوعة والمشاريع الضخمة المطروحة في قطاعات البنية التحتية ومشاريع الشراكة والخصخصة إلى جانب الصناعات المعرفية والاتصالات ومصادر الطاقة المتجددة والصناعات الخضراء الغذائية والعلوم الحياتية وغيرها.

المادة الأولية

من ناحيته، قال وزير التجارة والصناعة يوسف العلي، إن دول مجلس التعاون لديها المادة الأولية الصالحة للعديد من الصناعات «النفط» وبإمكانها أن تنتج منها سلة غير متناهية من المنتجات، مضيفاً أن الاستثمار الأجنبي داخل دول التعاون دخل إلى هذا القطاع ومن ثم تحول بعد ذلك إلى استثمارات وطنية، مشيراً إلى أن تلك الدول تمتلك بيئة اقتصادية وسياسية مناسبة للتطور الاقتصادي.

البحث عن التكنولوجيا

قال وزير الطاقة والصناعة القطري محمد بن صالح السادة، إن دول مجلس التعاون تبحث من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة عن تكنولوجيا حديثة تقلل من كثافة العمالة وتزيد من الكثافة العلمية التكنولوجية لهذه المشاريع إلى جانب خبرة الشريك الأجنبي الإدارية والتسويقية.

استغلال الموارد

أكد وزير التجارة والصناعة السعودي توفيق الربيعة وجوب قيام دول مجلس التعاون باستغلال الموارد المتاحة لديها لتنويع اقتصاداتها من خلال بناء صناعات قائمة بذاتها لا تحتاج إلى دعم مستقبلي في ظل التحديات التي تواجهها. وأشار إلى ضرورة دعم الصناعات ذات القيمة المضافة التي تنتج منتجات ذات قيمة عالية، وأن يكون هذا الدعم مركزاً في فترة تأسيس هذه الصناعات.

دعم التطور

قال وزير التجارة العماني علي بن مسعود، إن المرحلة الراهنة تتطلب دعم عمليات البحث والتطوير لاسيما البحوث التطبيقية مشيراً إلى أن المصانع العاملة في دول الخليج لا يتكامل بعضها مع بعض لكنها تتنافس في ما بينها وهذا ما يضغط على الأسعار.