طبيعة الإنسان كالعملة ذات وجهين، متفائل وآخر متشائم، وتبقى المعطيات هي التي تحدد الوجه الذي ينساق خلفه الإنسان، ففي بداية ثورات الربيع العربي كان التفاؤل هو الوجه الذي انساق خلفه أغلبية العرب من مثقفين ومفكرين وسياسيين، إلا أن المتغيرات التي حصلت بعد ذلك الربيع، والفراغ السياسي، وقلة الوعي حالت دون ذلك، وحوّلت نار بشار إلى غاية للسوريين، واستبداد القذافي إلى مطلب لليبيين، وقمع مبارك أصبح أياماً يتحسر عليها المصريون، فكشف الربيع أن الخطوط الحمراء التي وضعتها الأنظمة القمعية كانت ستاراً يغطي الكثير من الدموية والجهل واللاوعي، فتحول كل شيء، وانقلب السحر، وتغيرت المعطيات سريعاً، فأصبح العرب يتغنون بمقولة «رب يوم بكيت منه فلما صرت في غده بكيت عليه».

فلماذا أنا متفائل؟

Ad

في الخمسين سنة الماضية، وبعد استقلال الدول العربية من الاستعمار، ظلت مشكلتان عانتهما الدول العربية قاطبة: الأولى، الأنظمة القمعية التي تسببت في دمار الأوطان، ودفعت الشعوب إلى المزيد من التخلف، وتبعثرت المفاهيم، فأصبحت الحقوق منحة، والمواطنة هي الدفاع عن النظام لا الوطن، والمشكلة الثانية هي التطرف الديني، وهو مرتبط بالأنظمة القمعية التي حرصت على تخلف شعوبها، حتى أصبحت شعوباً «مُجهلة»، وجعلت رياح الجو العام خانقة تجر إلى التطرف والجهل، فلماذا أنا متفائل؟

لأن الربيع العربي أنهى أي مشروع قمعي لأي نظام عربي، فلن يستطيع أحد السيطرة على الإعلام الجديد «إعلام التواصل الاجتماعي»، وأنهى إعلام «ودع واستقبل»، فالخشية من الشعوب ظاهرة صحية للأوطان، وفي الجهة الأخرى التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش»، نجحت في جزء كبير، في القضاء على التطرف بوحشيتها وفظاعتها، فخسرت الكثير من التعاطف الذي كانت تكسبه وهي «مكبوتة»، وظهورها للعلن قضى عليها وعلى فكرها المدمر، ومن هنا يتبلور تفاؤلي، فالمشكلتان الرئيستان اللتان عاناهما الوطن العربي في طريقهما إلى الزوال والبوار، فآلام اليوم هي آلام مخاض ما قبل الولادة.