أدمى قلوبنا حادث التفجير الذي وقع في مسجد الإمام الصادق، الذي راح ضحيته أكثر من 26 رجلا ومئات الجرحى، هذا الحدث الجلل أرعب الكويتيين الذين لم يعتادوا مثل هذا العنف الإرهابي الناتج من نسيجهم وليس مستوردا من خارجهم.

Ad

فلأول مرة تحصل جريمة إرهابية بهذا الشكل وهذا الحجم الدخيل على مجتمعنا الصغير الآمن والمترابط بشبكة من العلاقات العائلية الناتجة من قرابة الدم أو المصاهرة، فالكويت بالفعل مجتمع العائلة الواحدة، لأنه مجتمع صغير ترابط مع بعضه بالزواج وبالتكامل الاجتماعي والاقتصادي التبادلي في خدماته، حتى التصاهر امتد ما بين العائلات السنية والشيعية، فهناك عائلات كثيرة من الطرفين ارتبطوا بالتصاهر، ومناطق الكويت السكنية ضمت الشيعة والسنة مع بعضهم البعض في تجاور محب لا يميز ولا يفرق بينهم، حتى دور العبادة والمساجد للطرفين توجد في المناطق نفسها وكذلك الحسينيات، وليس مثل العراق أو بعض البلاد الخليجية الأخرى، حيث توجد مناطق معزولة للسنة ومناطق للشيعة.

وضع الكويت غير ومختلف تماما عن بقية دول الخليج والدول العربية، فهذه الدولة الصغيرة المحصور موقعها بين ثلاث دول عملاقة؛ السعودية والعراق وإيران، ورغم هذا الوضع الجغرافي المحاصر بتأثيرات هذه الدول فإنها استطاعت أن تتفرد بروح وهوية وطابع خاص بها بعيدا عن تأثيراتها، فاستطاعت خلق مجتمع ديمقراطي حر متجانس محب ومتعاون بالرغم من كل اختلافات تركيبته، وربما هذا يعود إلى صغر المجتمع الذي دفعه للتعاضد والتماسك هذا من جهة، ومن جهة أخرى الكويت يحكمها دستور ساوى بين الجميع بمختلف انتماءاتهم ومللهم من دون أي تحيز لأي طرف كان، فالجميع متساوون في الحقوق والواجبات، والكل في النهاية مسلمون يتشاركون في الصلوات الخمس والصيام والحج، ويمارسون العادات والعبادات الدينية نفسها، ويتقاسمون رقعة أرض صغيرة في وطن يخافون عليه من أي شر يحوم حوله.

ما حدث زلزال يجب أن ينتبه له الجميع، وخاصة أولي الأمر منا، فهذا الشاب الإرهابي نبع من نسيج الكويت المحب المتماسك بروح لا توجد إلا عنده، فكيف حدث هذا الإجرام الذي لا يوجد مبرر له في مجتمع متساو في الحقوق ولا يوجد به ظلم أو عنف أو غبن؟!

كيف نبعت روح الإجرام هذه، ومن أي شق أو خلل أدى إلى حدوث هذه الجريمة الرهيبة؟

هناك خلل أدى وقاد إلى هذا التفجير المروع يجب الإسراع في تطويقه والبحث عن مسبباته ودراستها بكل تركيز وجدية، وألا تمر بالمواساة والطبطبة والتعويض المادي، فالأمر خطير وليس حالة فردية عابرة، فهذا الإرهابي الذي فجّر المسجد بحزامه الناسف، مولود في 1998، أي بعد 7 سنوات من تحرير الكويت ولم يعش حربها ولم يذق مرارتها ولا رعبها، فكيف امتلأ قلبه وعقله بكل هذا العنف الإرهابي الذي لا يوجد أي مبرر له في مجتمع مرفه لا توجد به مظالم أو فروقات كبيرة؟

انتباه يا أولي أمرنا... يجب عليكم الأخذ بجدية صارمة في التعامل مع هذا الوضع، يجب تطويق هذه الحالة من كل الجهات والبحث عن مسبباتها ودراستها من كل أطرافها وتجنيد جميع الجهات المختصة والقادرة على القيام ببحوث ومتابعات وتحريات كاملة تخص حياة هذا الإرهابي منذ ولادته إلى يوم تنفيذ جريمته، فحتما هو ليس حالة متفردة عابرة، بالتأكيد هناك أتباع وزملاء ومعلمون وبيئة حاضنة أنتجته وستنتج غيره، لذا يجب معرفة تاريخ حياته منذ ولادته وكل مراحل تعليمه، وتأثير أسرته عليه، ومعرفة مصدر وأسباب كراهيته للشيعة، هل جاءت من منزله أو من مدارسه أو معلميه، أو من دروس المساجد، أو من الجمعيات الدينية التي تزايدت في السنوات الأخيرة، أو من القنوات الفضائية التي انتشرت بشكل رهيب؛ سواء الخاصة بالسنة أو بالشيعة، وكلها تحض وتحرض على الكراهية والعنصرية ضد الآخر المختلف عنه؟

هذا الإرهابي يجب معرفة وتقصي كل حركاته وكل من عايشه وخالطه حتى لحظاته الأخيرة، فهو ليس نبتا شيطانيا ليست له جذور، أكيد أن هناك خميرة له تنضج تحت الاختمار، وتجب ملاحقتها ومحاصرتها لمعرفة أسباب خلقها وتكونها ومن وراء بنائها وتشكّلها، فبمعرفة الأسباب سوف نتمكن من دحرها ومحاربة من يقف خلفها؛ سواء كان من الداخل أو من الخارج.