أكد أستاذ الشريعة في جامعة الأزهر الشريف الدكتور أحمد كريمة، أن دعوات إطلاق مراجعات فكرية من التيارات المتطرفة والمتشددة غير مجدية، وطالب في حوار مع «الجريدة» بضرورة بتر كل التيارات التكفيرية والإرهابية من جذورها، بعدما صارت أعضاء فاسدة فى جسد الأوطان، ولا طائل من محاولات علاجها أو إجراء حوار فكري معها. وإلى نص الحوار.

Ad

• هل المؤسسات الدينية تقوم بدورها في محاربة الفكر التكفيري والتطرف؟

- عمل المؤسسات الدينية مازال تقليديا، حيث يعتمد على الخطب والدروس والقوافل الدعوية في المساجد، بينما المطلوب النزول إلى الشارع والنوادي والمقاهي وكل المؤسسات والشركات والمصانع، ومخاطبة الناس عبر وسائل الإعلام الأكثر انتشارا، استناداً إلى خطة مدروسة تستهدف كل الفئات والشرائح، لتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الدين في عالمنا العربي، والتأكيد على سماحة ووسطية الإسلام.

• من يقف وراء الأعمال التخريبية والإرهابية التي تعاني منها دول المنطقة؟

- هذا فكر السلفية الجهادية وبعض أعوانهم من التيارات الإرهابية التي تكفر الحاكم ومؤسسات الجيش والشرطة، وتدعي زورا وبهتانا أنها تطبق شرع الله، إضافة إلى أن تلك الفصائل تلقى دعم أجهزة خارجية لضرب استقرار المنطقة والإساءة للدين.

• برأيك ما الحل الأمثل للتعامل مع التيارات الإرهابية؟

- تلك التيارات وصلت إلى طريق مسدود، والحوار الفكري معها لن يكون مجديا، وبالتالي لابد من بتر جذورهم، لأنهم صاروا أعضاء فاسدة في جسد الأوطان، وكل ممارساتهم إفساد في الأرض يستوجب حد الحرابة.

• لكن البعض يطالب بإجراء مراجعات فكرية مع تلك التيارات؟

- الدعوة للمراجعات غير مجدية، وربما تلجأ تلك الفصائل إلى "التقية" للخروج من الموقف، وليس أدل على ذلك من الجماعة الإسلامية في مصر التي تبنت المراجعات من قبل، وسرعان ما انقلبت عليها عقب ثورة يناير 2011.

• من حين إلى آخر يخرج علينا من ينكر بعض الغيبيات... فما رأيك؟

- الدين فيه أمور قطعية وأمور ظنية من جهة الورود ومن جهة الدلالة، والقطعيات ورودا أو دلالة لا مجال للاجتهاد فيها، لأنها من المعلوم بالدين بالضرورة، وهي ثوابت في الماضي والحاضر والمستقبل، وتحصر في أركان الإيمان والإحسان، وأصول فقه الحلال والحرام، وهناك أمور ظنية الورود والدلالة، وهي محل اجتهاد لا تخرج الإنسان عن الملة، إن أثبتها أو نفاها، وعالم الغيب لا يبحث فيه، إلا ما جاء فيه نص مصداقاً لقول الله تعالى: "وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا" (الإسراء: 36) ومن الغيبيات المتصلة بفرعيات الاعتقاد قضية نعيم القبر وعذابه.

• ماذا عن إنكار البعض لعذاب القبر؟

- هناك من نفى نعيم القبر وعذابه استنادا لأدلة عقلية أن الجزاء يكون بعد المحاسبة، ومعلوم أنها تكون يوم القيامة ولا يعلم كيف يكون المصير هل إلى الجنة بفضل الله وشفاعة نبيه، أو بفضل العمل الصالح أو إلى النار، وكلها أمور غير محسومة، ومعلوم أن القبر مرحلة برزخية بين الموت وبين البعث، ولا يتصور عقل تقديم الجزاء قبل المحاكمة، وبهذا يظهر أن المسألة ظنية الورود، وظنية الدلالة والورود، فإثباتها أو نفيها لا تعلق له بأركان وأصول الإيمان، والأولى الإمساك عنها، وتفويض حقيقة العلم إلى الله عز وجل بعدم الانزلاق وراء المجادلات والإلهاء والإشغال وترك فقه الأولويات والواقع.

• ما الهدف من إثارة تلك القضايا؟

- إثارة تلك القضايا نوع من إلهاء الرأي العام عن القضايا الرئيسية مثل مواجهة التيارات التكفيرية والتطلع لمستقبل البلاد.

• ما الشروط التي يجب توافرها فيمن يتصدى للإفتاء؟

- هناك شروط يجب أن تتوافر فيمن يتصدى للفتوى من أهمها العلم، فالإفتاء بغير علم حرام، لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله، ويتضمن تضليل الناس، وهو من الكبائر، ثم التخصص بأن يكون من يتعرض للإفتاء قد درس الفقه وأصوله وقواعده دراسة مستفيضة وله دراية في ممارسة المسائل والإلمام بالواقع المعاش، ويفضل أن يكون نال الدراسات العليا من جامعة الأزهر، لكونها معتمدة في ذلك التخصص.

• ما شروط الاجتهاد؟

- هناك شرط للاجتهاد، وهو بذل الجهد في استنباط الحكم الشرعي من الأدلة، والفطانة والتيقظ والإلمام بالمستجدات، فيشترط في المفتي أن يكون فطنا متيقظا.

• هل كل داعية وإمام وخطيب يصلح أن يكون مفتيا؟

- لا، وأحذر من خلط الناس كثيراً بين دارس الإفتاء والداعية، حيث يذهبون إلى المساجد مثلا يريدون الحكم في مسألة ما من إمام المسجد وهذا خطأ، لأن الداعية يبين حكم الله تعالى من غير بحث عن الواقعة وما يكتنفها من أحداث، فهو ينقل أحكام الله تعالى للناس، بينما يدرس من يقوم بالإفتاء الواقع ثم يلتفت إلى الفقه ليأخذ منه حكم الله تعالى في مثل هذه الواقعة بما يحقق مقاصد الشريعة.