في ذاكرة الأيام حكايات للشعوب تناقلتها أجيالها، فيها من البساطة والأصالة والخصوصية ما يستحق أن يروى، وفيها لنا عبر ودروس ومواعظ تخرجنا من عصر السرعة والمادة والتعلق بأستار الرغبات وحطام الدنيا الى مساحات واسعة من الخيال وفضاءات رحبة من التقرب الى الله بنوايا صادقة.

Ad

فللشعوب الإسلامية علاقة روحية برمضان، وعشق أزلي يتجدد باستمرار، تنتظره كل عام بشوق وفرح، ارتبطت به روحا وعانقته وجداناً، وكلها باختلاف ديارها وأصولها اتفقت عبادة واختلفت طباعا وعادات وسلوكاً.

للجغرافيا والمجتمع والتاريخ آثارها في صياغة العقل الكلي وتكوين الإرث عبر السنين.

ونحن في بحثنا هذا نحاول ان نعود بالزمن الى الوراء، ونعيد الرحلة في اتجاه المنابع لأن ما تعيشه شعوب اليوم أتى من بعيد، فهناك ولدت الأسرار. نسافر من منطقة إلى أخرى نبحث عن اخبار رمضان في ذاكرة الزمن الجميل وذاكرة الناس البسطاء، لننقل اخبارا بسيطة مثل اهلها لكنها تخبرنا عن الجذور وعن التاريخ حين يدون برغبة صادقة للوصول الى الحقيقة التي تشير جميعها الى نقاء العبادة والنفوس المطمئنة.

دمشق التي احتضنت بردى وعشقتها الحضارة فحطت رحالها هناك حيث الربى كانت قبلة العاشقين, وحيث الماء والخضرة ورمضان يزهو بين بساتين العنب.

دمشق التاريخ

دمشق أقدم عواصم العالم التي ما زالت مأهولة, وتشتهر بمبانيها ومساجدها واسواقها التاريخية وكنائسها القديمة بجذورها التي تأبطت التاريخ, كما تنتشر المدارس والقصور التاريخية والمقامات والاضرحة, وقد تم تسجيل دمشق القديمة على لائحة اليونسكو للتراث العالمي لما لها من أهمية كبرى ومكانة في التراث الإنساني العالمي الذي ترعاه المنظمة.

ويذهب المؤرخون والباحثون الى ان دمشق القديمة قد أنشئت في الالف الثالث قبل الميلاد, ولذا فان الزائر يشم عبق التاريخ في كل زواياها ودهاليزها الضيقة, وقد تميزت بعمارتها الخاصة التي لا تشبهها عمارة فسميت العمارة الدمشقية لتفردها عن سواها, ولعل المتجول في حاراتها واسواقها وحماماتها وكنائسها وقصورها القيمة يمكنه ان يتخيل تأثير الاصالة والحضارة على الحياة والأشخاص.

تكريزة رمضان

تعود الدمشقيون على الخروج في نزهة عائلية الى الريف في الأسبوع الأخير من شهر شعبان, وقد يجتمع الأقارب معاً في الرحلة او تقتصر على الاسرة الصغيرة, وهي عادة دمشقية قديمة يودع بها الناس شعبان ويستقبلوا رمضان بفرح وسرور, ويسمون هذه النزهة التكريزة وهي ذات معنى ضمني قديم وتعني الوداع, حيث يودع الأهالي شعبان بتكريزة رمضان, وتقوم النساء بتجهيز الطعام في الهواء, فيما يتجاذب الرجال اطراف الحديث وربما ساعد بعضهم النساء بما يجيد عمله, ويلهو الصغار بجوار اهليهم بسعادة, وغالبا ما تكون النزهة في اول النهار ويغادروا عائدين الى منازلهم بعد العصر.

رؤية الهلال

يبدأ الناس في الاستهلال منذ ما قبل المغرب من يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان حيث تخرج مجاميع الناس في الأماكن المرتفعة كقلعة دمشق او جبل قاسيون او خارج الاحياء الدمشقية, وقد يتفق مجموعة من أهالي الحي الواحد مبكرا على الخروج سويا فيما يلحق بهم بعض الأهالي الذين قرروا الذهاب للاستهلال متأخرا, وحين تثبت رؤية الهلال يذهب الذين رأوه الى الجامع الاموي حيث يجتمع بعض علماء دمشق هناك لاستقبال شهادة الشهود وحيث يطمئنوا لثبوت الرؤية يتم الإعلان عن بداية شهر رمضان وتطلق المدافع طلقاتها ويبدأ المسحراتية بالسعي الحثيث بين أزقة الحي يخبرون الأهالي ببداية الشهر.

مدفع رمضان

يرى بعض الباحثين ان اول مدفع استخدم في ثبوت رؤية الهلال في دمشق كان في عام 1742م وقد تم نصبه في قلعة دمشق, ويروي الباحثون قصة غريبة للمدفع الأول, حيث يقال ان الدمشقيين لم يروا الهلال في ذلك العام وثبتت رؤيته في مدينة أخرى وحين وصل الخبر الى والي دمشق أسعد باشا العظم متأخرا أمر بنصب المدفع فوق القلعة التي تتوسط دمشق في تلك الفترة واطلقت الطلقات قبل منتصف الليل فخرج الأهالي من منازلهم لمعرفة ما يجري, وحين علموا ان غداً سيكون غرة الشهر المبارك قام الحلوانيون وبائعي الفول المدمس بفتح دكاكينهم ودب النشاط بأرجاء المدينة فكانت ليلة مشهودة, ومنذ ذلك الحين أصبحت طلقات المدفع تستخدم لثبوت هلال الشهر وثبوت هلال العيد وإعلان الإفطار في مغرب كل يوم من أيام رمضان.

وقد تم نقل المدفع ابان الانتداب الفرنسي من قلعة دمشق التي اتخذتها القوات الفرنسية ثكنة لإحدى الفرق العسكرية فنقل الى هضبة قبة السيار المشرفة على ربوة دمشق, وبعد اتساع المدينة عبر السنين لم يعد المدفع الوحيد مؤديا للغرض الذي اتخذ من اجله فتم نصب المدفع الثاني في القرن التاسع عشر بالقرب من باب كيسان احد أبواب دمشق الشهيرة واحد الأبواب الأربعة التي وضعت لسورها ابان الدولة الاموية, وقد استمر المدفعان يعملان في دمشق رغم اتساع المدينة وزيادة عدد سكانها.

وتعود أهالي دمشق على سماع طلقات المدفع عبر السنين وبعلامات وطرق ثابتة, فيتم اطلاق احدى وعشرين طلقة عند ثبوت رؤية هلال شهر رمضان ومثلها عند ثبوت رؤية هلال شوال أول أيام عيد الفطر المبارك, فيما يتم اطلاق طلقة واحدة عند مغرب كل يوم من أيام شهر رمضان حالما يتم اضاءة القناديل ورفعها فوق منارة المسجد كإشارة لصاحب المدفع, واما في السحور فيتم اطلاق ثلاثة طلقات اثنتان قبل السحور والثالثة لاعلان الإمساك.

أسواق دمشق في رمضان

تعودت أسواق دمشق المشهورة ان تشهد نشاطا واضحا في الأيام التي تسبق شهر رمضان, ولأن دمشق كانت قبلة التجار في مختلف المدن السورية وغير السورية أيضا, فقد كانت تتم في أسواق الحميدية والبزورية ومدحت باشا الصفقات التجارية الكبرى وعمليات البيع بالجملة حيث تعود معظم أصحاب المحال التجارية في دمشق وغيرها من المدن ان يتبضعوا من أسواق دمشق المشهورة خاصة في موسمي رمضان وعيد الفطر حيث يزيد الطلب على المواد الغذائية والملابس وبعض البضائع الأخرى, وقد عرفت دمشق ببعض الأسواق التي كانت قبلة التجار والمتبضعين والناس العاديين أيضا ولعل اهم هذه الأسواق الحميدية والحريقة ومدحة باشا والبزورية.

سوق الحميدية

وهو احد اشهر أسواق الشام وربما اشهر الأسواق العربية قاطبة, حيث تم بناؤه قبل مائتي عام او دون ذلك, وقد وصفه بعض الزوار والرحالة والباحثين بأنه كان جميل البناء واسعا وضخما وتتوزع المحال التجارية على جانبيه بشكل منظم وقد فرشت ارضيته بالاحجار, وتم انشاء السوق في النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الأول ومنه اشتقت تسميته الحميدية, ويبدأ السوق من منطقة الدرويشية ولمسافة ميلين تقريبا حيث ينتهي قريبا من الجامع الاموي الشهير مرورا ببوابة معبد جوبيتر التاريخية, ومنه تتفرع اسواق عديدة كانت في الماضي قبلة المتبضعين لعل أهمها سوق الصاغة المتخصص بانواع الحلي المختلفة وسوق السروجية المتخصص بسروج الخيل الدمشقية التي تتم صناعتها فيه ويتم تصديرها الى مختلف البلدان المجاورة خاصة بادية سوريا وباديتي العراق الغربية والجنوبية وشمال الجزيرة العربية والحجاز ومصر أيضا, وتتفرع منه أيضا أسواق العصارين والخياطين والحرير والعرائس والمسكية والطويل والقيشاني, وتباع في السوق مختلف أنواع الأغذية والملابس والاواني وغيرها, ويأتيه الدمشقيين قبل رمضان واثنائه لشراء حاجاتهم الرمضانية حيث تكون أسعاره الأنسب في دمشق قاطبة, كما ان موقعه في وسط دمشق جعل منه مزارا لمعظم الدمشقيين وقاطني الغوط المجاورة.

سوق البزورية

وهو من الأسواق التاريخية المتخصصة المشهورة والذي يقع شرقي الجامع الأموي, وقد تخصص السوق قديما وحتى اليوم ببيع البهارات والزهورات والاعشاب ومواد الطبابة الشعبية القديمة, كما تخصص ببيع الحلويات والسكاكر وموادها الأولية, واشتهرت بعض محاله ببيع التوابل الدمشقية والشامية والفواكه المجففة وصابون زيت الزيتون وصابون الغار السوري الشهيرين, كما تخصص السوق قديما ببيع الشموع ومواد الانارة والملبّس الدمشقي الذي كان مشهورا في الماضي القريب, وقد توارثت الاسر محال السوق عبر الأجيال وتوارثت الصنعة أيضا, فعرفت بعض الاسر بالعطارة وعرفت أخرى بصناعة الصابون وبيعه كما عرفت بعض الاسر بالأدوية الشعبية وتجفيف الفواكه وصناعة الشموع والفوانيس ومعدات الإضاءة القديمة, وكان يسمى قديما بسوق القمح حيث كان منتجي القمح يبيعون بضائعهم في مدخل السوق جملة ثم سمي سوق الدهون لأن افضل أنواع زيت الزيتون وزيت اللوز كانت تباع فيه, لكن في المائة عام الأخيرة غلب عليه اسم البزورية بعد ان ألحقت به محال العطارين وبائعي التوابل والبهارات والبزارات, ولعل اجمل ما بالسوق انه يضم اجمل خانات الشرق الأوسط قديما وهو خان اسعد باشا الشهير كما ضم اشهر الحمامات الدمشقية وهو حمام نور الدين, وكان الأهالي يتوافدون على السوق من كل احياء دمشق وبعض المدن والمناطق السورية الأخرى لشراء التوابل والبزوريات والفواكه المجففة والشموع وأدوات الانارة القديمة والعديد من البضائع التي تحتاجها الاسر والمحال البعيدة لشهر رمضان.

سوق مدحت باشا

وهو من الأسواق الشهيرة والقديمة بني في عام 1878م على يد والي دمشق مدحت باشا العثماني ويقع في وسط دمشق القديمة وبالتوازي مع سوق الحميدية, يبدأ من باب الجابية وينتهي عند الباب الشرقي, وقد كان مكشوفا في اول بنائه وتقع محاله صفين متقابلين ثم تم سقف جزء منه, وكانت تتوزع به العديد من الفنادق او الخانات كما كانت تسمى, وكان يتوسطه احد المساجد وقصر نعسان وبيت عنبر وهو شيخ السوق الذي اصبح متحفا فيما بعد, كما تقع في نهايته عند الباب الشرقي كنيسة حنانيا الشهيرة التي بنيت في العصر البيزنطي, وكانت شهرة السوق ببضائعه التي يبيعها واهمها مكونات القهوة كالبن والهيل والمعدات, كما يعتبر السوق الرئيسي للمكسرات ومواد الحلويات والمنسوجات والسيوف الدمشقية الشهيرة والكثير من الاواني الراقية ومكونات البناء القديم كالموزاييك والتحف والمصدفات, وتغلب على محلات الجزء الأخير منه الصناعات والورش الفنية, وكان سوقا عامرا طوال العام لكنه ينشط بشدة في النصف الثاني من شهر شعبان حيث يقبل الأهالي ومحال الحلويات على شراء القهوة والعطريات والمكسرات وبعض الحاجات الاخرى.

الحكواتي  

   

وهو شخصية كانت ساحرة عرفتها المقاهي الدمشقية قبل مائتي عام او اكثر, وكان الحكواتي ذو وجه وهندام مهيبان وصوت جهوري ويتميز بعذوبة الحديث, وتختلف شخصية الحكواتي من مقهى لآخر وتختلف معها أنواع القصص والحكايات التي يرويها وطرق روايته لها, فحكواتي المقاهي المتواضعة التي يرتادها سوقة الناس يختلف كليا عن حكواتي المقاهي الراقية, وقد تعود الحكواتي في المقاهي المتواضعة على رواية الحكايات والقصص التي تخاطب الغرائز والعواطف كحكايات ألف ليلة وليلة ومجنون ليلى وبعض قصص الاساطير فيما كان بعض الحكواتية الذين تعودوا ان يرتقوا مقعد الحكواتي في المقاهي المتوسطة والراقية على رواية القصص التي تثير النخوة والعزة في النفوس وتؤكد على القيم والمفاهيم الاصيلة كسيرة بني هلال والظاهر بيبرس وعنترة.

ولعل اشهر الحكواتية الذين عرفتهم دمشق في القرنين الأخيرين المرحوم عبدالحميد الهواري الملقب بأبي أحمد المنعش والذي بدأ مزاولة مهام المهنة في بداية القرن العشرين واستمر حتى وفاته عام 1951م, وكان رواد مقهى الخيرية يجتمعون في رمضان مبكرا ليحصلوا على مقعد قريب منه, وحين انتقل بعد ذلك الى النوفرة انتقل بعض رواد المقهى الأول الى الثاني, وقد عرف المرحوم المنعش بروايته لقصص الزير سالم والسيرة الهلالية والملك الظاهر, وكان يحفظها جميعا ويرويها بسجية مدهشة.

سوق الحريقة

يقع سوق الحريقة في قلب دمشق القديمة متوسطا الأسواق الدمشقية في المنطقة التي كانت تسمى سيدي عامود بسبب وجود قبر احد ولاة دمشق القدامى فيها واسمه احمد العامود باشا, وكانت المنطقة في الأساس سكنية تنتشر بها المنازل التي كان غالبية أهلها من أصحاب المحلات في أسواق مدحت باشا والبزورية والحميدية, وقد اندلع حريق كبير أتى على هذه المنازل وبعض محلات سوقي الحميدية ومدحت باشا في العام 1925م كما احترق فرن جبران وزقاق سيدي عامود وزقاق المبلط  ودمرت بعض الاثار التاريخية هناك بسبب القذائف التي اطلقها جيش الاحتلال الفرنسي من قلعة المزة باتجاه وسط المدينة القديمة, وبعد الدمار التام للمنازل والابنية قامت البلدية بتعويض الأهالي بأراضي خارج البوابات القديمة وتم انشاء السوق الذي سمي الحريقة نسبة للحادثة في ذات المكان وتم توزيع المحال التجارية للسوق الجديد على أصحاب المحال المدمرة في الحميدية ومدحت باشا مما جعل بضائع السوق في اول نشأته متنوعة وغير متجانسة كما كان بعض الأهالي القادمين من ارياف دمشق وغوطاتها يبيعون منتجاتهم الزراعية والحيوانية في الساحات التي تقع في وسط السوق وفي اطرافه مما جعل سكان دمشق القديمة والاحياء القريبة منها يتبضعون من هذه البسطات لأسعارها المناسبة وحاجة الأهالي لها خاصة في رمضان حيث تباع الخضار والفواكه والاجبان والالبان والدهون المتنوعة.

عادات دمشقية في رمضان

تعود الدمشقيون في الماضي على التزاور والتواصل في الشهر الكريم, اذ كان الجيران يتبادلون الأطعمة قبل الفطور, فيما تتعدد جلسات الإفطار الجماعية التي تجمع كبير الاسرة والابناء والبنات والازواج والزوجات والصغار جميعا, ويقوم الكبار والوجهاء باستغلال قدوم الشهر الكريم في حل النزاعات والخصومات بين الأقارب والجيران مستغلين روحانية الشهر المبارك ورغبة المتخاصمين في الصلح.

ومما كان يميز دمشق في رمضان صوت المسحر الذي يبدأ بالتجول في الطرقات ومنازل الحي قبل السحور لايقاظ النيام وهو يضرب على طبله ويردد الجمل التي كان الدمشقيون يحفظونها لكثرة سماعهم لها مثل يا نايم وحد الدايم ويا نايم اذكر الله, ولأن المسحر من اهل الحي ويعرف البيوت بيتا بيتا فإنه اثناء مروره ربما ضرب بعصاه باباً وهو ينادي اصحى يابو فلان وعند الباب الاخر سحور يابو فلان, وكان الأهالي ينادونه اثناء مروره فيعطونه بعض الأطعمة والحلويات التي يتناولها مع أولاده في السحور.

والمائدة الدمشقية القديمة كانت من اغنى الموائد واشهاها حيث تتنوع الأطعمة من خضار وفواكه ومحاشي ومنتجات حيوانية ونباتية متنوعة, كما تتميز بالحلويات الجميلة والمشروبات اللذيذة, ولعل اشهر والاطعمة والاشربة الدمشقية القديمة كانت محشي الكوسة والشاكرية واليبرق وعيشة خانم وشوربة العدس وفتة المكدوس والصفيحة واليلانجي والفتوش وبرك الجبن والتسقية وقمرالدين والعرقسوس والتمر هندي والمهلبية والعصافيري والمدلوقة وبلح الشام بالإضافة الى أنواع عدة من الأطعمة الدمشقية الاصيلة التي لا يتسع المقام لذكرها.

وقد تعود الرجال بعد العشاء على الذهاب الى المقاهي التي تنشط في ليل رمضان حيث تقدم المشروبات الساخنة والادخنة التي يقبل عليها الصائم, ويتجاذب الحضور هناك اطراف الحديث والسمر, وقد انتشرت المقاهي في دمشق منذ ما قبل منتصف القرن السادس عشر لكن الوجهاء والرؤساء لم يكونوا يحبذون الجلوس على المقهى في بداية انتشارها لما يرونه من تدني لا يتناسب مع مكانتهم الاجتماعية, وكان لكل اهل صنعة مقهى يخصهم يجلسون فيه في رمضان وغير رمضان كمقهى النجارين والقابي قول واللحامين, فيما كانت بعض المقاهي يرتادها العامة كمقهي اللونا والرشيد والفاروق والازبكية والزهور وخنيني والأخير مقهى سيء السمعة يرتاده المجرمون واللصوص والسراق والهاربون من العدالة, وكان اشهر مقهيين في دمشق مقهى الاجاز ومقهى الخيرية ثم تلاهما مقهى النوفرة الذي اشتهر برواده من الوجهاء والتجار وكبار المثقفين والادباء وكانت المقاعد تتوزع فيه بطريقة جميلة ومرتبة وبعضها كان يحجز لأشخاص معينين طوال ليالي شهر رمضان حتى وان لم يحضر يحضروا.

*كاتب وباحث كويتي