ما هو مفهوم تجديد الخطاب الديني؟

Ad

مفهوم الخطاب الديني هو نشر الدين الإسلامي السمح بفروعه، الشريعة والعقيدة والأخلاق، حتى يتعلم المسلمون ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وتتحدد مقاصده وفق الاحتياجات والأولويات ضد التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية اليوم. ويرتكز مفهوم التجديد على ثلاثة محاور رئيسة: الأول هو نشر العلم بين الناس، ونشر شرائع الدين التي اختفت بين المسلمين بسبب الجهل الذي خيَّم على عقول المسلمين نتيجة التأويلات الفاسدة التي أضاعت كثيراً من دلالات النصوص وذلك بإظهار ما تم طمسه، والمحور الثاني هو إزالة اللبس والغموض وما علق بالدين من بدع وافتراءات، وإزالة ما زيد في الشريعة الإسلامية، بينما المحور الثالث فيقوم على العمل على تآلف الناس ووحدة الأمة واجتماع الكلمة. ومع ذلك، حتى الآن لا يوجد تعريف ثابت محدد لتجديد الخطاب الديني، لكن هي مجرد اجتهادات في مجملها طيب، وثمة من يذهب إلى أن هذا التجديد هو توضيح المفاهيم ومخاطبة الناس بأسلوب إسلامي يتوافق مع الواقع الذي نعيشه.

دعاوى التجديد

لماذا زادت الدعوة خلال السنوات الأخيرة إلى تجديد الخطاب الديني؟

يرى البعض أنها دعوة فرضتها الظروف العالمية، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ويرجعها البعض الآخر إلى أنها دعوة فرضتها ظروف إقليمية وداخلية، بدأت منذ منتصف القرن الماضي، خصوصاً بعد ظهور ما يُسمى بفكر الجماعات المتشددة، الذي يحمل في طياته دعوة إلى العنف. وثمة من يراها دعوة متجددة منذ العصور الإسلامية الأولى، تهدف إلى ربط الأهداف الدينية بالقضايا المعاصرة، ويساعد الناس على العيش في المستقبل من خلال التأكيد على مجموعة من القيم، مثل العقلانية والموضوعية والنقد وقبول الآخر والتطوير والإبداع... وغيرها.

ويمكن أن تكون هذه الآراء جميعاً محتملة، لكن يبقى السؤال الأهم هنا: ما هي ملامح الخطاب الديني الحالي؟ وبمعنى أدق الخطابات المختلفة، المسيحية والمسلمة، وخطاب المؤسسات الدينية الرسمية في عالمنا العربي والإسلامي، وخطاب المساجد والكنائس، والخطاب الديني في المؤسسة التعليمية... وبالتالي يكون السؤال اللاحق: ما المطلوب تجديده في هذا الخطاب الديني الحالي، ومن يحدد السلبي والإيجابي في هذا الخطاب، وكيف سيبدأ التجديد، ومن المسؤول؟ أسئلة كثيرة وكبيرة تحتاج للإجابة عنها إلى دراسات متعددة ومتعمقة ومتراكمة، وليس الآراء الشخصية، أو حتى آراء مجموعة منتقاة، بل إلى أسس علمية تكون أساساً لإنماء هذا الحقل العلمي.

هل ترى أن أئمة المساجد والدعاة كان لهم دور في تراجع الخطاب الديني المستنير؟

لم يبالغ كثيرون من علماء التنوير، حينما أكدوا أن المسلمين يتحملون جزءاً كبيراً من مسؤولية التحديات المعاصرة، بسبب الممارسات الخاطئة لبعض من ينتسبون إلى الإسلام ويسيؤون إليه، وفي مقدمة هؤلاء فئة الدعاة الجهلة الذين يعيشون في عالم بعيد كل البعد عن واقع الحياة، وما يدور فيها من أحداث ويحاولون بجهلهم تغييب عقول المسلمين، وترسيخ فكر الترهيب بتصوير ما سيحدث في العالم الآخر، من ويلات وعذاب أليم في جهنم وبئس المصير.

والغريب أن هذه الفئة من الدعاة تتحدث بتعاليم الإسلام، وهي أبعد ما يكون عن تنفيذ تلك التعاليم، فقد أمرنا الله تعالى، ورسوله عليه الصلاة والسلام بتطبيق مبدأ الوسطية والاعتدال ومخاطبة العقل ومسايرة الواقع، ومراعاة شروط الصلاة الصحيحة، وتنوير العقول بالخطب السليمة... لكننا نجد أمثلة صارخة تعكس صوراً لما يحدث من انتهاكات لتعاليم الدين الحنيف بأشكاله كافة وصوره على أيدي أصحابه ودعاته الذين أصابهم الجمود في الفكر والتسطيح في العرض والإطالة، في وقت الخطبة لدرجة الملل والسأم بلا فائدة، وبلا طائل من ورائها، مع الإغراق في أحاديث مشكوك في صحتها.

الداعية العصري

هل يعني ذلك أن تجديد الخطاب الديني مشروط بداعية عصري؟

ثمة دور مهم يقع على المنظمات الإسلامية العاملة في خدمة الإسلام والمسلمين، نظراً إلى ارتباط هذه القضية بما يُسعى إليه من تطوير للخطاب الديني، لأن المنفذ لهذه الخطة هو الداعية الديني، ولا يمكن أن تنجح دعوات الحوار مع الآخر وتجديد الخطاب الديني إلا من خلال دعاة يفهمون لغة العصر، حتى لا يكون الداعية في واد والمتلقون في واد آخر. كذلك يجب أن يعي الداعية الآثار التي ترتبت على ثورة الاتصالات في العالم نظراً إلى ارتباط العالم بشبكة قوية وسريعة. ولا بد من أن يكون الإعداد الجيد من خلال الجامعات الإسلامية والمنظمات. وهنا لا بد من أن نكون على قدر من الاعتراف بالأخطاء في خطابنا الإسلامي المعاصر، وأفضل تعبير عن الكلام في هذه القضية هو خطبة الجمعة ومختلف الدروس، والعظات التي تعطى في مساجدنا ومراكزنا الإسلامية. والواقع الأليم داخل بلادنا وخارجها أن الخطاب ليس على المستوى المطلوب، لذا ثمة حاجة إلى مراجعة، لا سيما أن ثمة من يقف على المنابر ولا يستطيع التعبير عن عقول الجماهير والتواصل معهم أو مخاطبتها بمضمون الرسالة الإسلامية التي تحتاج إليها الناس، لأن الدعوة لا تتم من دون داعية تتوافر فيه عصرية الواقع.

ما هي سبل تجديد الخطاب الديني في وسائل الإعلام؟

يجب أن يتحول التعاون بين المؤسسات المختلفة إلى واقع مملوس، نجعل منه سبباً في البناء والتنمية، لذا فإننا بحاجة إلى أمور عدة من بينها اعتبار المساحة المخصصة للخطاب الديني في وسائل الإعلام المختلفة أساساً من أسس المجتمع وبنائه. بالتالي، ينبغي أن يراعي ذلك كل من الطرفين المعنيين به وهما العلماء والمؤسسات الدعوية والإعلامية. ويتطلب ذلك إعداد الدعاة والعلماء المؤهلين علمياً ودعوياً وإعلامياً لمخاطبة الناس، عبر وسائل الإعلام بأسلوب ناضج يُرِّغب المشاهدين باتباع ما يقوله الداعية، كذلك وجود مؤسسات بحثية تحسن دراسة الواقع، وتحسن التواصل مع مراكز البحث، والدراسات الإحصائية، وذلك لبلورة تصور ناضج للواقع يفيد العلماء والدعاة في توجيه الخطاب الديني على أساس صحيح من الوعي والتشخيص للمشكلة باعتباره العلاج السليم، وهذه خطوة مهمة لإخراج الذين يوجهون الخطاب الإسلامي من حوصلة رد الفعل والتشنج إلى رؤية الواقع من زاوية واحدة.

 كذلك يجب حماية الدعاة والعلماء من أن تستدرجهم الشهرة إلى ما لا يحمد عقباه، من ميل إلى أحد يوقعه في تحريف الدلالات والتلاعب بالنصوص تبعا للأهواء الشخصة، وهذا يتطلب إنشاء مدارس إسلامية متخصصة لإعداد الدعاة الإعلاميين الذين يمكن لهم أن يوجهوا الخطاب الديني إلى مساره الصحيح بوسائل الإعلام.

التشدد وتراجع الخطاب

هل تراجُع الخطاب الديني ناتج من تصدر الجماعات الدينية المتشددة المشهد وتأثر الشباب بخطاب آخر؟

إذا جاز لنا القول فإن حال الخطاب الديني اليوم لا يرضي أحداً، حيث إن المتخصصين قد أبعدوا عنه، وتصدر المشهد أنصاف علماء وجهلاء ومغرضون ومتشددون وكان هذا سبباً في أن صعد المنابر من ليسوا أهلاً للخطاب الديني، أو أن نشاهد عبر وسائل الإعلام من يشرح للناس أمر دينهم وهو غير متخصص، وبثوا أفكاراً خارجة ومال خطابهم إلى التشدد والغلو، وابتعدوا تماماً عن قواعد التسامح والعفو والعمل، باعتبار أن الإسلام الصحيح هم من يملكون التبليغ عنه، إلى جانب أنهم يتطاولون على علماء لهم باع طويل في بحور العلم والحديث واللغة. ومن ثم وقع كثير من الشباب تحت جهلهم وحملوا رسالة التشدد والغلو عنهم.

هل كان ضعف المؤسسة الدينية سبباً في تراجع الخطاب الديني وعدم الاهتمام بتجديده؟

لم تكن المؤسسة الدينية يوماً ضعيفة أبداً، والدليل على ذلك أن مؤسسة الأزهر الشريف مثلاً مازالت منارة للعلم والدين ونشر الإسلام الوسطي السمح المعتدل الذي اشتهرت به طيلة ألف عام  في العالم الإسلامي. لكن تصدرت المشهد الديني جهات أو أشخاص ليسوا أهلاً للدين، وهؤلاء شوهوا الدين والمؤسسة الدينية لأجل إحداث بلبلة، وكي يشكك الناس في مصداقية هذه المؤسسة الراسخة، أو أن يكون الهدف هو إبعاد الأزهر عن المشهد الديني، كما حدث في الفترات السابقة وكان هذا عن قصد. لكن لا بد أن نؤمن تماماً بقول الحق سبحانه وتعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»، (الحِجر: 9)، وهنا نقول ردت للأزهر وديعته اليوم.

في سطور:

تخرج الدكتور جودة عبدالغني بسيوني،  في كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر الشريف وعمل مدرساً وأستاذا للشريعة فرئيساً لقسم الشريعة الإسلامية، ثم عُين عميداً للكلية.

أختير رئيساً للجامعة المصرية للثقافة الإسلامية في دولة كازخستان في عام 2014، واستطاع خلال عام أن يُنشئ ثلاث كليات أخرى ملحقة بالجامعة هي كلية اللغة العربية والشريعة وأصول الدين، كذلك أسس مركزاً لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.

صدر له الكثير من الكتب الشرعية أهمها «الأحوال الشخصية»، و»الميراث» و»الوصية»، إلى جانب المئات من الأبحاث والدراسات المحكمة في الفقه والعبادات في نظم الإسلام.

المُجدِّد

قال د. بسيوني نحن اليوم في حاجة إلى خطاب ديني يخاطب العقل، من خلال العمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة ونشر تعاليم الدين بين شبابنا وأطفالنا في المدارس والجامعات، لأن المسجد ليست مهمته وحده تجديد الخطاب الديني بل إنه شريك في توصيل هذا الخطاب. وأنا أتفق مع  أن الخطاب الديني يجب أن تبدأ مراحله الأولى من المدرسة والمنزل ودور العبادة، فتطوير هذا الخطاب وتصحيح المفاهيم ليست مهمة المسجد أو الخطباء وحدهم، بل هي مهمة الجميع من سياسيين ورجال الاقتصاد وعلماء الاجتماع. الكل مسؤول عن تجديد الخطاب الديني حسب وظيفته من منطلق إسلامي.

وعن المنوط به تجديد الخطاب الديني... وصفات المُجدِّد أكد أن التجديد ليس قاصراً على شخص معين، بل يتطلب فيمن يتصدى للتجديد أن يتمتع بالإعداد الجيد، وهنا أضرب مثالاً: عندما نعد معلماً إعداداً جيداً كي يُعلِّم التلامذة العلوم الدينية والتربوية فكأنما أعددنا شعباً طيب الأعراق. أما الصفات التي يجب أن تتوافر في المُجدِّد فلا بد من أن يكون صاحب علم غزير، وأن يكون أسلوبه الأمثل هو الحكمة والموعظة الحسنة، وأن يكون صبوراً ولديه القدرة على التحمل لما يلحقه فسيواجه بعض المشاكل والمتاعب، وأن تكون الرحمة بالناس أساس خُلقه، وأن تكون شعاراً له أثناء سيره في هذا المجال، وأن يكون قدوة حسنة فهي من أبلغ صور التبليغ.

العلاج

عن أولى خطوات علاج الخطاب الديني قال د. بسيوني: لا بد أولا من أن يعتمد على دقة التشخيص والاعتراف بالمرض، وهو أمر نفتقده في قضايانا العامة التي نقوم فيها بتزيين ما هو حاصل من قضايا مهمة وأهمها نماذج التدين المتعددة، ومنها ما هو إيجابي ومنها ما هو تعويضي لعجز، إضافة إلى مواجهة انتشار الغيبيات عند العامة اعتقاداً منهم بأنها تشكل عالماً أعلى، فيفسرون الظواهر تفسيراً عشوائياً. كذلك التشدد كارثة كبرى، فقضية تجديد الخطاب الديني مهمة، لكن الأهم هو محاولة إعادة فهم الإسلام وإعادة تقديمه للعالم، لذا ينبغي أن يذكر الدعاة أمراً مهماً، وهو أن الإسلام ليس ديناً جديداً، وعلى المسلم المعاصر أن يشعر أنه جزءٌ من هذا الدين الذي يُيسر له الحياة دنيا ودينا، فالراسل هو إله واحد والرسالة واحدة على اختلاف الأزمان.