يرى الكاتب أن العيش والحرية ليسا حقين متناقضين، والإصرار على أن يختار المواطن بينهما هو اختيار مرفوض، فرضته بعض الأنظمة الدكتاتورية لتتمكن من السيطرة على شعوبها من خلال حجج واهية تبرر قمعها. عنوان المقال هو شعار ثورة يناير التي بهرت العالم كله ووقف الجميع احتراماً وتقديراً للشعب المصري الذي استطاع باعتصام سلمي في جميع ميادين مصر وخلال 18 يوماً فقط أن يفرض إرادته ويدفع حكماً استمر 30 عاماً إلى الرحيل. هذه الثورة التي يحاول البعض الآن التبرؤ منها وإلحاق الخطايا والآثام بها من خلال الكذب والافتراء عليها، أثبتت مرة أخرى ومن خلال مشهد واحد (مقاطعة الانتخابات) أن صمت الشباب أقوى من هدير المدافع... وعذراً إن طالت المقدمة قليلاً، فالمقال لا يتحدث عن ثورة يناير، ولكن فقط عن شعارها وتحديداً الجزء الأول منه."عيش... حرية"، والسؤال الأبدي الذي تفرضه الأنظمة الدكتاتورية في كل زمان ومكان: الغذاء أم الحرية؟ الطعام أم حقك في التعبير؟ هل تريد أن تأكل وتنام في بيتك أم تقول رأيك وتدخل المعتقل؟ هذه هو السؤال الذي عاد يتردد الآن بقوة من خلال حديث البعض بأنه "لا مجال للحديث عن حقوق الانسان مادام هناك فقراء"، إن كان المطلوب توفير الطعام لملايين المصريين فلا حديث عن حقوق الإنسان والإفراج عن المعتقلين! هكذا يتحدث البعض ويصور الأمر، إما هذا أو ذاك.لماذا تضعون الطعام والحرية على طرفي نقيض؟ لماذا يا سادة؟ لماذا لا يكون هناك حرية وحقوق إنسان وكرامة للمواطن وحق في التعبير، وأيضاً حقه في توفر الغذاء والكساء؟ إن توفير العمل والغذاء والعلاج وكذلك حرية التعبير حقوق أساسية للمواطن، وواجب على الحكومة والنظام، ولا يجوز ولا يجب أن تكون إما هذا وإما ذاك.فحديثكم وسؤالكم أشبه بسؤال السخرية: النخلة أطول أم الطائرة أسرع؟!إن كرامة المواطن وحقوقه الإنسانية ليست بديلاً عن حقوقه المادية كحق الطعام والكساء والعلاج والدواء. قال تعالى: " إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)". (طه) قال المفسرون: تضحى أي تتعرض للشمس. فلا تضحى كناية عن توفر السكن والمأوى.هذه هي الحقوق التي أنزلها الله لعباده وأي قصور فيها هو من صنع البشر، فالإصرار على أن يختار المواطن بين "العيش أو الحرية" هو اختيار مرفوض، وإن فرضته الأنظمة الدكتاتورية القمعية لتتمكن من السيطرة على شعوبها وإذلالها من خلال حجج واهية تبرر قمعها وإرهابها.لا يا سادة... كما قالها الشعب من 5 سنوات، نعيد قولها الآن: "العيش مع الحرية".لا يا سادة... حقوق الإنسان وكرامته وحقه في التعبير والعودة آمناً مطمئناً إلى بيته لا تتعارض مع حقه، وواجب الدولة في توفير الطعام والغذاء وحل المشكلات الاقتصادية التي يواجهها... أما إذا كان الأمر يتعلق بفشلكم وعدم قدرتكم على توفير الأمرين معاً، فهذا موضوع آخر وحديث آخر.
مقالات
عيش... حرية... عدالة اجتماعية
13-11-2015