في ذاكرة الأيام حكايات للشعوب تناقلتها أجيالها، فيها من البساطة والأصالة والخصوصية ما يستحق أن يروى، وفيها لنا عبر ودروس ومواعظ تخرجنا من عصر السرعة والمادة والتعلق بأستار الرغبات وحطام الدنيا الى مساحات واسعة من الخيال وفضاءات رحبة من التقرب الى الله بنوايا صادقة.

Ad

فللشعوب الإسلامية علاقة روحية برمضان، وعشق أزلي يتجدد باستمرار، تنتظره كل عام بشوق وفرح، ارتبطت به روحا وعانقته وجداناً، وكلها باختلاف ديارها وأصولها اتفقت عبادة واختلفت طباعا وعادات وسلوكاً.

للجغرافيا والمجتمع والتاريخ آثارها في صياغة العقل الكلي وتكوين الإرث عبر السنين.

ونحن في بحثنا هذا نحاول ان نعود بالزمن الى الوراء، ونعيد الرحلة في اتجاه المنابع لأن ما تعيشه شعوب اليوم أتى من بعيد، فهناك ولدت الأسرار. نسافر من منطقة إلى أخرى نبحث عن اخبار رمضان في ذاكرة الزمن الجميل وذاكرة الناس البسطاء، لننقل اخبارا بسيطة مثل اهلها لكنها تخبرنا عن الجذور وعن التاريخ حين يدون برغبة صادقة للوصول الى الحقيقة التي تشير جميعها الى نقاء العبادة والنفوس المطمئنة.

الأهواز، إقليم عربي معروف قديماً، كانت وما زالت تسكنه قبائل عربية أصيلة اختارت السكنى هناك منذ الفجر الأول للإسلام، مستفيدة من الامتداد الجغرافي الطبيعي بين العراق والأهواز وطامعة في الأرض الخصبة والماء الوفير، فانتقلت إلى هناك لتنقل معها عادات جميلة وتكتسب أخرى.

الجغرافيا والتاريخ

يقع إقليم الأهواز شرق العراق، ويبدأ جنوباً من ضفاف الخليج شرقي البصرة، ثم يمتد باتجاه الشمال قريباً من الأراضي الكردية، ويحده من الشرق سلسلة جبال زاغروس، ومن الخطأ إدخال الضفة الإيرانية من الخليج ضمن الأراضي الأهوازية اعتماداً على أصول سكان الضفة حيث يعتبر بعضهم عرباً أو ذوي أصول عربية، فهم مختلفون في الجغرافيا والأصول والعادات والتقاليد والأنشطة، ولا يمكن جمعهم بإقليم واحد، إنما الضفة الإيرانية من الخليج تبقى امتداداً طبيعياً لإيران سكنته بعض القبائل العربية كهجرة ليس إلا، وأما إقليم الأهواز، فإن غالبية سكانه من القبائل العربية مثل بني أسد وتميم وعبادة وبني هاشم، وما بقي من المشعشعين الهواشم وبني كعب والشرفة وبني طرف الطائية والنصار والعديد من القبائل العربية ذات الامتداد في الجانب العراقي أو المنقطعة إلى الإقليم، ومثلما استبعدنا صلة الأهواز بالشريط الساحلي الإيراني للخليج فمن الممكن الانتباه إلى الامتداد الطبيعي لسهل الأهواز مع السهل العراقي المحاذي للإقليم، كما يمكن الانتباه للتشابه الديمغرافي الكبير بين ساكني الجهتين والعادات والتقاليد الأهوازية المتقاربة مع أهالي البصرة والعمارة وبقية المناطق والقرى المحاذية، وكذلك انقسام الأسر والعائلات والقبائل في الجهتين.

وإقليم الأهواز أو عربستان، كبير جداً ومناطقه تتجاوز العشرين إقليماً ومدنه يتجاوز عددها 70 مدينة، و2000 قرية، وأهم المناطق والمدن في التقسيم القديم، منطقة جزيرة عبادان، ومنها عبادان، والقصبة، وجويبدة وقراها كانت تزيد على 130 قرية، ومنطقة المحمرة وفيها مدينتا المحمرة وجزيرة صلبوخ وعدد قراها قرابة 120 قرية قبل ستين عاماً، وأما منطقة الدورق فمدنها الفلاحية ودارخوين وقراها 200، ومنطقة معشور وأهم مدنها التميمية، ومنطقة الشمالية وأهم مدنها العميدية وباب هاني، ومنطقة ميسان وأهم مدنها الخفاجية والحويزة والبسيتين والحميدية.

الشعبانية

كانت أولى الأجواء الرمضانية التي يستشعرها الأهوازيون قديما ما كان يعرف بالشعبانية، إذ كانوا يجتمعون في بيت الوالد أو الجد أو العم منذ ضحى الخامس عشر من شعبان، ولا يغادروا إلا عصراً، وعادة ما كان الاجتماع يقتصر على الرجال والأطفال الذين تجاوزوا سن الحاجة لأمهاتهم وبإمكانهم تناول الطعام بأنفسهم، ومساعدة بقية الصغار والمراهقين في فرش السفرة ونقل الأطعمة، وأما المضايف الأهوازية فكان أهلها يستضيفون أحد رجال الدين ويقيمون مجلساً، ويكون الحديث فيه غالباً حول أحكام شهر رمضان ومستحباته ومبطلاته، وكل ما يمكن أن يفيد الناس القدماء على فهم قضايا الصيام، ولم يكن الأهوازيون يصومون منتصف شعبان كما في بعض الحواضر العربية الأخرى، لكن معظم أحاديث اجتماعات هذا اليوم تكون حول رمضان وترتيباتهم واتفاقاتهم حوله، وقد يتشاور المجتمعون حول طرق توفير حاجات الشهر وغالبيتها من الغلال الزراعية وما هو متوفر لدى أهالي القرى، وما يعرض للبيع، وأما في المدن القديمة فلا يهتم الأهالي بالأمر كثيراً لأن معظم السلع تكون متوفرة في أسواقها، ويمكن شراؤها بالكميات المطلوبة.

المحاصيل والأسواق الأهوازية

عرفت الأهواز قديماً بأنها منطقة زراعية من الطراز الأول، وأن تربتها منتجة لكل المحاصيل، لذا فإن الأهوازيون لم يواجهوا العوز والحاجة في الماضي خصوصاً أن معظم الأراضي الأهوازية ريفية زراعية شاسعة والمدن السكنية محدودة ومعظم ساكني المدن يقتاتون على تجارة المحاصيل وبعض الصناعات الغذائية القديمة المرتبطة بالأرض، لذا فإن أهالي الأهواز عموماً لم يواجهوا مشاكل غذائية في الاستعداد لشهر رمضان، ولم تعاني أسواقها نقصاً في السلع في الماضي أبداً.

ولعل أهم المحاصيل والمنتجات الزراعية القديمة، الرز والقمح والشعير والتمور والخضار والبقول والحمضيات، وتعتمد الزراعة الأهوازية على نهري كارون والكرخة وروافدهما وشط العضيم، والأنهار الثلاثة تزود الأراضي الزراعية الممتدة بين مدن عبادان والفلاحية والمحمرة والقرى القريبة من الحدود العراقية بالماء، وربما قصرنا بحثنا حول هذه المنطقة غالبا بسبب اتساع الأراضي الأهوازية وتعدد مناطقها مدناً وقرى، واختلاف العادات والطبائع والسلوك الاجتماعي.

أهم الأسواق والسلع

اشتهرت الأهواز القديمة بجانبين اقتصاديين هما التجارة والزراعة وبسبب موقع عبادان والمحمرة، فقد كانتا مهيئتين جغرافياً لتبوؤ مكان في التجارة القديمة، حيث الموانئ ووفرة السلع الغذائية والمحاصيل الزراعية القابلة للتصدير والحاجة المحلية لاستيراد الكثير من البضائع والسلع، وكانت أهم السلع والمنتجات الزراعية التي يصدرها التجار الأهوازيون إلى العراق والكويت وإمارات الساحل والهند، وربما شرق إفريقيا الحنطة والشعير والتمور والأرز والبواري المصنوعة من سعف النخيل وقصب السكر والشوقند والقطن والخضار المختلفة وأهمها الرقي والشمام، كما كانوا يصدرون الحمضيات والفواكه كالبرتقال والليمون والعنب والزبيب والتين والرمان والتوت والعديد من المنتجات الأخرى، وعلاوة على ذلك، كان التجار الأهوازيون يستوردون الملابس والمعدات الزراعية والشاي والقهوة والسلاح والعطور والمنظفات والأواني المعدنية والفخارية والكثير من السلع الأخرى.

واشتهرت المحمرة والفلاحية وعبادان والحويزة بأسواقها العامرة المليئة بالبضائع والتي يقصدها الناس من مختلف مناطق الأهواز ومدنها ومن المناطق العراقية المجاورة كالبصرة والعمارة والقرى الحدودية، ولعل سوق جزيرة عبادان أهمها على الإطلاق، وأكثرها تنوعاً بالبضائع والمنتجات، ففيه يجد المتسوق ضالته من الأواني والمعدات الزراعية والملابس والعطور والشاي والقهوة والأسماك والدواجن الحية ومواد البناء والحبال، وأنواع المنسوجات المختلفة المحلية والمستوردة، كان مركز المدينة مكاناً لمجموعة من الأسواق المتداخلة، ورغم بدائية الأسواق وحرارة الجو صيفاً لكن أصحاب المحال أبدوا اهتماماً خاصاً بمحالهم وبضائعهم، وكانت أسواق عبادان القديمة تشهد إقبالاً منقطع النظير في موسم رمضان حيث يقبل الناس من مختلف المناطق والقرى القريبة للتبضع وموسم الحج. وكانت عبادان معبراً للحجاج القادمين من مختلف مدن إيران البعيدة والقريبة ليعبروا البحر باتجاه الكويت أو البصرة أو الأحساء، ومنها إلى الأراضي النجدية ثم الحجازية، وكانت عبادان محطة التوقف والتبضع الأخيرة قبل عبور البحر باتجاه الجزيرة العربية.

أما أسواق المحمرة، فكانت تتشابه كثيراً مع أسواق عبادان، كما أن معظم البضائع المستوردة التي كانت عبادان تستوردها تتوفر بأسواقها، غير أنها كانت تتميز بسلعتين دون غيرها من مدن الأهواز، وربما المدن المجاورة الأخرى كالبصرة والعمارة والزبير، وهما البشت الجاسبي، وهو نوع راق من البشوت التي كانت مطلوبة بالأهواز والإمارات الخليجية المنتشرة على الضفة الغربية للخليج ومدن العراق الجنوبية، والأسلحة كالبنادق والمسدسات وذخيرتهما حيث كانت المحمرة في فترة من الفترات المدينة الرئيسية في تجارة إعادة التصدير للأسلحة القادمة من المخازن العمانية القديمة، خصوصاً في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع صدور العديد من القوانين البريطانية التي صدرت لتنظم تجارة الأسلحة في المستعمرات، وتحد من وجهتها إلى بعض المناطق.

وأما أسواق الفلاحية، فكانت معظم بضائعها تشمل أنواعاً كثيرة من الخضراوات كالطماطم والخيار والبطاطس والكوسا والباميا والرقي والشمام وأنواع أخرى كثيرة والبقول كالورقيات والفول والحمص وغيرها والفواكه كالتفاح والكمثرى والتين والتوت والحمضيات كالبرتقال والليمون ولحوم البقر والأغنام والدواجن الحية المختلفة والأسماك النهرية كالقطاطين والبني والأنواع الأخرى والغلال المختلفة كالأرز والحنطة والشعير، وتعتبر أسواق الفلاحية الأكثر نشاطاً في موسم رمضان حيث يقصدها المتسوقون من مختلف القرى والمدن الأهوازية القريبة من الفلاحية.

الاستهلال العشائري

عرف المجتمع الأهوازي القديم بأنه مجتمع عشائري، وكانت معظم القرى المنتشرة على رقعة الجغرافيا الأهوازية مفروزة بطريقة عشائرية، إذ تقطن العشائر متجاورة وكانت معظم القرى الأهوازية القديمة تحمل أسماء العشائر التي تقطنها، وتنتشر عشرات المدن ومئات القرى بجانب الأنهار حيث توجد الحياة أينما وجد الماء، وتبدأ البساتين والمزارع من الجانب المتاخم لضفة الشط وتنتهي إلى حيث يصل الماء في أقصى مسافاته، فكانت الأراضي المجاورة للشط أو النهر تسمى الجفّة والبعيدة تسمى الخيط،، لذا فإن الاستهلال لرؤية الهلال كان في العادة جماعياً حيث يخرج رجال العشيرة كعادتهم اليومية إذ اعتادوا على الخروج عصرا إما باتجاه {الجفة} أو باتجاه {الخيط} للترفيه ولقاء الأقارب والأصدقاء، وفي اليوم الأخير من شعبان يكونون قد عقدوا النية على البقاء إلى ما بعد المغرب، ولن يعودوا على العادة التي اعتادوها إلى بيوتهم قبل المغرب، وحين تثبت رؤية الهلال يتم إطلاق نيران بنادقهم احتفالاً بالرؤية، فتصل أصوات إطلاق النيران إلى أسماع كل سكان القرية، ويعلن شيخ العشيرة بداية الشهر الكريم فيتبادل الناس التهاني بقدوم الشهر المبارك.

التجهيز في القرى

لم تكن الأسواق منتشرة بالمدن الأهوازية الصغيرة قديماً كالبسيتين والحميدية والخفاجية وغيرها بالشكل النظامي الذي كان منتشراً بالفلاحية والمحمرة وعبادان، كما أن كل القرى الأهوازية كان حالها مشابهاً للمدن المذكورة، حيث تنتشر بعض الدكاكين المتناثرة في المدينة أو القرية، فكانت محلات السمك قليلة، وأغلبها بسطات تعمل جزءاً من النهار ثم تتوقف بعد بيع السمك الموجود وأما الزائد منه، فإن صاحبه لا يخزنه بل يذهب بجزء منه إلى بيته ويوزع ما زاد على أقاربه وجيرانه.

وأما اللحوم الحمراء، فإن القصاب على عادة الأهوازيين المرحة وروحهم الفكهة، ينادي حين يذبح الخروف لحم غزال فيهرع كل من يرغب في شراء لحوم الأغنام لشراء حاجتهم من الذبيحة، فإذا باعها كاملة وفي الوقت متسع والطلب ما زال قائماً قام بذبح أخرى، وبدأ ينادي من جديد لحم غزال، حيث تعارف الأهالي على التسمية التي اعتادوا أن يسمعوها دائما، فـ {لحم غزال} تعني أن الذبيحة لحم غنم، وأما قصاب العجل أو لحم البقر، فإنه ينادي حالما ينتهي من ذبح البقرة أو العجل {لحم العواقر} فيعلم الراغبون بشراء اللحم البقري أن قصاب القرية أوالحارة المتخصص باللحم البقري بدأ ببيع اللحم، ويستمر القصاب بالمناداة بصوت مرتفع {لحم العواقر» حتى ينتهي من بيع الذبيحة هذا في القرى أو المدن الصغيرة وأما المدن الرئيسية، فكانت محال بيع اللحوم الحمراء معروفة وتفتح أبوابها طوال النهار في رمضان وفي غير رمضان.

واعتاد الأهوازيون في الماضي البدء باستقبال رمضان بمائدة عامرة وولائم للأهل وتبادل الأطعمة مع الجيران، ولا تكاد تخلو مائدة أهوازية من اللحوم الحمراء في الفطور الرمضاني الأول، وأما الأسماك فإن الأهوازيين عرفوا بحبهم لها، لذا فإن معظم الأسواق الأهوازية لا تخلو منها أبداً، لكن أكثر المناطق التي عرف أهلها بحبهم للأسماك وعرفت بغزارة الصيد هي المناطق المحاذية للحدود العراقية، خصوصاً القريبة من الأهوار العراقية أو المجاورة لشط العضيم الذي كان معروفاً بالثروة السمكية الكبيرة ، والذي عرفت القرى المجاورة له بعدم وجود محال بيع السمك فيها، لأن أهل القرى المذكورة أنفسهم عرفوا بممارسة صيد السمك وبيعه للقرى البعيدة بعد نقله على المطايا، وقد كان هؤلاء الصيادون الذين يطلق عليهم الأهوازيون «الكراريف} يعملون في صيف رمضان بعد منتصف الليل ويعودون إلى منازلهم عند شروق شمس اليوم التالي، فكان معظم رجال قرى شط العضيم يتناولون سحورهم في رمضان لأثناء ممارستهم للصيد.

الدمام والتسحير

لم تعرف الأهواز المسحراتي التقليدي الذي كان يحمل طبلته بيده يطرق عليها لساعة أو ساعتين منبهاً الحي الذي اختار أن يكون مسؤولاً عن نهوض أهله من نومهم، كما هو متعارف عليه في المدن والحواضر العربية، وإن كان لا يمكننا المساواة بين كل الأراضي الأهوازية لاختلاف شمالها عن جنوبها في بعض العادات الرمضانية، وما دمنا في معرض التركيز على وسط الأهواز والاتجاه إلى أقصى جنوبه، فقد وفقنا إلى رصد نوعين من التسحير أحدهما في القرى والآخر في المدن الأهوازية، ففي القرى اعتاد معظم الأهوازيين أن يطرقوا أبواب بعضهم بعضا لينبهوهم إلى السحور، خصوصاً أن معظم الجيران في القرى يعرفون بعضهم جيداً صغيرهم وكبيرهم نساء ورجالاً، ففي الريف الأهوازي كانت الحياة تكاملية حيث يأخذ الجار ما يحتاجه من أطعمة ناقصة في منزله من جاره والجار يكمل ما نقص على جاره وكانوا جميعاً متواصين متراحمين. أما في المدن فإن نظام الحياة وإن تشابه مع القرى قليلاً، لكنه كان يحمل تمايزاً ظاهراً يستحق الرصد والانتباه، وأحد أشكال هذا التمايز {التسحير} حيث عرفت المدن الأهوازية ما كان يعرف بـ {الدمام} وهو شخص كان يضع طبلة كبيرة بدائية الصنع فوق سطح منزله فيدم عليها، أي يضرب، لتنبيه أهل الحي النائمين في وقت السحور، وكانت هذه الطبلة في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي تصنع من برميل معدني كبير يقوم حداد المنطقة بقطع جانبيه وتعمية زواياه الحادة ثم يغلق صاحب البرميل الفتحتين بجلدين بقريين مدبوغين يشدهما بقوة، وعند الضرب عليه أو الدم كما كان يسمى في الأهواز فإنه يحدث صوتاً قوياً يصل مداه إلى أماكن بعيدة من الحي فينتبه أهل الحي ويقوم بعض الذين انتبهوا بتنبيه الذين لم ينتبهوا، وقد اعتاد أهالي الحي على التواصل مع الدمام بإرسال أطفالهم ببعض الأطعمة كنوع من التقدير للعمل الذي يقوم به في ما يؤدي الدمام عمله خالصاً لوجه الله تعالى، حيث لا يتوقف أو يكسل كشرهة أو رداً على تقصير

ويطرق باب أحد طالباً شيئاً.

«أم الحلس» وعادات أخرى

كانت القرى الأهوازية أكثر تمسكاً بالعادات والتزاماً بها فلم يكن الجار يجرؤ على طبخ نوع من الأطعمة الدسمة ذات الرائحة الذكية التي تنتشر خارج منزله دون أن يرسل شيئاً منها إلى جاره، لذا فإن فترة ما قبل الفطور كانت تشهد حركة دائمة يقوم بها الصغار الذين ترسلهم أمهاتهم إلى الجيران يحملون معهم بعض الصواني التي تحمل الأطعمة ، ولا يعودوا إلى منازلهم إلا بعد أن يعيد الجيران الصواني نفسها محملة بأطعمة أخرى في عملية تشارك جميلة في الطعام.

ومن العادات الرمضانية القديمة التي كانت تنتشر في المدن وبعض القرى القريبة منها ما كان يعرف بالجداوة، وهي عادة تشبه ما يعرف بالقرقيعان في الكويت أو القرنقعوه في البحرين وقطر والإمارات، غير أنه كان يقتصر على ليلة الخامس عشر من رمضان فقط حيث يدور الصبية على المنازل يقرعون الأبواب وهم يرددون بعض الأهازيج الأهوازية التي كانت متداولة هناك مثل {تنطونا تنطونا لخاطر علي والحسين، فكان أهل البيت يعطونهم بعض التوت الأخضر والسكاكر والمكسرات التي كانت معروفة في تلك الأيام.

وأما الليلة الأخيرة من شهر رمضان، فكانت تسمى {أم الحلس} حيث تقوم النساء بتنظيف منازلهن بشكل كامل استعداداً للعيد فلا يبقى فراش إلا وينظف ولا سقف إلا وينفض ولا فناء إلا ويكنس، فكان أهل المنزل الواحد يتقاسمون العمل سوياً وأما النساء اللاتي ليس لديهن بنات كبيرات أو أحد يساعدهن في إنجاز هذه المهمة فكن يستأجرن بعض من يساعدهن خاصة من ساكنات المدن، وأما القرى، فإن نساء الحي يتعاونّ في بعض الأعمال التي لا تستطيع امرأة واحدة أن تؤديها.

*كاتب وباحث كويتي