بالرغم من نفي وزير المالية ما نُقل عنه في بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بخصوص "بذخ المواطنين"، فإن هذا الانطباع يبدو أنه هو السائد لدى الحكومة الذي يُعبّر عن انحيازها الاجتماعي، ويوجّه سياساتها المالية المنحازة ضد مصالح أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية الذين يُحمّلون، على الدوام، نتائج سياسات مالية منحازة وفاشلة لم يشاركوا بالأساس في صياغتها وإقرارها.

Ad

 الانحياز الاجتماعي للسياسات المالية والميزانية العامة للدولة لمصلحة القِلّة معناه عدم العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للثروة الوطنية، فما يتم استقطاعه من رواتب الأغلبية الساحقة من المواطنين تحت ذريعة "ترشيد الدعم" سيذهب مباشرة لجيوب كبار الأثرياء كي يزدادوا ثراءً وبذخا، فعن أي بذخ يتحدثون؟!

إن تخفيض الدعم الاجتماعي الضروري أو إلغاءه أو ما تُسميه الحكومة "ترشيد الدعم" يستهدف الدعم المقدم للمواطنين الذين يعمل معظمهم في القطاع الحكومي بسقف رواتب محدود، ويعانون أشد المعاناة من غلاء الأسعار والتكاليف الباهظة للمعيشة، ولا يستهدف الدعم السخي المُقدم للقطاع الخاص من دون أي مقابل يقدم للدولة مثل الضرائب على الدخل والأرباح وتوظيف العمالة الوطنية.

لقد سبق أن تطرقنا إلى "خطة ترشيد الدعم" كما وردت في صحيفة "القبس" (9 نوفمبر 2013)، حيث أشارت إلى أنه "يبدو أن العد التنازلي نحو تنفيذ الحكومة لمخططاتها الخاصة بترشيد الدعم المقدم للمواطنين على أسعار السلع والخدمات قد بدأ بالفعل، فقد شكلت الحكومة لجنة برئاسة وزير المالية لإعادة دراسة مختلف أنواع الدعم التي تقدمها الدولة للمواطنين. وقرار إعادة دراسة الدعم الذي اتخذه مجلس الوزراء (21 أكتوبر 2013) يشمل جميع الأنشطة والخدمات والسلع التي تقدمها الحكومة للمواطنين حتى تلك المتعلقة بإعانات الرسوم الدراسية والتعليم (البعثات)، وذوي الإعاقة والأندية، ودعم المنتجات المكررة والغاز المسال، ودعم الكهرباء والماء، وتكاليف المعيشة (بطاقات التموين)، والأنشطة الرياضية، ومنح الزواج، بالإضافة إلى دعم المزارعين وصيادي الأسماك، وبدل الإيجار، وفوائد القروض (أي قروض السكن الخاص من بنك التسليف)". (انتهى الاقتباس).

أضف إلى ذلك أن "ورقة الفريق الاقتصادي" التي استعرضها مجلس الوزراء في نهاية شهر أغسطس 2015 لم تخرج بشكل عام عن هذا الإطار، بل إنها أضافت له أعباء مالية جديدة سيتحملها المواطنون مثل فرض ضرائب غير مباشرة على الدخل (ضرائب الاستهلاك والمبيعات أو ما يُسمى ضريبة القيمة المضافة)، فعن أي بذخ يتحدثون؟!

أما بالنسبة إلى ارتفاع معدلات الاستهلاك غير الضروري، فهذا هو أحد نتائج الاقتصاد الريعي ولكن من المسؤول عن وجود اقتصاد الدولة الريعية واستمراره؟ هل هو الحكومة أم المواطن؟ هل بمقدور المواطن أن يغير نمط الاقتصاد فينوّع مصادر الدخل القومي، ويعيد هيكلة الاقتصاد الوطني ليحوّله إلى اقتصاد إنتاجي مع وجود قطاع خاص إنتاجي لا قطاع طفيلي يعتاش على الإنفاق العام كما هو الوضع حاليا؟ بمعنى آخر: هل يستطيع المواطن تنفيذ مشروع دولة ذات اقتصاد إنتاجي غير ريعي، والحدّ من نمط الاستهلاك غير الضروري في المجتمع؟ أم أن ذلك يتم عبر رؤية دولة، وسياسات اقتصادية عامة ترسمها الحكومة وتنفذها على أن يشارك المواطنون كافة في صياغتها ويراقبون عملية تنفيذها، وهو ما نفتقده الآن، مع الأسف، حيث إن رسم السياسات الاقتصادية وإدارة المالية العامة للدولة محصوران في دائرة ضيقة للغاية، ومحاطان بالكثير من السرية وعدم الشفافية، ناهيك عن غياب المشاركة الشعبية الواسعة في إدارة شؤون الدولة والمجتمع؟