لا شك في أن الوجه السلبي للأفلام التي تتناول مواضيع اجتماعية جلي. وقد عبر عنه نجم Time Out of Mind ريتشارد غير حين قال أخيراً إنه لا يريد إعداد {نسخة فيلم الأسبوع} من قصتهم. أما كاتبة سيناريو Suffragette آبي مورغان، فتود تفادي تحول القصة إلى {مجرد رواية تملأ الفراغ} في حين أنها تتناول قصة نساء يحاربن الظلم. يتمتع صانع الأفلام رامين بهراني، مخرج وكاتب 99 Homes الذي نزل إلى دور السينما أخيراً، بخبرة واسعة في الجمع بين الدراما والواقع مع أفلام سابقة مثل At Any Price عن مزارعي الوسط الغربي في الولايات المتحدة، أو Man Push Cart عن بائع جوال في شوارع نيويورك. ومع 99 Homes يصب بهراني اهتمامه على كلفة أزمة الرهون العقارية في فلوريدا. وقد قصد هذه المنطقة ليجري بعض الأبحاث قبل أن يبدأ بكتابة السيناريو. يسأل بهراني: {لمَ لا نتكلم مع الناس أو نقصد أماكن وقعت فيها الأحداث حقاً لنعمل بعد ذلك على تحويل ما نتوصل إليه إلى قصة ونضيف إليها عنصر الخيال؟ أحب أن أحمل المشاهد إلى عوالم أخرى. أشعر أن الحياة مثيرة للاهتمام، وهي مصدر إلهامي}. في مستهل الفيلم، يُطرد شاب وأمه (أندرو غارفيلد ولورا ديرن) من منزلهما لتخلفهما عن تسديد الأقساط، رغم الجهود التي بذلوها لاسترضاء المصرف. وبما أن الشاب دينيس بأمس الحاجة إلى المال، يبدأ العمل مع العميل العقاري الماكر (مايكل شانون في أداء يجمع بين الشر والهشاشة) الذي ساهم في طردهما من المنزل. وسرعان ما يجد دينيس نفسه في الجانب الآخر، محققاً الأرباح من تدمير حياة الآخرين.

Ad

تشويق وتميّز

شكل الغضب الذي يتطور في مختلف أجزاء الفيلم مفاجأة، إلى حد ما، بالنسبة إلى بهراني، فيما كان يعد القصة. ولكن فيما كان يجري أبحاثه واكتشف محاكم حبس الرهن السريعة التي تبت بالقضايا بسرعة هائلة أو العملاء العقاريين الذين يحملون أسلحة، عرف أن ثمة تفاصيل أعمق وأكثر ظلمة في هذه القصة. كذلك أدرك أن هذه القصة تحمل بنية فيلم تشويق. يخبر بهراني: «قلت لنفسي في غفلة مني: ‘سيكون هذا مختلفاً عن أفلامي السابقة’. ظننت في البداية أن ما من خاصية تميز هذه القصة عن أفلامي الأخرى. فهو مجرد فيلم اجتماعي عادي. لكن ما شاهدته من خدع وعنف قادني في اتجاه مختلف تماماً. وهكذا جاءت قصة الفيلم مختلفة ومميزة». يتناول Suffragette، الذي سينزل إلى دور العرض في 23 أكتوبر، العمل المضني والتضحيات التي رافقت منح المرأة حق الاقتراع في بريطانيا في مطلع القرن الماضي، متعمداً التذكير بنضالات مماثلة ما زالت مستمرة اليوم للفوز بحقوق المرأة. أخرجت هذا الفيلم سارا غافرون التي تشمل أعمالها السابقة Brick Lane عام 2007، وهو يتمحور حول مود واتس (كاري موليغان)، أم متزوجة تعمل في مصبغة كبيرة في لندن. لكن التطورات التي تشهدها تدفعها إلى التعصب وتصبح من المناصرات للناشطة البارزة المدافعة عن حقوق المرأة إميلين بانكهرست (ميريل ستريب). كذلك تنضم إلى مجموعة سرية ناشطة تدافع عن حق المرأة بالاقتراع. يشمل فريق الممثلين في هذا الفيلم أيضاً هيلين بونهام كارتر، بن ويشو، برندن غليسون، آن-ماري داف، ورومولا غاريه. اعتبرت كاتبة السيناريو مورغان، التي تشمل أعمالها The Iron Lady، المزج بين الوقائع التاريخية والخيال من أكبر تحديات إعداد قصة تجمع بين القوة وتطورات الصراع بغية إحداث التغيير. توضح مورغان: {من المثير جداً للاهتمام أن تأخذ بعض الحوادث الحقيقية المهمة والتطورات التاريخية وتجمعها مع حوادث خيالية. استند بحثنا، إلى حد كبير، على شهادات نساء عشن فعلاً في تلك الحقبة وشاركن في هذا النضال. لكن مود نفسها شخصية خيالية بالكامل}. تضيف: {استندت، رغم ذلك، في كل شخصياتي على نماذج حقيقية. فتمثل مجموعة النساء هذه طيفاً يتيح للمشاهد رؤية مدى تنوع أنصار بانكهرست}.

اقتبس نيك هورنبي فيلم Brooklyn، الذي سيبدأ عرضه في 6 نوفمبر، من رواية كولم تويبن. عمل المخرج الأيرلندي المولد جون كرولي في المسرح، السينما، والتلفزيون، ومن أعماله الأحدث الحلقة الأخيرة من الموسم الثاني لمسلسل True Detective. يروي هذا الفيلم، الذي تدور أحداثه في خمسينيات القرن الماضي، قصة إيليس لاسي (سواريز رونان) امرأة شابة  تترك بلدتها الأيرلندية الصغيرة لتسافر إلى الولايات المتحدة بمفردها. وفيما تناضل لتبني حياة جديدة لها في هذا البلد، يُطلب منها فجأة العودة إلى وطنها. وهكذا تجد نفسها ممزقة بين الحياة التي عرفتها وتلك التي كانت تبنيها لنفسها. يشمل فريق الممثلين أيضاً إيموري كوهين ودومنال غليسون الواقعين في حبها. يشير كرولي: {ترتكز هذه القصة في رأي حول المنفى، الذي يحمل حالة عاطفية خاصة جداً. لا يقتصر هذا الفيلم على الهجر والسفر، بل على ما يحدث أيضاً عندما يغادر الإنسان وطنه. فلا يعود ينتمي إلى المكان الذي تركه ولا إلى المكان الذي اختاره ليكون وطنه الجديد}.

يتناول هذا الفيلم بطريقته الخاصة موضوع الهجرة البالغ الأهمية اليوم وتجربة المهاجر. ولكن بفضل بعد الزمن الذي تدور فيه الأحداث والمشاعر العميقة التي يعكسها سرده الكلاسيكي وأداء ممثليه المميز، يتفادى الفيلم الظهور بمظهر كتيب إرشادات مثير للجدل.

يؤكد كرولي: «عندما اطلعت على الكتاب وقرأت بعد ذلك السيناريو، شعرت في الحال بضرورة إبراز ذلك الإلحاح العاطفي. لا يشكل هذا فيلماً عن حقبة ما يكتفي معه المشاهد بالقول: ‘نعم، هذا ما كانت عليه الأوضاع في الخمسينيات’. على العكس، حاولنا إحداث رابط عاطفي عميق مع أي شخص يترك وطنه ويمر بتجربة مماثلة. وهكذا يُظهر هذا الفيلم ما يعنيه أن يغادر الإنسان وطنه وينضج».

غير المتشرّد

يمثل Time Out of Mind، الذي نزل إلى دور السينما في لوس أنجلس في 11 سبتمبر، نظرة مؤثرة إلى التشرد. في هذا الفيلم، الذي أخرجه وكتب نصه أورن موفرمان، يؤدي ريتشارد غير دور رجل يعيش في الشارع. صحيح أن بعض تفاصيل قصته يرتبط بتفاعله مع الآخرين، إلا أن هذا الفيلم يقوم على المراقبة، متتبعاً هذا الرجل فيما يواجه تحديات كل يوم للحصول على مكان ينام فيه وطعام يتناوله. يوضح غير، الذي أنتج أيضاً هذا العمل: {لم أشأ أن تحمل هذه القصة نوعاً من الحاجة المبالغ فيها، بل أمر أكثر بساطة وسمواً. لم أرغب في أن أسلط الضوء على أحداث هذه القصة بل على المشاعر التي تحملها. أردت أن يتعاطف المشاهد مع رجل مماثل، ألا يكتفي بمشاهدته بل أن يفهم ما يشعر به وألا يفصل المشاعر عن الأحداث}. صُور الجزء الأكبر من هذا الفيلم في شوارع نيويورك، علماً أن غير أضطر أحياناً إلى الاستجداء أمام كاميرات خفية. يخبر غير أن الناس خلال الـ 21 يوماً التي أمضاها في التصوير لم يتعرفوا إليه سوى مرتين، ريما بسبب قدرة الإنسان على الإشاحة بنظره عن المشرد}. انضم غير إلى مجموعات تساعد المشردين. ومع أن هدف Time Out of Mind الأول التأثير في المشاهد عاطفياً، لا ضرر إن دفع البعض إلى العمل ومساعدة المشردين. يقول: {أعتقد أن هذا أحد الأفلام القليلة التي أعددتها وكان لها هدف مزدوج}.

ربما نبالغ إن فكرنا أن الأفلام تستطيع أن تبدل العالم. لكنها تستطيع، على الأرجح، توعية المشاهد على تجربة مختلفة عما يعيشه وتضعه على الدرب نحو تنمية فهم أوسع وأعمق. يُقال أحياناً إن هوليوود لا تكترث كثيراً بالواقع، إلا أن هذه القصص تتفاعل مع المشاهد وتساعده على التفاعل بدوره مع العالم الخارجي. وهكذا ينجح الجمع بين المسائل الاجتماعية الحقيقية والأعمال السينمائية الخيالية في أخذ المشاهد إلى مكان جديد ومختلف. يختم بهراني: «آمل تحقيق توازن ناجح. أعتقد أن من المستحيل الفصل بينهما. فإن لم يكن الفيلم اجتماعياً، لا أظنه سيكون مثيراً للاهتمام. لا أظن أن الفيلم سينجح إن اكتفى بالتركيز على أحد هذين الوجهين وتجاهل الآخر».