المبالغة في تذكير الحكومة بمواقف سياسية أو ميدانية سابقة من أي تيار سياسي لاستعطافها بردّ الجميل، وخاصة عندما يكون هذا التيار في وضعية ضعف أو تستهدفه التيارات الأخرى، لا يعكس حصافة سياسية، بل قد يزيد حجم الضعف والارتباك للتيار نفسه، وبالنتيجة المزيد من التنازلات المستقبلية خصوصاً إذا "تفضّلت" أطراف حكومية بأي نوع أو وسيلة للمساعدة!

Ad

الحكومة كما يقال دائماً ما لها صاحب، ولا يوجد لديها تحالفات استراتيجية مع أي تيار سياسي أو مكوّن اجتماعي، وإن كان ديدنها إبرام صفقات سياسية تكتيكية أو مؤقتة بفرض تحجيم مناوئيها من تيارات أو مكونات، أو تقليم أظافرهم في حال خروجهم عن خطوطها الحمراء، أما المقابل الذي قد تعطيه الحكومة لأصدقائها المؤقتين فلا يتعدى مجموعة من المناصب القيادية أو صفقة من صفقات المناقصات سرعان ما تتبخر بعد أن تحقق الحكومة أهدافها السياسية من وراء هذا التنسيق، لتعود وتبحث بعد ذلك عن شريك جديد!

هذه هي ميكانيكية عمل أي حكومة في الكون، فعالم السياسة هو فن هندسة المصالح وترتيب الأولويات، ولعل ما يميّز حكومتنا بالإضافة إلى ذلك هو انفرادها بالقرار السياسي العام بموجب الصلاحيات الدستورية الواسعة، وما تتمتع به من أدوات القوة إعلامية كانت أم مادية أم إدارية، التي تجعل الجميع بحاجة لها على الدوام!

منذ الاستقلال إلى الآن تناوبت الحكومة على جميع التيارات السياسية تقريباً واستخدمتها كحلفاء تكتيكيين، وضربت من خلال ذلك بعض القوى الوطنية ببعض، ولم تتردد في أي وقت من الأوقات أن تتعامل بذات القدر من العنف والشدة والتهميش والتحجيم ضد المجموعة نفسها التي كانت تتعامل معها بسخاء حاتمي وحظوة سياسية محدودة، دون أن تسمح لأي طرف أن يكون شريكاً حقيقياً في القرار السياسي الحقيقي.

لذلك فإن الكثير من الرموز الوطنية والشخصيات القيادية في معظم التيارات السياسية، وفي مفارقة غريبة، قد يكونون اليوم متهمين بقضايا أمن دولة أو الانقلاب على النظام، وفي الغد قد يصبحون أعضاء في حكومة دولة الكويت أو العكس، وذلك في سياق ترتيبات سياسية وإعادة توازنات القوى المحلية.

لهذا فإن محاولة استمالة الحكومة في ظروف سياسية صعبة لا تجدي، بل لن تستجيب لها الحكومة أصلاً، وحتى لو استجابت فإن ذلك يكون في الحدود الدنيا وضمن تكتيكاتها أيضاً، لذا يفترض أن تفهم التيارات والقوى السياسية هذه القواعد من اللعبة، وتكون مواقفها أياً كانت نابعة من قناعات ومبادئ تؤمن بها حقاً، ولا تنتظر في مقابلها شيئاً من المعازيب!