النفط شريان حياة العديد من الدول المنتجة والمصدرة له، تحول بسرعة الى نقمة اقتصادية بخسة الثمن. قبل سنة من الآن كان سعر برميل النفط نحو 103 دولارات، ولكنه بات في الأسبوع الماضي نحو 42 دولاراً.

Ad

ويترافق هذا الانهيار مع تراجع قياسي في مؤشر ستاندرد آند بوورز 500 بأكثر من 11 في المئة عن مستوى الذروة في شهر مايو الماضي، مما يشير الى حدوث عملية تصحيح واسعة، فضلا عن التدهور الاقتصادي للصين الذي بث المخاوف في أسواق العالم.

في العراق الغني بالنفط حيث يمثل تنظيم ما يدعى بالدولة الاسلامية والسياسات الطائفية الخطيرة تهديدات متصاعدة، اندلع مصدر جديد لعدم الاستقرار هذا الشهر مع انطلاق تظاهرات اتسمت بالعنف احتجاجاً على فشل الحكومة في توفير طاقة كهربائية متواصلة وتفسير ما حل بكل أموال ثروة النفط الموعودة.

وفي روسيا – البلد الرئيسي في انتاج النفط – يدفع المستهلكون الآن مبالغ أكبر بكثير مقابل الاستيراد، ويرجع ذلك الى حد كبير الى انهيار قيمة عملتهم. أما في نيجيريا وفنزويلا، اللتين تعتمدان بشكل أساسي على صادرات النفط، فتزداد المخاوف من حدوث اضطرابات وتقلبات اقتصادية. وفي الاكوادور، حيث هبطت عائدات النفط حوالي النصف منذ السنة الماضية، يتدفق عشرات الآلاف من المتظاهرين الى الشوارع في كل أسبوع للتعبير عن غضبهم من السياسات الاقتصادية لحكومتهم.

عجز مالي حقيقي

وحتى في السعودية الغنية بالنفط تنفق الحكومة نحو 10 مليارات دولار شهرياً من العملة الأجنبية من أجل المساعدة على تغطية الانفاق العام، كما أنها عمدت، لأول مرة منذ سنة 2007، الى الاقتراض من الأسواق المالية. وتواجه دول عربية أخرى في الخليح، بما في ذلك الكويت وسلطنة عمان والبحرين، عجزا ماليا حقيقيا هو الأول خلال عقدين من الزمن.

وفيما استمر هبوط أسعار النفط على مدى شهور عدة، كانت التنبؤات تفترض على الدوام أن سعر النفط سيستقر في نهاية المطاف، أو أنه لن يبقى متدنياً لفترة طويلة على الأقل. ولكن عوامل القلق الجديدة حول هشاشة الوضع الاقتصادي في الصين، أكثر دول العالم شراهة في استهلاك النفط، أثارت المخاوف من أن أسعار النفط – التي غدت الآن أقل بنسبة 30 في المئة عن معدلات أشهر قليلة فقط – قد تظل متدنية لفترة أطول من اي توقعات متفائلة، وتلحق ضرراً أشد بالدول المصدرة للنفط.

ويقول رينيه اورتيزا، وهو أمين عام سابق لمنظمة أوبك ووزير طاقة سابق في الأكوادور: «الوضع مؤلم جداً بالنسبة الى هذه الدول التي كانت تأمل في أن تكون هذه الأسعار المتدنية مؤقتة جداً». ويقدر اورتيزا أن الدول الرئيسية المصدرة للنفط خسرت ما مجموعه تريليون دولار في مبيعات النفط بسبب هبوط الأسعار خلال السنة الماضية.

ويقول دانييل يرغن، نائب رئيس «آي اتش اس»، المزود الرائد لمعلومات السوق، ومؤلف كتابين عن تاريخ صناعة النفط «الجائزة» و«البحث» إن «الضعف الجلي في الاقتصاد الصيني يخيم على كل أرجاء العالم. وكان العديد من المنتجين الذين تمتعوا بأوقات طيبة يراهنون بقدر أكبر من المطلوب على النمو الاقتصادي الصيني. انها لكارثة نفطية».

وعلى الرغم من أن هبوط الأسعار ألحق الضرر بصورة مباشرة  أكثر بمصدري النفط فقد يؤشر أيضاً على فترة جديدة من ضعف للاقتصاد العالمي يمكن ان تلحق الضرر بكل الدول – وهذا قلق كان جلياً في التذبذب الشديد لأسواق الأسهم.

التأثير السياسي

وبات هبوط الأسعار أيضاً عنصراً غير مباشر في التأثير على مسار الحرب الأهلية في سورية وفي مناطق اخرى تشهد توترات عالمية. وبحسب بعض المحللين السياسيين فإن الدول التي كانت تستخدم ثروتها النفطية على شكل عنصر تأثير، مثل روسيا وايران والمملكة العربية السعودية، لم تعد تملك الكثير من النفوذ. وايران التي سبق أن أكدت أنها قادرة على تحمل مقاطعة الغرب لنفطها بسبب برنامجها النووي يبدو أنها اضطرت الى اعادة التفكير في حساباتها كما تبين من تنازلاتها التي أفضت الى التوصل الى اتفاق بشأن أنشطتها النووية في الشهر الماضي.

وتفضي أسعار النفط المتدنية طبعاً الى فوائد اقتصادية أيضاً. وعلى سبيل المثال فإن العائلة الأميركية العادية تشتري 1200 غالون من البنزين في السنة – وقد انخفض سعر البنزين بشكل متوسط في معظم أيام هذه السنة بنحو دولار للغالون عن سعر 2014.

ولكن حتى مع تحفيز الأسعار الأدنى للنفط لاقتصاد الدول المستهلكة فإن الهبوط المستمر يحمل العديد من العواقب غير المتوقعة – بدءا بالضعف الاقتصادي في الدول النامية التي تشتري عادة كميات كبيرة من البضائع من الولايات المتحدة والدول الأخرى في العالم الصناعي.

وكانت تخمة الامدادات النفطية جلية لبعض الوقت، مدفوعة بشكل جزئي بزيادة كبيرة في الانتاج السعودي وتنامي الاكتفاء الذاتي في الولايات المتحدة التي كانت تعتمد بقوة على نفط الشرق الأوسط. ولا تنتج السعودية كميات قياسية من النفط فحسب، بل انها تزيد من عدد منصات الحفر لانتاج أكبر في المستقبل، كما أن الدول الحليفة لها في الخليج، الامارات العربية المتحدة والكويت، تحذو حذوها. وحتى مع الاضطرابات التي تسبب بها تنظيم ما يدعى بالدولة الاسلامية ارتفع انتاج العراق النفطي حوالي 20 في المئة منذ بداية هذه السنة.

 أضرار اقتصادية

قد تبدو الزيادة في الانتاج معاكسة للبديهة نظراً لأن الأسعار الأدنى يمكن أن تفضي الى أضرار اقتصادية ذاتية واثارة المزيد من المتاعب السياسية والاجتماعية. ولكن كل المصدرين في الشرق الأوسط يتصارعون مع بعضهم بعضا من أجل حماية حصصهم في الأسواق الآسيوية بعد أن انصرفت الولايات المتحدة عن شراء نفوطهم أو باتت تطلب كميات أقل كثيراً من هذه النفوط.

ويقول سعد الحسيني، وهو نائب تنفيذي سابق لرئيس شركة النفط السعودية العملاقة (أرامكو) إن دول الخليج «لا تريد القيام بدور منظم أسعار النفط، لأن السوق كبير جداً ويخضع لتأثيرات سياسية الى حد كبير مما يجعلها عاجزة عن التحكم به».

ويضيف: «لو أن هؤلاء المنتجين قلصوا انتاجهم في أواخر السنة الماضية» لكان استمر طوفان من الامدادات النفطية الجديدة من الولايات المتحدة وكندا وأحواض الأوفشور العميقة وغيرها في تقويض أسواق النفط ولكانت الأسعار انهارت الى حيث هي الآن على أي حال».

ومن المحتمل أن تتفاقم التخمة العالمية إذا ما تمت المصادقة على الاتفاق النووي مع ايران الذي قد يطرح ما يصل الى مليون برميل اضافي، خلال سنة أو ما يقارب السنة، في الأسواق العالمية التي تحصل على 94 مليون برميل يومياً.

وقد كشف وزير النفط الايراني بيجان نمدار زمكانه عن نوايا بلاده بقوله الى احدى وسائل الاعلام التي تديرها الدولة: «سوف نرفع انتاجنا النفطي بأي ثمن وليس لدينا بديل آخر».

النفط الأميركي

لقد تمثل التغير الكبير الذي شهدته السنوات الأخيرة في زيادة انتاج الولايات المتحدة من النفط عبر اضافتها أكثر من أربعة ملايين برميل يومياً الى الامدادات العالمية. ولكن الفائض في الشهور الأخيرة كان مدفوعاً بشكل رئيسي بانتاج السعودية التي أغرقت السوق عبر ما اعتبره اقتصاديون محاولة متعمدة لدفع الأسعار الى مزيد من الهبوط بحيث يعجز المنتجون الآخرون من ذوي التكلفة العالية – وخاصة الولايات المتحدة – عن المنافسة.

وعلى الرغم من ذلك فإن الانتاج في الولايات المتحدة لم ينخفض بالقدر الذي قدرته السعودية التي كانت تعتقد أن سعر النفط سوف يستقر عند 50 دولاراً للبرميل. وقد ينخفض الآن الى 30 دولاراً وهو أدنى مستوى منذ انهياره عقب الركود الاقتصادي العالمي في سنة 2008.

وقد قاومت السعودية، وهي أكثر الدول أهمية في منظمة أوبك دعوات أعضاء آخرين في المنظمة لخفض الانتاج. وكانت النتيجة أن نحو نصف أعضاء المنظمة، الذين طالبوا بذلك وهم ممن يسيطرون على شريحة أقل كثيراً من الأسواق العالمية، قد شرعوا بضخ مزيد من النفط.

ويقول لؤي الخطيب، وهو زميل غير مقيم في السياسة الخارجية لدى مركز «بروكنغز» في الدوحة: «نشهد منافسة بين الدول الأعضاء حول الحصة السوقية، ويعتمد معظم هذه الدول على النفط كمصدر رئيسي للدخل. وإذا لم ترتفع الأسعار الى 60 دولاراً للبرميل واستمرت الدول العربية في الاعتماد بشدة على دخلها من النفط فقد نشهد عقوداً من التدهور».

خفض الإنفاق

ويقول ديفيد غولدوين، الذي كان مبعوثاً خاصاً ومنسقاً في وزارة الخارجية لشؤون الطاقة الدولية في رئاسة اوباما الأولى: «إذا ظل سعر برنت العالمي دون 45 دولاراً سوف يكون ذلك بمثابة راية حمراء للاستقرار في شتى أنحاء الدول المنتجة للنفط».

ويضيف ان نزيف الميزانيات الحكومية المعتمدة على النفط سوف يفرض خفضاً دراماتيكياً في الانفاق او زيادة خطرة في الاقتراض أو الاثنين معاً. والدول التي لا تملك احتياطيات كبيرة من القطع الأجنبي هي الأكثر عرضة للخطر وهي تشمل نيجيريا وأنغولا والجزائر وفنزويلا والعراق. كما أن الدول التي تحتاج الى اسناد الاستثمارات بغية الحفاظ على الشرعية السياسية يجب أن يتملكها القلق، وهي تشمل البرازيل وروسيا وحتى ايران».

وقالت ميغان او سوليفان، وهي مديرة البرنامج الجيوسياسي للطاقة لدى كلية كيندي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد إنها كانت قلقة ازاء تأثير استمرار أسعار النفط المتدنية على العراق. وأضافت: «ليس فقط لان محاربة ما يدعى بتنظيم الدولة الاسلامية تمثل جهدا مكلفا ولكن لأن العديد من الاتفاقات السياسية التي يتعين ابرامها لضمان دعم المجموعات المختلفة للحكومة العراقية تتطلب أموالاً لاسنادها».

ولكنها عبرت عن قلق في الأجل الطويل حول وجود خطأ محتمل في حسابات المملكة العربية السعودية ازاء مدة ومقدار هبوط سعر النفط. وقالت: «مع وجود عدد متزايد من السكان يبحث عن وظائف وتعليم ورعاية صحية كل يوم فإن تمويل العقد الاجتماعي الباهظ الثمن بين العائلة المالكة والمواطنين السعوديين سوف يصبح أكثر صعوبة – بل ومستحيلاً في نهاية المطاف إذا لم تحقق أسعار النفط تعافياً».