تعاني جميع دول العالم مشكلة الفساد بأنواعه، إدارياً ومالياً وأخلاقياً، وتحاول بشتى الوسائل مكافحته والحد من تفاقمه، لأنه آفة تنخر المؤسسات والإدارات وتمنع أي تطور، وغالباً ما يكون المفسدون ذوي تفاعل مباشر مع المواطنين أو المناقصات، وهي الأماكن التي يمكن استغلالها لتحقيق مكاسب شخصية من خلالها، عبر التعدي على ممتلكات الدولة ومقدراتها، والكويت حالها كحال أي دولة في العالم، تعاني الفساد وتحاول أن تضع حلولاً لمشكلته، لذا جاءت الخطوة الأولى بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد.

Ad

جاء إنشاء هذه الهيئة بغرض المحافظة على أموال الدولة وممتلكاتها وإعطائها الصلاحيات لمحاسبة كل متعد على أموال الدولة، وتعزيزاً لمبدأ الشفافية والنزاهة والتعاون بين جميع مؤسسات الدولة، في محاولة جادة للحد من الفساد الذي يهدد مدخراتنا ومشاريعنا التنموية والإعمارية والإنشائية التي هي أكبر المتضررين من تلك المشكلة، لأن الأموال التي تنفقها الدولة على هذه المشاريع طائلة، لكن المفسدين يستغلونها ويحصلون على حصص ضخمة منها. ولكن فور أن بدأت الهيئة القيام بواجبها وهدم عش الدبابير من سراق المال العام وأملاك الدولة، استاء الكثير ممن يعنيهم الأمر، مستخدمين أدواتهم ونفوذهم، خاصة النيابية والحكومية لمحاولة وأد أول مشروع مستقل ذي صلاحيات قوية، بعدما شعروا بالخطر إثر إحالة الكثير من القضايا إلى الهيئة، لتمارس دورها الوطني بإظهار الحق ومحاسبة المفسدين واسترجاع ما سلب بغير حق، وخصوصا بعد القضايا التي أثيرت مؤخراً كالإيداعات المليونية والتأمينات الاجتماعية و"الداو كيميكال" وغيرها... وبما أن الهيئة أنشئت بعد موافقة مجلس الأمة، فيجب دعمها للاستمرار وإظهار حقوق الدولة.

وبشأن ما أثاره النائب أحمد القضيبي واصفاً إياه بالمؤامرة الحكومية لتغيير مسمى الهيئة وتقليل صلاحياتها، حتى لا يكون لها دور وتفقد هويتها وتصبح هيئة النزاهة والشفافية، ومجرد جهاز استشاري، فإننا نرفض ذلك جملة وتفصيلاً، ونطالب نواب الأمة بإنجاز التعديلات الجديدة التي تمكن الهيئة من إنجاز مهامها، ولاسيما المتعلقة بمكافحة الفساد والحفاظ على المال العام، وحسناً فعل النائب القضيبي عندما كشف تلك المؤامرة، ليسارع النواب إلى إنجاز التعديلات لتكون حاضرة للتصويت عليها وإنقاذ الهيئة الفتية قبل الطعن في مرسوم الضرورة الذي صدر لإنشائها، وهنا لابد أن يلعب رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم دوراً فاعلاً في إنقاذ الهيئة من خلال عرض قانونها على جدول أعمال اللجنة التشريعية بالمجلس والتصويت عليه، ليعرض في أول جلسة قادمة، ويمنح صفة الاستعجال، لتكون هيئة مكافحة الفساد وجهاً لوجه مع مؤامرة إسقاطها.

وأخيراً، فالفساد قضية عالمية، ولكن درجاتها تتفاوت من دولة لأخرى، وقد تم وضع قياس دولي للفساد العالمي، وللأسف جاءت الكويت في مراكز متقدمة منه، وهذا خطر كبير، لذا يجب تفعيل دور الهيئة ومنح أعضائها صلاحيات أكبر، وعلى الجميع التعاون لتحقيق الإصلاح، حكومة ونواباً ومواطنين وموظفين، فمتى قضينا على الفساد أمكننا البناء والتطور.