لا أحد فوق القانون

Ad

لم تكد ثلاثة أسابيع تمضي على القبض على د. صلاح هلال وزير الزراعة المصري لاتهامه في واقعة رشوة قبل توليه المنصب الوزاري، وهي الواقعة التي تناولتها في مقال لي نشر على هذه الصفحة في عدد "الجريدة" الصادر في 13 سبتمبر الماضي تحت عنوان "أول وزير يتهم بالفساد في مصر وهو في سدة الحكم"، إلا ومحكمة في الكويت تصدر حكمها القاضي بحبس السيد أحمد الجسار وزير الكهرباء لمدة سنتين وعزله من وظيفته، وهو في سدة الحكم، لاتهامه بالتورط في مناقصة طوارئ 2007، عندما كان عضوا في اللجنة التي شكلت لإقرار هذه المناقصة والتي ضمت خمسة عشر عضوا، حيث كان يشغل منصب رئيس مهندسي المشاريع بالوزارة، التي تولى حقيبتها الوزارية بعد ذلك بسنوات.

وبصرف النظر عن صحة هذا الاتهام- التي بنت عليه المحكمة حكمها- من عدمه، وتعليق البعض على صفحات الصحف بأن الوزير تحفظ وقتئذ في اللجنة على عدة أمور في هذه المناقصة، فأُبعد عن اللجنة وجمد في المكتب الفني، فهي أمور لا أملك الخوض فيها، فستطرح عند إعادة النظر في الحكم من محكمة أعلى، فإن لهذا الحكم دلالات كثيرة، منها أنه لا أحد فوق القانون، وأن الكل سواء أمام القضاء، وأن علو المكانة الاجتماعية لأحد لا يحصنه من المساءلة الجنائية، وأن الوزراء يخضعون للقانون شأنهم شأن أي فرد في الدولة، تحقيقاً لمبدأ المساواة أمام القانون وأمام القضاء.

وهو ما يعيد إلى الأذهان، تحصين الوزراء من المساءلة الجنائية في دستور مصر 2012 الذي وضعته جمعية تأسيسية، تتكون أغلبيتها من التيار الإسلامي في الفترة التي تولى فيها هذا التيار حكم مصر.

تحصين الوزراء من المساءلة الجنائية

فقد تفتق ذهن هذا التيار عن أحكام ضمّنها في الدستور تحصن الوزراء من المساءلة الجنائية، وتجعل رئيس مجلس الوزراء أو أي من أعضاء الحكومة بمأمن من تحريك للدعوى الجنائية عن الجرائم التي يرتكبونها خلال تأدية أعمال مناصبهم أو بسببها، وبمأمن من محاكمتهم عن هذه الجرائم، أيا كانت طبيعتها جناية أو جنحة، ولو كانت مخلة بالشرف والأمانة.

فقد تطلبت المادة (166) من الدستور لتحريك الدعوى الجنائية ضد الوزراء ما يلي:

1- أن يكون اتهام رئيس مجلس الوزراء أو أحد أعضاء الحكومة مقدما من رئيس الجمهورية أو النائب العام أو ثلث أعضاء مجلس النواب.

2- أن يصدر قرار الاتهام من المجلس بأغلبية ثلثي مجلس النواب.

وبذلك يكون دستور 2012 قد تشدد في الأغلبية التي تطلبها في مجلس النواب لتحريك الدعوى الجنائية بأكثر من تشدده في الأغلبية التي تطلبها لتعديله، فالموافقة على طلب تحريك الدعوى الجنائية يكون بالأغلبية ذاتها التي يتطلبها تعديل الدستور وهي أغلبية الثلثين.

إلا أن تحصين الوزراء من المحاسبة الجنائية، يزيد على ذلك، فتعديل الدستور يتم بناء على طلب خُمس أعضاء مجلس النواب، أما طلب محاكمة الرئيس فيشترط فيه أن يكون ثلث أعضاء المجلس.

العدوان على ولاية القضاء

وهو ما ينطوي على عدوان على ولاية القضاء، لأن الأصل في تحريك الدعوى الجنائية في الدول التي تحترم حقوق الإنسان واستقلال القضاء، أن يكون ذلك من الجهة القضائية المختصة، وقد قصرت المادة (166) دور النائب العام على الطلب من مجلس النواب تحريك الدعوى الجنائية قبل الوزراء، وتظل يد النائب العام مغلولة حتى يصدر قرار الاتهام بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب.

أي أن المادة (166) من الدستور قد خلعت حصانة قضائية على رئيس مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة، فيما يرتكبون من جرائم أثناء تأدية مناصبهم، ولو اقترفوا جريمة من جرائم الفساد، أو جرائم القتل، أو كان وزير الداخلية قد أمر مثلا بتعذيب متهم حتى الموت، أو أمر بإطلاق النار على المتظاهرين، أو تسبب وزير الصحة في قتل مريض بأن أمر بإجراء تجربة طبية عليه، أو زوّد مستشفيات وزارة الصحة بدم فاسد... إلخ.

مخالفة شرع الله لا تطبيقه

وقد تناسى التيار الإسلامي  في حرصه على تحصين قياداته من المساءلة الجنائية، أنه قد وقع في تناقض كبير بين دعوته إلى تطبيق شرع الله وبين تحصين الوزراء من المساءلة الجنائية، بما يخالف شرع الله.

فعلو المكانة الاجتماعية في الإسلام يأتي معها التشديد في العقوبة، مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

ويقول المولى عز وجل "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرا". صدق الله العظيم.

وكنت قد نبهت إلى عوار نص المادة (166) من الدستور في مؤلفي "الخطايا العشر في دستور العصر"، وهو ما كان أحد الموضوعات التي أثرتها مع السيد عمرو موسى، رئيس اللجنة التي وضعت الدستور، عندما التقى بي إبان رئاسته للجنة في مكتبه بمجلس الشورى، يوم السبت 14/9/2013، وناقشنا فيه مختلف الموضوعات التي أصابها العوار في دستور 2012.

وبتوفيق الله استبدلت اللجنة بهذا الحكم، ما تنص عليه المادة 173 من الدستور الحالي من أن "يخضع رئيس مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة للقواعد العامة المنظمة لإجراءات التحقيق والمحاكمة، في حالة ارتكابهم لجرائم أثناء ممارسة مهام وظائفهم أو بسببها، ولا يحول تركهم لمناصبهم دون إقامة الدعوى عليهم أو الاستمرار فيها"، وذلك فيما عدا جريمة الخيانة العظمى لما لها من طابع سياسي.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.