رغم تحذيرات الطبيب المعالج وتشديده على ضرورة الراحة وعدم بذل أي مجهود، تمسك الممثل القدير فؤاد المهندس وقرر أن تعرض مسرحية {إنها حقا عائلة محترمة} في موعدها الذي لم يكن يتبقى عليه سوى أقل من 10 أيام.

Ad

تحذيرات الطبيب التي تتنافى تماماً مع طبيعة العمل المسرحي، إضافة إلى السهر والانفعالات وكلها تتعارض وظروفه الصحية، دفعت المنتج سمير خفاجي والكاتب بهجت قمر وأمينة رزق، لأن يجتمعوا في منزله، لمناقشة إمكانية تأجيلها حتى يتعافى المهندس تماماً، لكنه تمسك بوجهة نظره.

حاولت شويكار الضغط عليه لكنها لم تنجح بمفردها، ولم ينجح فريق العمل في ثنيه عن موقفه لدرجة أن المنتج سمير خفاجي دخل معه في مشادات لتأجيل العمل مع استعداده لتحمل أي خسائر مادية نتيجة التأجيل. لكن الأستاذ قرر استئناف التمرينات من اليوم التالي حتى لو كان بمفرده على المسرح، وهو ما حدث بالفعل حيث كان أول من يتواجد بالمسرح:

شويكار: يا فؤاد أنا مش مطمنة وأنت على المسرح كده.

فؤاد: وأنا عمري ما هعيش مرتاح وأنا في السرير بعيد عن المسرح والشغل، متحاوليش أنا الأسبوع اللي قعدته كنت بموت في اليوم 100 مرة.

شويكار: خلاص أنا هكلم الدكتور يجي يحضر التمرينات معانا علشان نبقى مطمئنين.

فؤاد ممتعضا: لو ده اللي هيريحك خلاص موافق.

اتصلت شويكار بالدكتور، وطلبت منه مرافقة فؤاد المهندس في اليوم التالي إلى المسرح لحضور التمرينات، خصوصاً مع إصراره على العودة إلى خشبة المسرح في أقرب فرصة، وعدم رغبته في الالتزام بالراحة وفقاً للتعليمات الطبية.

وفي صباح اليوم المحدد للتمرينات، استيقظ فؤاد المهندس مبكراً، لدرجة أنه أيقظ شويكار من نومها في السابعة صباحاً، وكان قد انتهى من تحضير الإفطار ليخرجا بعدها متجهين للمسرح، فمنزلهما لم يكن يبعد أكثر من 10 دقائق عن المسرح.

وصل الأستاذ مبكراً قبل موعد البروفة بأكثر من ساعة ونصف الساعة، فكان مع شويكار بمفردهما، توجه إلى غرفته التي وضع فيها ملابسه، ثم صعد على خشبة المسرح ووقف ينظر إلى الكراسي الخالية من الجمهور وكأنه يعوض شوق الغياب الاضطراري.

قبل العاشرة بقليل كان جميع فريق العمل قد وصلوا بما فيهم الطبيب المعالج لفؤاد الذي أخبره بأنه جاء بناء على رغبته، لكن عليه أن يلتزم بالتعليمات الطبية:

الطبيب: يا أستاذ فؤاد ده جهاز هركبه على القلب تحت القميص هيقيس ضربات القلب.

فؤاد: وإيه لازمته ما أنا كويس جدا.

الطبيب: أنا كل ساعة هطلع على المسرح أشوف لحضرتك ضربات القلب كام وعلى أساسها نقدر نحدد إذا كنت هتقدر تكمل ولا لأ.. علشان نقدر ما يمكن أن يحصل من أزمة تانية على المسرح.

فؤاد: يا دكتور أنا المسرح هو حياتي ونفسي أموت عليه، بس عموما ماشي أنا هريحك.

بدأت التمرينات واستمرت لساعات طويلة، لم يتوقف خلالها فريق العمل إلا مرة واحدة لتناول الغداء في أقل من ساعة، بينما كان فؤاد المهندس بمثابة شعلة الحماسة التي ألهبت الجميع ومنحتهم طاقة استثنائية للعمل المتواصل. كان يرغب في تعويض الوقت الذي توقفوا فيه، وهي الرغبة التي جعلت طبيب القلب يشعر بأنها سبب في تعافيه، حيث اكتشف انتظام ضربات القلب بشكل اعتيادي على مدار اليوم رغم المجهود الكبير والحركة التي كان المهندس يبذلها على المسرح.

حرص الطبيب على متابعة حالة فؤاد يومياً ومرافقته، خلال ثاني وثالث أيام التمرينات، حتى أقنعه فؤاد بضرورة أن يعود إلى ممارسة عمله بشكل اعتيادي حتى يتابع الحالة الصحية لمرضاه، وهو ما وافق عليه الطبيب شريطة أن يحضر ليلة الافتتاح نظراً إلى المجهود الكبير المتوقع من الأستاذ حيث أداء المشاهد بشكل متلاحق، مؤكداً على حقه في إيقاف المسرحية في أي وقت يشعر فيه بالخطر.

بدأت الإعلانات في الصحف تعلن عن عودة الأستاذ فؤاد المهندس إلى المسرح مع شويكار، دعاية ضخمة أنفق عليها المنتج سمير خفاجي مبلغا كبيرا من المال، كما طلب من طبيب فؤاد وفريقه المعالج حضور العرض كمتفرجين وفي نفس الوقت تحسباً لأي ظروف قد تحدث، وهو ما وافق عليه الطبيب بالطبع ومن دون تردد حفاظاً على حياة الأستاذ الذي كان يشعر بالقلق الشديد عليه في كل مرة يتحرك فيها.

في يوم العرض وصل المهندس من الصباح، ورغم أن الستارة كانت ترفع في العاشرة مساء، فإن الأستاذ وصل قبل العرض بساعات كعادته يوم افتتاح أي عرض مسرحي له، سواء كان من إخراجه أو بتوقيع غيره من المخرجين، ذلك لمتابعة التفاصيل كافة الخاصة بإطلاق العرض، وعبثاً حاولت شويكار ثنيه عن ممارسة الدور نفسه هذه المرة حفاظاً على حالته الصحية حتى فوجئ بطبيبه الخاص يدخل عليه غرفته قبل العرض للاطمئنان على صحته:

الطبيب: يا أستاذ فؤاد إحنا على اتفقنا.

فؤاد: طبعا يا دكتور، أنا هنفذ تعليماتك، وبلغت سمير أنك تبقى قريب من المسرح.

الطبيب ضاحكا: أيوة يا أستاذ فؤاد، المسرح كله دكاترة.

فؤاد: هو حضرتك نقلت المستشفى هنا ولا أيه.

الطبيب: أيوة يا أستاذ أنت غالي علينا، فيه أطباء من كل التخصصات موجودين هنا معايا، كلنا عاوزين نطمئن عليك وكمان (ضاحكا) نتفرج عليك، المهم بلاش تتعب نفسك.

فؤاد ضاحكاً: أنتم بتعملوني حجتكم بقى علشان تتفرجوا، عموماً أهلاً وسهلاً، وأتمنى لكم مشاهدة طيبة، وأهو لو تعبت أنت تكمل المسرحية بدل مني لأني متهيالي حفظتها من كتر ما حضرت التمرينات.

كان الطبيب يشعر بالقلق على حياة فؤاد المهندس وحرص على قياس سرعة ضربات القلب، وزاد من قلقه أنه وجدها غير منضبطة، ما أرجعه فؤاد إلى قلق يوم العرض، وأنه لو قاس ضربات كل من في العرض سيجدها على هذا النحو، ولم يجد الطبيب مفراً من مناقشة الأمر مع فؤاد الذي كان حاسما، قاطعاً لا يقبل المجادلة، فاكتفى بوضع جهاز تنظيم ضربات القلب، وأخذ الأدوية.

وكطقس يومي في المسرح كان فؤاد يحرص على الاطمئنان على الحضور من وراء الستار، وبالفعل وجد الصالة ممتلئة عن آخرها، فتحول لشعلة من النشاط ليقدم العرض، ويبذل مجهوداً مضاعفاً على المسرح، منفعلاً تارة وسعيدا تارة أخرى دون أن يشعر بأي إرهاق.

في الاستراحة بين فصول العرض كان الأطباء يتابعون الحالة الصحية للأستاذ، لكن المفاجأة أن المعدلات كلها كانت تسير بشكل طبيعي بل إنها انتظمت بشكل طبيعي عما كانت عليه قبل صعوده على المسرح، الأمر الذي أصاب الأطباء بحيرة.

أنهى فؤاد الليلة الأولى من العرض بنجاح، ومن جانبهم طمأن الأطباء شويكار وأصدقاء على حالة الأستاذ الصحية، وأن المسرح لا يشكل أي خطورة عليه، بل إن حالته الصحية تتحسن بتواجده على المسرح ووسط جماهيره، ليؤمن الأطباء أن الحب عموماً يصنع المعجزات، حتى لو كان حب الأستاذ لجمهوره ولعمله وخشبة المسرح.

نجحت المسرحية بشكل كبير، كانت كاملة العدد في معظم أيام الأسبوع، انتظم الأستاذ في العرض واستمر حتى نهاية موسمها كما كان مقرراً لها، ورغم نجاحها المذهل، فإن فؤاد لم يتحمس لإعادة تقديمها مرة أخرى.

حكم الزمن

وكعادة السينما مع الأستاذ، فإن محاولات استغلال نجاحه ككوميديان لم تتوقف، ولكن هذه المرة جاءته من تلميذه عادل إمام الذي عرض عليه المشاركة معه في فيلم {خلي بالك من جيرانك}، الذي تقاسم بطولته مع لبلبة، بينما قدَّم المهندس شخصية الأستاذ عبد السلام الذي يرتبط بقصة حب مع والدة زوجته التي جسدت دورها الفنانة مديحة يسري.

لم يجد الأستاذ غضاضة في العودة إلى الأدوار الثانية مع تلميذه الذي اكتشفه قبل أكثر من 20 عاماً، فكان يؤمن بأهمية الدور في الأحداث وهل سيكون بمثابة إضافة له أم لا، لذا لم يعترض لكونه دوراً ثانياً وقبل الدور.

الأمر الذي شجع إمام لأن عرض عليه مشاركته للمرة الثانية في فيلمه {5 باب} أول، وآخر عمل يجمع بين زعيم الكوميديا حينها ونجمة الجماهير الفنانة نادية الجندي. إلا أن اعتراضات البعض بسبب طبيعة الفيلم والمقتبس عن الفيلم الأميركي {إيرما لادوس}، دفعت إلى سحبه من دور العرض، لكنه حقق مبيعات خيالية من جراء عرضه على الفيديو، ما يشير إلى أن الدور الجيد بغض النظر عن مساحته أهم لدى الأستاذ من أدوار البطولة السينمائية، والتي أدرك أن لها حسابات مختلفة عن المسرح أو التليفزيون اللذين ظل متفرداً في بطولتهما.

عاد المهندس إلى نشاطه الفني بقوة خلال تلك الفترة، فصور مسلسلا تلفزيونياً قصيراً حمل اسم {عيون}، كتبه صديقه بهجت قمر، وشاركه في البطولة يونس شلبي وسناء جميل. حقق المسلسل نجاحاً كبيراً مع الجمهور، وبدأ التحضير لمسرحية جديدة يقوم ببطولتها ويخرجها، وهي {سك على بناتك}، لكن هذه المرة من غير شويكار التي لم يجد لها دوراً مناسباً، مجرد ظهور صوتي فحسب، فالدور لأب يقوم بتربية بناته بعد فقدان والدتهن بينما تكون علاقاته بمحبوبته عبر الهاتف فحسب، لذا فضل الاستعانة بصوت زوجته ورفيقته شويكار التي كانت تحضر العروض معه في معظم الأيام وكأنها واحدة من المشاركات فيه.

جلس فؤاد المهندس في جلسات عدة مع المؤلف لينين الرملي حتى يستقر على الشخصيات التي ستشاركه في المسرحية، فكانت اختياراته بين الوجوه الصاعدة في تلك الفترة الفنانة شيريهان والتي كانت لا تزال في بدايتها، كذلك أحمد راتب، وسناء يونس ومحمد أبو الحسن، الذين كتبوا شهادة ميلادهم فنياً بتوقيع فؤاد المهندس ممثلاً ومخرجاً للمسرحية.

راهن فؤاد على المسرحية رغم تحذيرات المقربين منه، نظراً إلى غياب شويكار شريكته الأساسية في أي عروض عن المسرح، خصوصاً أن الجمهور اعتاد على الذهاب لمشاهدتهما سوياً، لكن قراره النهائي كان بعدم إقحام دور غير مؤثر في المسرحية لتواجد حبيبته فحسب، فبخبرته المسرحية علمته أن محاولة {حشر} دور لشوشو في المسرحية قد يفسد طبيعتها الكوميدية، وهو القرار الذي لم تجد فيه زوجته مشكلة بالنسبة إليها. لكن الصحف لم تفوت الأمر دون شائعات عدة لم تتوقف إلا مع بدء عرض المسرحية.

طبيعة المسرحية وما تناقشه من قضايا تتعلق بالتربية، ساهمت بالطبع في نجاحها، وتصدرت أخبارها الصحف الفنية وخطفت الأضواء من الأفلام السينمائية والأعمال التلفزيونية التي عرضت في التوقيت نفسه، والأهم أنها أكدت للجميع أن الأستاذ ينتصر دوماً للقيمة الفنية.

الطريف أنه وخلال تقديم مسرحية {سك على بناتك} كان الأستاذ فؤاد المهندس يمارس هوايته المفضلة في النظر إلى الجمهور قبل بداية العرض المسرحي، لكنه فوجئ بأن الصف الأول من المسرحية محجوز بالكامل لمجموعة من الجزارين قادمين بملابس عملهم وبأسلحتهم، مما أثار حالة من القلق لديه.

تحدث فؤاد المهندس مع الفنان الشاب محمد أبو الحسن، وطلب منه أن يتوجه إليهم ويعيد ثمن التذاكر لديهم، لأنه لا يليق أن يحضروا عرضاً مسرحياً بملابس وأسلحة العمل، خصوصاً أن المسرح لم يكن وقتها قد عرف الاستعانة بشركات التأمين لحماية الممثلين.

ذهب محمد إلى المعلم الكبير فعرف منهم أنهم يحبون الفنان فؤاد المهندس وأنهم علموا بأن هذا هو آخر ليالي العرض المسرحي لذا رغبوا في حضور المسرحية، فلم يستطيعوا الذهاب إلى منازلهم لتغيير ملابسهم وقرروا الحضور بملابسهم والأسلحة التي يستخدمونها في العمل.

نقل محمد الكلام إلى الأستاذ فؤاد المهندس الذي ضحك كثيراً، وطلب فؤاد منه أن يسألهم ترك أسلحتهم في كواليس المسرح، وهو ما وافقوا عليه.

غيرة قاتلة

كانت علاقة فؤاد وشويكار في تلك الفترة مليئة بالمشاكل العادية مثل أي زوجين لكنها زادت مع تكرار فؤاد حديثه عن شعوره بالغيرة على شويكار، ورفضه عملها مع غيره بسبب شعوره بالغيرة من تجسيدها لأي علاقة حب على الشاشة مع ممثل آخر، لذا نشبت بينهم كثير من الخلافات العادية حتى فاجأت شويكار فؤاد يوما بطلب الطلاق.

شويكار: طلقني يا فؤاد.

فؤاد: أنت بتقولي أيه؟

شويكار: بقولك عاوزة أطلق.

فؤاد: ممكن أعرف السبب؟

شويكار: أنا خلاص مش قادرة أستحمل.

فؤاد : بس أنا بحبك وعارف أنك كمان بتحبيني.

شويكار: أيوه بحبك بس مش قادرة أستحمل غيرتك اللي من غير سبب، إحنا كبرنا يافؤاد و أنا خلاص زهقت، وعلشان أفضل أحبك بقولك طلقني.

فؤاد: لكن...

شويكار مقاطعة: ارجوك يا فؤاد.

صمت فؤاد لثوان دون أن يرد بينما ظلت عيناه تنظر إلى شويكار، فماذا حدث؟

 التفاصيل في الحلقة المقبلة

تعليقات سخيفة

خلال إحدى ليالي عرض مسرحية {إنها حقاً عائلة محترمة} فوجئ المهندس بتعليقات سخيفة تصل إلى أذنيه من أحد الأشخاص الجالسين في الصفوف الأولى، لكنه لم يهتم، بينما كان باقي الجمهور يضحك على المواقف الكوميدية في المسرحية، واستمر هذا الشخص في إثارة غضبه بترديده جملا من نوعية {قديمة}، {اتقالت قبل كده}، ومن خلال تعليقاته استطاع فؤاد أن يحدده من وسط الجمهور، بينما كادت شويكار وأمينة رزق أن تفقدا أعصابهما على المسرح.

كانت لغة الكيمياء المشتركة بينهم تجعلهم يفهمون ما يريد أن يقوله الأستاذ، فبدأ بإبطاء طريقة حديثه بشكل متعمد واتبعته شويكار وأمينة. لكن المشاهد استمر في التجاوز بالتعليقات بل إنه زاد منها، رغم أن بطء الإيقاع كان هدفه إيصال رسالة له بأنهم يسمعونه وأن ما يقوله لا يصح بحق أبطال العمل. لكنه زاد من تعليقاته السخيفة، ما جعل الجمهور ينتبه له، فقصد فريق العمل تنبيهه مجدداً لكنه لم يصمت مما دفع فؤاد إلى الصمت والإشارة إلى أمينة وشويكار بالصمت احتجاجاً على تعليقاته.

تحرَّك فؤاد باتجاه الجمهور وتبعته شويكار وأمينة وقاموا بتنكيس رؤسهم على المسرح، فما كان من المشاهدين إلا أن توجهوا إليه وأجبروه على مغادرة القاعة بهدوء بعدها تابع فؤاد العرض بشكل طبيعي ومرَّ الموقف من دون مشاكل. وعلم المهندس بعد العرض أن المشاهد لم يكن مصرياً ولم يكن في حالته الطبيعية بسبب تناوله الخمور.