لم أستطع أن أكف دقيقة واحدة عن قراءة ذلك الكتيب البالغة صفحاته 144 صفحة كاملة، حتى أنهيته، لما في هذا الكتيب من عناصر تشويق متسلسلة، فكلما أردت أن أوقف القراءة شدني عنوان جديد.

Ad

إنه "ومضات من فكر محمد بن راشد آل مكتوم" تلك الومضات التي تلخص مجهود سنوات عن كيفية صناعة الدول الحديثة أو دولة المستقبل التي قال عنها ذلك الرجل العبقري العملاق اقتصادياً: "نريدها حكومة لا تنام" تلك هي الرؤية المستقبلية لحكومة دولة الإمارات، فنريدها كشركات الطيران تنجز معاملات المواطنين على مدار الساعة وتعالج مشكلاتهم في أي وقت عن طريق التكنولوجيا الحديثة، كم يعد هذا الرجل كبيراً وهو يتكلم عن مستقبل الإمارات، فهذه الدولة التي صاغت اسمها بحروف من ذهب على الخارطة العالمية وأصبحت وجهة العالم اقتصادياً ومالياً وسياحياً.

يقول محمد بن راشد إن مشروع حكومة لا تنام طُبِّق ونفذ بالقطاع الخاص ونجح نجاحاً باهراً، فلا مانع من تطبيقه على القطاع العام، إنه يتكلم من منطلق فكري جديد لا مكان في قاموسه لكلمة مستحيل، لذلك خاض تحديات ومخاطر أوصل بها الإمارات إلى العالمية. يصف المستحيل بأنه كلمة صنعها الغرب كي يمنعوا العرب من الوصول إلى أهدافهم، لذلك يؤكد في ومضاته أنه لا مجال لهذا الكلمة بين رجال الإمارات.

ولم يقف فكر هذا الرجل عند حد إنجاز "حكومة لا تنام" فقط، بل تجاوز ذلك لتكون تلك الحكومة بجميع خدماتها في متناول يد المواطن الإماراتي من خلال التقنيات الذكية وصولاً إلى الهواتف النقالة. يصف محمد بن راشد التحدي بأنه كالماء الذي يواجه الصخرة هل يقف؟ الإجابة بالطبع لا، إنما يذهب يميناً وشمالاً ليتجاوز ذلك التحدي، وكذلك يجب أن يفعل الإنسان من خلال التحلي بالطاقة الإيجابية.

يقول رجل الإمارات إن الإنسان لن يعيش مئات السنين، ولكن يمكن أن يبدع شيئاً يستمر مئات السنين، ومن خلال ذلك يتبنى آل مكتوم الفكر الإبداعي ولا يقبل بغيره، لذا أولى تمكين المواطن الإماراتي أهمية كبرى، إذ يقول: "استقطبنا كثيراً من الشركات الإماراتية التي تدرب عليها الإماراتيون ليصلوا إلى ما وصلوا إليه من مكانة مرموقة"، ما يؤكد أن الإمارات باتت رقماً جديداً راسخاً في الاقتصاد العالمي، ثم يزيد من ومضاته بتحدي أنه لا بديل عن المركز الأول.

استوقفتني جملة مهمة جداً قد يمر عليها البعض مرور الكرام، لكنها في غاية الأهمية، وهي "إدارة الوقت" من منظور محمد بن راشد آل مكتوم يقول: "الوقت كالنهر الجاري لا تستطيع أن تضع رجليك على الماء نفسه مرتين، وهنا يشير ذلك الرجل إلى أن الوقت يجب أن يستفاد بكل لحظة منه عبر نشاط قد تكون نتيجته إيجابية، وإلا فإنه سيسرقك، وهذا ما حصل مع خطط الإمارات التي سبقت الوقت وانتصرت عليه.

يؤكد في حديثه عن الربيع العربي أنه حذر القيادات، لكنها لم تستجب، إلى أن وقع المحظور، ويشير إلى أن كثيراً من الذين واجههم كانوا يحذرونه من الاستمرار في المشاريع العملاقة في ظل توتر المنطقة، لكنه أبى إلا أن تكثر المشاريع لتصل الإمارات إلى العالمية، ويزيد بأنه لو كانت الأوضاع السياسية مستقرة لكانت استفادة الإمارات أضعافاً مضاعفة.

يولي محمد بن راشد آل مكتوم التعليم الأهمية القصوى، ويؤكد أن أهم دروس التاريخ هو أن نهضة الدول والشعوب والحضارات تبدأ من التعليم وأن مستقبل الأمم يبدأ من مدارسها، وهذا ما تبنته الإمارات، "فمن حقنا أن نحلم لدولتنا بأن تكون من أفضل دول العالم"... هكذا يعبر الرجل العظيم.

الاستثمار في رأس المال البشري الشغل الشاغل لفكر ذلك الرجل، إذ يؤكد أن هذا الأمر هو الذي جعل الإمارات في هذه المراتب العالمية، فالاستثمار في الانسان أثمن الاستثمارات، لا يعرف الفشل إليه طريقاً، يعبر عن ذلك بقوله: "أخذ المخاطرة والفشل ليس فشلا، فالفشل الحقيقي هو الخوف من الدخول في المخاطرة"، ويتساءل: "لو انتظرنا استقرار المنطقة حتى نطلق المشاريع الحكومية العملاقة فأين سنكون اليوم؟".

أي فكر عظيم يمتلكه ذلك الرجل القائد؟ أي فكر طور به دولته؟ كيف صنع الإمارات الحديثة؟ وماذا يخبئ للمستقبل؟ كم أحب شعبه ونذر نفسه من أجل رقيه وسعادته، كما يقول إن "السعادة الحقيقة تكمن في تحقيق رفاهية شعبك وحل مشكلاته".

ومضات فكر كتيب صغير في عدد صفحاته، لكنه يمثل خارطة طريق لصناعة الدولة الحديثة ومنهجاً تعليمياً حديثاً رسم كلماته ذلك الرجل العظيم الذي لا يعرف المستحيل، يؤكد أن القادم أجمل ولا تعرف كلمة التأجيل إليه طريقاً.. صنع خارطة طريق في ومضاته عن كيفية اتخاذ القرار الحكومي وكسر الروتين وتحطيم البيروقراطية والاستثمار في الإنسان، تلك الومضات يجب أن تدرس في المدارس القيادية الحكومية كي يعرف أصحاب المناصب مواقعهم على خارطة الإنسان وماذا قدموا، نعم يكفي أن تتعلم أن القائد العظيم يصنع قادة عظماء ولا يختزل المؤسسة في شخص واحد، فالقائد الحقيقي ليس بالمنصب بل بتفكيره وطريقة عمله وإبداعه وأهدافه وغايته النبيلة.

أنصح الحكومة الكويتية أن تعقد قمة حكومية كما فعلت الإمارات يحاضر بها بن راشد آل مكتوم، ليعلم وزراءنا وقياداتنا الحكومية مفهوم القائد "الفعل" وعمله وطموحاته.

والسؤال الأخير: إذا كان طموح حكومتنا في الكويت لم يتجاوز حاجز البيروقراطية والمركزية في العمل في عصر العولمة فمتى سنصل إذن إلى حكومة لا تنام؟! أعتقد أن الإجابة ستكون في ذهن ومضات محمد بن راشد آل مكتوم.