كان الملك إنريكي الرابع أحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في العصور الوسطى في إسبانيا، بمشاكله الصحية في الإنجاب، ومشاكله مع النبلاء والشخصيات المهمة في البلاط الملكي، وتقديم خدماته إلى غير المستحقين، فضلاً عن علاقاته الغرامية مع الوصوليين، وهو ما جعله شخصية غامضة وعائمة بين الضباب، غير أن الدراسات الحديثة تسلط الضوء على أهميته التاريخية الإسبانية. تكمن أهمية هذا الملك في ابنته خوانا لابلتراخينا، رغم أن الألسن تناقلت أنها ليست ابنته الشرعية! إلا أنها حاربت يداً بيد مع إيزابيل الكاثوليكية، عمتها (أخت والدها من طرف الأب)، والتي ستصبح واحدة من أهم ملوك فشتالة، وتتزوج من فرناندو الأراغوني.  اشتعلت الإشاعات ومست إنريكي الرابع، ومن ضمنها أنه "مثلي وشاذ"، فقد دون أنه في العصر الخامس عشر كان على علاقات غرامية مع شخصيات نالت مقاعد قيادية ورئاسية في القصر! فهل كان إنريكي ضحية تلك الإشاعات بسبب وضعه السياسي؟

Ad

وقد نُشِر في سنة 1930 بمدريد مقال علمي من قبل أطباء مختصين في عدة مجالات طبية، للوصول إلى حقيقة هذا الملك، ولكن دعونا نعد إلى تاريخ 25 يناير من سنة 1425م، وهو تاريخ ولادة هذا الملك، إذ يولد في "بلد الوليد" ابن الملك خوان الثاني وماريا دي اراغون، في حقبة كانت قشتالة تعاني فيها الكثير من الحروب والعنف! وبعد ثلاثة أشهر من ولادة إنريكي لقب بأمير منطقتي استورياس وجيان، كان صاحب شخصية ضعيفة جداً وكثير المرض.

تزوج إنريكي سنة 1440م عن عمر يناهز 15 سنة من بلانكا دي نافارا الثانية، وقد دام هذا الزواج أكثر من 13 سنة، ولكن زوجته لم تنجب طوال هذه المدة، فقيل إنه ليس "مثلياً" فقط بل عاجز أيضاً! فما كان منه إلا أن أنهى هذا الزواج السياسي البحت، لهدف آخر، وهو التوسعة السياسية وصولاً إلى البرتغال عن طريق زواج آخر، ما يعني أن الطلاق في الأساس كان وضعاً سياسياً لا أكثر.  وتؤكد دراسات عديدة أن زوجته الأولى ماتت عذراء لهذا لم تنجب! ولكن دراسات أخرى تنفي هذه النظرية، مشيرة إلى أن إنريكي كان عقيماً لا عاجزاً! فيتم الطلاق والسبب المذكور في الأوراق الرسمية كان عقم الزوجة!

ثم يتغير مجرى الشائعات ويشاع أن إنريكي مسحور لكي لا ينجب وريثاً للعرش، وأن الأمر عابر وسوف ينفك السحر عما قريب، وبدأت بعض بائعات الهوى في التحدث بصوت عالٍ بالشوارع أنهن كن برفقة الملك إنريكي، وأنه كان سخياً معهن! وشاعت حكاية شبيهة بالأسطورة الخرافية، بأن الملك كان يبحث عن قرن البراق السحري لما له من مفعول مقوٍّ ومعالج في إفريقيا! وفي الحقيقة فإن "قرن البراق" ما هو إلا قرن وحيد القرن، وهو حيوان كان مجهولاً عند الأوروبيين حينئذ.

في 1455 يتزوج إنريكي من "خوانا" البرتغالية، فتنجب منه خوانا الابنة، ولكن الألسن طالتها بأنها ليست ابنته الشرعية، بل ابنة الرجل النبيل والمقرب من الملك دون بيلتران، ولهذا السبب تسمى بـ "لابلترانيخا"! ورغم أن أوج الحملات والحروب ضد الإسلام كانت في عهد ذلك الملك، إلا أن أغلبية حراسه كانوا من أصول عربية ومغربية! لهذا لقب أيضاً بالمتناقض!

ثم يموت إنريكي سنة 1474 في القصر المدريدي في 11 ديسمبر، وتؤكد الدراسات الحديثة، التي اجريت على جثته أنه كان يعاني الكثير من الأمراض، ومن ضمنها العقم الكلي مع مشاكل في الجهاز التناسلي واحتمال كبير بوجود حصوات الكلى، فضلاً عن الديسليبسيا!

وبسبب هذه الدراسات التي أكدت عقمه يؤكد الباحثون أنه لم ينجب وأن ابنته "لابيتراخينا" المحاربة الشرسة مع عمتها إيزابيل الكاثوليكية من أجل طرد المسلمين من إسبانيا! لم تكن ابنته، وأن تلك التي حاربت معها لم تكن عمتها الحقيقية!