يعيش القسم الأكبر من حدائق البلاد وضعاً مأساوياً بعيداً عن اهتمام الجهات المعنية التي تتقاذف مسؤولية التردي القائم.

Ad

«الجريدة» رصدت صورة الواقع الذي كشف عن شلل شبه تام في هذه المرافق التي هجرها الناس، بعدما فقدت كل أشكال الحياة، وهو ما عبرت عنه مواقف المواطنين الذين يطمحون إلى مزيد من الاهتمام بتلك الحدائق التي تعد المتنفس شبه الوحيد، وخصوصاً للمناطق الداخلية. علما بأن بعض المواطنين يبدي الكثير من الشكوك حول إمكان إصلاح الوضع، ويقولون إنهم حاولوا الاتصال بالهيئة العامة للزراعة لتقديم الشكاوى والمطالبة بإصلاح الوضع، لكن من دون جدوى، و«لا حياة لمن تنادي».

على غرار قصة مدينة «سرّ من رأى» التي أصبحت بعد خرابها «ساء من رأى»، تسير الحدائق العامة في البلاد على المنوال ذاته، فمن المفروض أن تمثل الحدائق العامة الرئة الحية للمدينة، باعتبار الغطاء الأخضر ضرورة قصوى بيئياً وصحياً وترفيهياً ونفسياً، علاوة على ما تضفيه الحدائق من بعد جمالي خلاب، وما تشكله من متنفس للمواطنين للنزوع إليها بعيداً عن اجواء المنزل، خصوصاً أيام العطلات والمواسم التي تعتدل فيها حالة الطقس.

لكن مشهد الحدائق العامة وحالتها في البلاد حكايته طويلة ومختلفة تماماً عن الصورة الوردية آنفة الذكر، فتلك الحدائق ترزح تحت وطأة إهمال كبير، وتنعدم فيه أدنى درجات الاهتمام والمراقبة والإشراف من قبل الجهات المعنية، وهو ما تلمسته «الجريدة» في جولتها على بعض الحدائق المنتشرة في البلادة التي تبين مدى وحجم الإهمال التي تعانيه إلى درجة القحط.

من حديقة القصر في الجهراء، كانت بداية رحلة «الجريدة» في ما يفترض أن تقع العين خلالها على كل ما هو أخضر! لكن هذا اللون الذي يطلق على مفهوم «التجدد والحياة» جمالياً كان منعدماً تماماً هناك، بل يغلب التراب أرضيتها، وبالكاد تظهر بعض الأعشاب على استحياء هنا أو هناك، ذابلة وجافة في دلالة واضحة على إهمالها من قبل الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية، التي تعيش في واد آخر من فضائح «توزيع القسائم والمزارع والمحسوبيات».

يقول بوعبدالله وهو أحد قاطني منطقة القصر: «للأسف، الحديقة تفتقد حتى المرشات وقد حاولت الاتصال بالهيئة العامة للزراعة سواء بالحضور أو بالخطوط التي وضعت من أجل استقبال شكاوى الناس، لكن دون جدوى ولا حياة لمن تنادي».

وفي محطة أخرى من محطات الجولة في الشمال، لن يكون بوسعك أن تستغرب لدى دخولك حديقة أن تجد بابها مكسوراً، وهذه حال حديقة «الصليبيخات - قطعة «3» لا بل سترى بعض الكراسي محترقاً ومحطماً أو مكتوبة عليه عبارات بذيئة، وعندما تنظر إلى الأسفل، تجد الكثير من بقايا الأوساخ المرمية وسط العشب، التي تحتاج إلى كادر من العمال يتولى تنظيفها يومياً.

وفي حديقة «الفنطاس»، يخيل للزائر وكأنه ينظر إلى لوحة فنية للوحة فنية غير مكتملة المعالم، فهي تمتاز بموقعها المواجه للبحر ،على الرغم من وجود محطة البنزين إلى جانبها مما يتعارض والغرض الصحي من الحديقة في تنقية الجو من الملوثات، كما تنتشر رائحة البنزين بشكل ملحوظ في المكان. وعلى الرغم من إغلاق حديقة صباح السالم لوجود انخفاض في أجزاء كبيرة منهان وخطورة ارتيادها، وكذلك تحويل المقاول و المسؤولين عنها إلى النيابة العامة لكن أبواب الحديقة لا تزال مفتوحة، دون أدنى اهتمام بسلامة المواطنين أو مرتادي الحديقة.

من السلام إلى إشبيلية، لم يختلف سيناريو المشاريع غير المكتملة، فهذه المرة لوحة تشير إلى أن موعد تسليم الحديقة التي تبلغ كلفتها ثلاثة ملايين ونصف المليون دينار في 2013 أي منذ نحو عامين، ليس هناك من إشارة على ذلك على أرض الواقع ولا أي دلالة على أن هذا المشروع سوف يكتمل في القريب، مع العلم أن المساحة لا تتجاوز التسعة آلاف متر مربع، حيث تحولت أسوار المشروع إلى لوحات إعلانية، وبجانب سور الحديقة لاحظت «الجريدة» السيدة «أم محمد» تفترش الأرض إذ لم تجد كرسياً ترتاح عليه بعد ممارسة رياضة المشي، حيث قالت إنها تسكن المنطقة منذ أكثر من سبعة أعوام، مشيرة إلى أن المنطقة بكاملها تفتقد للخدمات.

إلى ذلك، ثمة أسوار من «الكيربي» تحجب النظر في ما كان يفترض أن يكون حديقة ضاحية السلام، فمن الواضح أن العمل على إنشائها متوقف منذ زمن، وليس هناك إلا الأكوام من الحجارة وأكياس الأسمنت المبعثرة في كل جانب من هذه البقعة. طلال آدم وهو أحد سكان المنطقه ذكر أن هذا المشروع متوقف، «ولا نعلم ما السبب»، مؤكداً أن المنطقة بحاجة إلى حديقه تكون متنفساً للمواطنين ، معرباًعن الأمل في أن تستأنف هيئة الزراعة العمل على إتمام الحديقة.

في خيطان، هذه المنطقة التي تعج بالسكان من جنسيات متعددة اختلف المشهد قليلاً فقد وجدنا الحديقة العامة نظيفة نوعاً ما، وتستقبل عدداً لا بأس به من الزوار، وهذه الحديقة مقسمة إلى جزأين، جزء للعائلات و الآخر للشباب، لكن هذا التقسيم للحديقة لم يمنع مرتادي المكان من فتح ممرات بين الجانبين، وهناك غرفة من الكيربي كان مفترضاً أن تكون مصلى لم تنل أي اهتمام أو رعاية، وفي طرف الحديقة ثمة أكوام من السماد ملقاة دون تخزين.

أحمد السيد وهو أحد مرتادي الحديقة بقول إن المكان فرصة لأصحاب الشقق المجاورة من عائلات وعزاب للهروب من المساحات الضيقة في منازلهم، لكن الحديقه تفتقر إلى الخدمات الضرورية مثل المصليات ودورات المياه و البرادات.

إحالة مقاولي الحدائق إلى النيابة

وفق مصدر عليم، فإن الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية حولت المكتب الاستشاري والمقاول المشرف وأطرافاً من داخل الهيئة إلى النيابة العامة على خلفية تعطل ٢٤ مشروع حديقة في مختلف مناطق الكويت إلى درجة أن الفساد في الهيئة وصل حداً كبيراً لايمكن تغطيته.