لاشك في أن ما حدث بالعالم العربي خلال الأيام الماضية خطير، بداية من إحراق سفارة السعودية في طهران، وقنصليتها في مشهد، مروراً بقطع دول عربية عدة علاقاتها مع طهران، انتهاء بالتحريض الذي ملأ بعض وسائل الإعلام العربية للأسف، وتقسيم العالم العربي إلى سُني وشيعي، وكأننا على بوابة حرب دينية كبيرة لابد أن ينتصر فيها أحد الطرفين بالقضاء على الطرف الآخر.

Ad

سياسياً، من الممكن أن نتكلم عن الكثير من التفاصيل، مثل أنه ليس من حق دولة أن تتدخل في شؤون دولة أخرى، أو تعلق على إعدام "مواطن" ينتمي لجنسية دولة أخرى، حتى لو كانت مرجعيته الدينية عائدة لها، ومن الممكن أن نتحدث عن أهمية احترام اتفاقية فيينا، في ما يخص حماية السفارات والقنصليات، لكن الأهم من كل هذا، هو خيط اللهب الذي يحاول البعض إذكاءه، بإثارة النعرات الدينية والمذهبية بين سكان الدول العربية، الذين ينتمي بعضهم للسُّنة أو للشيعة، وهو الخيط الذي إذا اشتعل، فلن ينطفئ أبداً.

نعلم أن إيران ستحاول استغلال أذرعها السياسية أو الدينية، في الدول العربية المجاورة، مثل حزب الله في لبنان، أو ميليشيات الحوثي في اليمن، أو غيرهما في سورية والبحرين، لكن ما يجب علينا الانتباه إليه، هو عدم منحها الفرصة لاجتذاب "الشيعة" في الدول العربية لصفها.

الشيعة في الدول العربية هم مواطنون عرب، لعبوا أدواراً وطنية، ولهم كامل حقوق المواطنة، ويجب عدم التعامل معهم باعتبارهم أقليات، كما يجب التوقف عن معاملتهم باعتبار ولائهم لغير دولهم، لأن ليس كل الشيعة كبعض المنتمين لـ "حزب الله"، ولا كلهم من الحوثيين، والمزيد من الضغط عليهم في هذا الاتجاه سيجعلهم يولون الأدبار إلى إيران، التي تنتظر فقط أن يلتفتوا إليها.

حل جزء من المشكلة يكمن في تعاملنا مع القضية، هل هي مشكلة سياسية يجب أن نحلها بالوساطات الدولية، أم أننا نريد أن نحولها إلى "حرب دينية"، بتهميش "الشيعة العرب"، من دون أن نضع في حسباننا أدوارهم الوطنية في بلادهم، مثل دورهم في الحراك المدني في العراق.

خلق مشكلة جديدة اسمها "الشيعة العرب"، ورميهم بالعمالة لطهران، لن يقل خطورة عن مشكلة "داعش"، وهو أمر ستسعد به إيران، التي تريد أن تصور إرهابيي "داعش" باعتبارهم مقاتلين سُنة، لكن لن يسعد به العالم العربي، الذي سيتحول إلى ساحة قتال كبيرة بين الفصيلين، وقد يكمن جزء من الحل في إعادة النظر في مفهوم الشيعة العرب، وخلق مسافة بين انتماءاتهم الدينية وولائهم السياسي.

تنظيم "داعش" الإرهابي لا يعبر عن السُّنة، ومواقف إيران المتطرفة لا تعبِّر عن الشيعة في الدول العربية، وإذا كانت لإيران أذرع في بعض هذه الدول، فهذا لا يعني أن ولاء كل الشيعة العرب لإيران ضد بلادهم.

لسنا في حاجة إلى خلق مشكلة جديدة، وحتى لا نفتح الباب لحرب دينية لا تُبقي ولا تَذَر، يجب على الدول العربية وحكوماتها التعامل بحرص مع ملف الأقليات الشيعية، وعلى وسائل الإعلام أن تنتبه للدرس، فمَن يلعب بنار "الطائفية" لابد أنها ستحرق يده، وربما بيته في النهاية.