نسمع مطالبات عربية ودولية لإعادة إحياء المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، التي توقفت بعد رفض إسرائيل إطلاق سراح دفعة رابعة من السجناء المحتجزين قبل اتفاق أوسلو في 29 مارس عام 2014.

Ad

نوقش استئناف المفاوضات في جنيف في السادس من يونيو خلال اجتماع اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط، التي تضم روسيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والأمم المتحدة، وقد سبق هذا الاجتماع اجتماع آخر في 20 مايو بين فيديريكا موغيريني، الممثلة العليا للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، والرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله. أعلنت موغيريني خلال الاجتماع أن الاتحاد الأوروبي ملتزم بالتوصل إلى طريقة لإعادة إطلاق عملية السلام، وأنها ستعقد اجتماعات مع مسؤولين في المنطقة بغية تحقيق هذ الهدف.

أخبر كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات Al-Monitor، أن السلطة الفلسطينية، رغم كل هذه الجهود الدولية وتأكيد هذه السلطة التزامها بمسيرة السلام، تطالب إسرائيل بالقيام بواجباتها، كما ينص اتفاق أوسلو والاتفاقات التالية التي أفضت إليها مبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري بغية استئناف المفاوضات.

أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، بعد أن تملكه الاستياء، في مقابلة أجرتها معه قناة العربية في الخامس عشر من مايو: "الحل الوحيد بالنسبة إلي على الأمد الطويل حل إقامة دولتين"، وأضاف: "أعتقد حقاً أن ما يمكننا القيام به في هذه المرحلة هو العمل على إعادة بناء الثقة".

شدد عباس خلال اجتماعه مع موغيريني: "نؤيد مسيرة السلام، ولكن على الجانب الإسرائيلي أن يضطلع بمسؤولياته، يوقف نشاط الاستيطان، ويطلق سراح الدفعة الرابعة من السجناء المحتجزين قبل اتفاق أوسلو، ويقبل بمبدأ إقامة دولتين وفق حدود 1967".

أما عريقات، فقال من ناحيته: "تعلق الحكومة الإسرائيلية مسيرة السلام من خلال إجراءاته على الأرض، التي تلغي أي احتمال لتطبيق حل إقامة دولتين"، ثم أوضح: "فتحت الحكومة [الإسرائيلية] الجديدة الباب أمام عروض البناء في مستوطنة ليشيم بغية ربط مستوطنة أريئيل بوادي الأردن، مما يعني تقسيم الضفة الغربية وتقويض حل إقامة دولتين. فهل هذه حكومة تريد السلام؟".

تابع عريقات: "أوقفت إسرائيل المفاوضات، وتقوض حل إقامة دولتين، ولا يشكل وقف النشاط الاستيطاني لاستئناف المفاوضات مطلباً من جهتنا، بل هو التزام على إسرائيل أن تحترمه، لكن هذا غير ممكن في وقت يقوم فيه برنامج حكومة بنيامين نتنياهو على بناء المستوطنات".

وذكر أيضاً: "لا يمكن استئناف المفاوضات قبل أن تعلن الحكومة الإسرائيلية وقف بناء المستوطنات، وتقبل بحل إقامة دولتين في أراضي 1967، وتحرر الدفعة الرابعة من السجناء المحتجزين قبل اتفاق أوسلو".

على نحو مماثل، أخبر قيس عبدالكريم، عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ونائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، Al-Monitor أنه ما من مجال للعودة إلى المفاوضات وفق أي صيغة، ما دامت حكومة نتنياهو تنكر التزاماتها في مسيرة السلام وتحدد شروطاً مستحيلة مثل الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.

قال عبدالكريم: "من الممكن استئناف المفاوضات عندما تُستوفى الشروط الفلسطينية، عندما نشهد جهوداً دولية جدية، وعندما يُقام مؤتمر سلام دولي قادر على إرغام إسرائيل على تطبيق قرارات الشرعية الدولية".

أما عمر شحادة، عضو اللجنة المركزية في منظمة التحرير الفلسطينية وزعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فأخبر Al-Monitor: "بموضوعية، لا طائلة في استئناف المفاوضات على ضوء النشاط الاستيطاني المتواصل وتقويض إسرائيل حل إقامة دولتين؛ لذلك أستبعد استئناف المفاوضات في المستقبل القريب". تسعى إسرائيل في حالة الجمود هذه إلى حض عدد من الدول العربية على الضغط على السلطة الفلسطينية بغية استئناف المفاوضات، مستغلة اللقاء العلني في الخامس من يونيو في واشنطن بين الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي ودوري غولد، المدير العام الجديد لوزراة الخارجية الإسرائيلية، فقد ألمح عشقي خلال هذا الاجتماع إلى احتمال التعاون والقيام بأعمال مشتركة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، ويرى البعض تقارباً بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وخصوصاً مع اقتراب عقد صفقة نووية مع إيران.

أعلن نتنياهو في خطاب أدلى به في مؤتمر في هرتسليا في التاسع من يونيو: "آمل أن تضغط الدول العربية على الفلسطينيين للعودة إلى المحادثات بغية التوصل إلى حل لإقامة دولتين، فقد يكون أمامنا فرصة لأن بعض الدول العربية وافقت سراً على موقفي".

لكن عريقات قال: "في الوقت الراهن، لم تُطرح علينا أي مبادرات جديدة لاستئناف المفاوضات".

وأعلن شحادة: "من الممكن أن تضغط الدولة العربية على السلطة الفلسطينية، إلا أن إسرائيل ترفض مبادرة السلام العربية، لذلك لا جدوى من استئناف المفاوضات بالاستناد إليها، لكن إسرائيل تسعى إلى بدء التعاون مع الدول العربية بغية التصدي لما يُدعى الخطر الإيراني، وقد يؤدي هذا في النهاية إلى سلام بين إسرائيل والدول العربية، كما تنص مبادرة السلام العربية".

أما عبدالكريم، فذكر أن مناقشة اللجنة العربية العليا مع فرنسا مسودة المبادرة التي أعدها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، والتي نوى تقديمها إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة، ما هي إلا جولة استكشافية لم تحقق النجاح.

شملت هذه المبادرة عوامل عدة تدعم حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، بما فيها إقامة دولة فلسطينية وفق حدود عام 1967 مع تبادل الأراضي، واعتبار القدس عاصمة للدولتين، والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وتحديد جدول زمني للمفاوضات، فضلاً عن تشكيل لجنة سلام دولية.

أخبر الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين Al-Monitor: "تسعى الأطراف الغربية والإسرائيلية الرسمية لبدء المفاوضات من خلال طرف ثالث، مما يشير إلى أن عملية سياسية موازية تملأ الفراغ الناجم عن انهيار عملية التفاوض، وقد تنجح هذه العملية السياسية في تفادي المزيد من التوتر والانفجار".

وأضاف شاهين: "خلال الفترة المقبلة، سيعاني الفلسطينيون شللاً كاملاً وسط الجهود الدولية، كما شهدنا أخيراً مع تطورات الاتحاد الدولي لكرة القدم في التاسع والعشرين من مايو، حين تراجع الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم عن طلبه سحب عضوية إسرائيل من هذا الاتحاد الدولي، وسيُضطر الفلسطينيون إلى انتظار التغيير على المستوى الإقليمي أو في موقف الولايات المتحدة، التي تسعى إلى احتواء الصراع لا إنهائه".

وعند سؤاله عن التقارب الإسرائيلي-السعودي واحتمال تفعيل مبادرة السلام العربية، أجاب شاهين: "تخدم التطورات الإقليمية إسرائيل ونتنياهو، الذي أعلن أنه يسعى إلى إيجاد حلول وإلى التعاون الأمني الإقليمي مع الدول العربية في مواجهة إيران، وهكذا حولت تصريحات نتنياهو انتباه العرب عن الخطر الحقيقي الذي تمثله إسرائيل، كذلك تهمش هذه الخطوة القضية الفلسطينية وتبعدها عن محور اهتمام العرب، لذلك نحتاج إلى موقف فلسطيني واضح من المبادرة العربية، ليس لأن إسرائيل رفضته، بل لأن بعض الدول العربية تجاهلته بالكامل".

بالاستناد إلى خبرة 21 سنة، يظن الفلسطينيون أن بدء مفاوضات جديدة مع إسرائيل قد يشكل مضيعة للوقت، في حين تواصل المستوطنات انتهاك أراضيهم، وقد تلغي هذه الخطوة وفق الفلسطينيين احتمال إقامة دولة فلسطينية في ظل غياب أي ضغوط دولية حقيقة وجدية على إسرائيل.

* أحمد ملحم