الكويت درة الخليج وعروس البحر التي توارثت الأجيال على أرضها التقاليد الأصيلة والتدين النقي، فكانت الإمارة المثالية التي يؤمها الهاربون من جحيم الأوطان والباحثون عن وطن بنى للشمس أعمدة تنشر النهار.

Ad

 

الكويت القديمة

 

الحديث عن رمضان في الكويت القديمة يذهب بنا دون تردد الى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وينتهي الى ما قبل عام 1921م، أي الى الفترة الزمنية التي بدأت تتضح فيها المعالم الحقيقية للكويت مجتمعا ودولة وعادات وثوابت.

فالصورة المجتمعية النمطية الحالية تكونت في الفترة المذكورة، حيث اكتملت معظم الهجرات واتضحت معالم الفرجان والآثار الاجتماعية الجديدة التي أثرت وتأثرت بالقادمين الجدد، فأرخت الصورة المجتمعية بظلالها على النشاط التجاري والحركة الاقتصادية، ومادمنا نتحدث عن المجتمع، فلابد أن نحدد الجغرافيا الكويتية القديمة التي نتحدث عن رمضان الذي عايشته الأجيال في تلك الفترة.

فمناطق الكويت المأهولة قبل عام 1921م يمكن تقسيمها الى أربعة، أولها الكويت القديمة التي يحيطها السور وأحياؤها التاريخية المتعارف عليها القبلة والمرقاب والشرق وبعض الأحياء الصغرى التابعة لها، وثانيها القرى الواقعة خارج السوق مثل الجهراء وحولي والدمنة والفنطاس وأبوحليفة والمنقف والفحيحيل وبعض المناطق الأخرى الأصغر حجما والأقل من حيث أعداد الساكنين.

وثالثها الجزر الكويتية التي كانت {بوبيان} ومازالت أكبرها تليها وربة ومجموعة من الجزر الأخرى، لكنها لم تكن مأهولة بالسكان سوى جزيرة فيلكا، ورابعها البادية الكويتية الممتدة من شعيب الباطن شمالا الى مئات الكيلومترات جنوبا، حيث تعودت بعض القبائل على التنقل في أرجائها من مكان الى آخر، تبعا لحالة الربيع والأمطار في الشتاء والاستقرار بجانب آبار المياه المنتشرة في الصحراء الكويتية في الصيف.

وقد عرفت الكويت بأنها من أهم المراكز التجارية في الخليج قديما، حيث تواصل الكويتيون مع المناطق المحيطة والقريبة كالزبير والبصرة ونجد، بينما كانت السفن الكويتية تصل الى مناطق وإمارات الخليج المختلفة وشرق إفريقيا والهند وبلاد فارس وعربستان.

وقد ساهم موقع الكويت ونشاط أهلها بنشأة سوق تجارية واقتصادية مهمة تقصدها القوافل من كل حدب للتبضع وشراء حاجاتها وبيع ما تجلبه معها من بضائع ومنتجات مثل المواشي ومنتجاتها كالدهن والوبر والألبان ومشتقاتها.

{الناصفوه}

 

وهي ليلة الخامس عشر من شهر شعبان، حيث تنال اهتمام الأطفال وترقبهم مثلما هي ليالي القرقيعان، فيخرج الصغار صبيانا وبنات بعد المغرب يدورون على المنازل وهم يرددون الأنشودة المتداولة في تلك الأيام {ناصفوه ناصفوه يالله سلم ولدهم، ناصفوه يالله خله لأمه، ناصفوه عسى البقعة ما تخمه، ناصفوه ولا توازي على أمه، وعساكم تعودونه}، فيعطيهم الأهالي بعض المكسرات والحلويات المتوافرة، ولا يقتصر الاهتمام بالنصف من شعبان أو {الناصفوه} على الصغار فقط، بل كان الكويتيون يعتبرونها من الليالي المقدسة والمباركة، فتراهم يؤدون فيها القراءات والصلوات، حيث الاعتقاد بأن أبواب السموات تفتح في هذه الليلة وتستجاب فيها الدعوات، ويصوم الناس نهار {الناصفوه}، تطوعا ويقومون بالتصدق بما أمكن، وربما كان {الناصفوه} مدخلا روحيا الى شهر رمضان، حيث تبدأ البيوت بالاستعداد للشهر الكريم منذ النصف من شعبان.

 

دق الهريس

 

ويبدأ دق الهريس من أول شهر شعبان، وربما قبل ذلك، حيث يقوم أصحاب المنزل بشراء حبوب القمح، ثم يتم هرسها لعمل الهريسة، وهي أكلة رئيسية في شهر رمضان، ولدق الهريس طقوس وطريقة كانت النساء يتبعنها قديما، حيث يتم وضع القمح في المناحيز، وهي أوعية خشبية كبيرة خاصة بعملية الهرس، ولها يد خشبية تستخدم لضرب القمح وهرسه، حيث تجتمع النساء ويتم توزيع الأيام في ما بينهن، فيكون الدق في كل يوم عند إحداهن، وتؤدي النساء بعض الأناشيد المرافقة لإيقاع الدق، مثل يالله بالله يالله سلم أبو فلان يالله، ويذكر اسمه، ويستمر ترديدها وترديد بعض الأغاني الأخرى؛ مثل {يالله يا كريم، ياهو عمي محمد، شقلت لك الدرو لا تمشي وراه، عمي محمد شقلت لك} حتى ينتهي دق الهريس.

وفي بعض المنازل يقوم الرجال بالدق، وربما كانت لدى بعض الأسر خادمات، فتتفق النسوة على جمع الخادمات كل يوم في بيت ليقمن بدق الهريس نيابة عن السيدات، كما كانت النساء تتعاونّ في تبادل معدات دق الهريس، فتكمل كل منهن ما ينقصها من جارتها.

أما بعض الجيران الفقراء الذين لا يملكون من معدات دق الهريس شيئا، فإن نساءهم يحملن القمح عادة ويذهبن به الى جاراتهن، فيقمن بدقه وهرسه هناك. 

كما كانت العديد من الفرق النسائية المتخصصة بدق الهريس تدور على منازل الشيوخ والتجار والوجهاء في أيام دق الهريس، فتتفق مع أهالي المنازل على الدق بأجرة، وكانت بعض النسوة ترافق هذه الفرق كمطربات يقمن بالغناء للدقاقات لتشجيعهن وإشاعة أجواء المرح والحماس، لينجزن عملهن بالسرعة المطلوبة وينتقلن الى منزل آخر، ويستمر دق الهريس حتى القريش أي آخر شهر شعبان.

وفي هذه الأيام أيضا يقوم الأهالي الذين لديهم رحى عاطلة، باستدعاء النكاس لإصلاحها أو تخشينها لتطحن الحبوب بالجودة والسرعة المطلوبة، حيث تكون قد فقدت خشونتها ونعم وجهيها المتلامسين من كثرة الاستخدام، ويقوم النكاس بتخشينها باستخدام بعض الأدوات المعدنية الخاصة بالنقر.

 

القريش 

 

وهي عادة جميلة كان الكويتيون يقيمونها في اليوم الأخير من شهر شعبان، وتقوم الأسر في هذا اليوم بعمل وليمة للغداء يجتمع فيها شمل الأسرة الكبيرة في بيت العود، وهو بيت الأب أو العم أو الأخ الأكبر، ويحضر الوليمة الإخوة والأبناء وأزواج البنات وزوجات الأبناء والصغار جميعا، حيث يتناولون الغداء الأخير مودعين شهر شعبان ومستقبلين رمضان.

ولم أجد تفسيرا محددا أو معنى واضحا لكلمة قريش، فمن الباحثين من يرجعها الى القرش، وهو عملة صغيرة كانت سائدة في بعض الفترات كدليل على تدني تكلفة الوليمة، ومنهم من يفسرها على أنها عملية إفراغ المنازل من الأطعمة الزائدة عن الحاجة في رمضان، ويمكن أن يؤدي إبقاؤها الى ما بعد رمضان لتلفها، وإنما أراد الأهالي أن يقرقشوا منازلهم من كل ما من شأنه أن يتلف أو لا يستخدم في رمضان لو أبقي عليه، على أن وليمة القريش لا تقتصر على هذا النوع من الأطعمة، وإنما يقوم أصحاب الدعوة بتحضير وتقديم العديد من أنواع الأطعمة الدسمة والمحببة لدى الكويتيين في تلك الفترة، وإنما يقتصر إحضار الأطعمة التي تستهلك خوف التلف على المدعوين الذين لا تأتي نساؤهم دون أن تحضر معها بعض الأطعمة المطبوخة كنوع من التقدير والاحترام للبيت الكبير وأسرة العود.

وفي هذا الغداء الذي التأم فيه شمل الأسرة يتفق الرجال على كيفية الالتقاء في رمضان، ومن سيدعو الحاضرين للفطور، حيث يتقاسم الرجال الأيام بينهم كما يتفقون على المنازل والدواوين التي سيزورونها في {رمضان}لتقديم التهاني أو لقضاء سويعات الحديث والسمر، على أن قريش كان مناسبة لتحضير النفس وتهيئتها استعدادا للصوم والعبادة، فكان القول الذي يردده الأهالي أثناء الوليمة وبعدها {اليوم قريش وباكر نطوي الكريش}، أي نصوم ونحرم الكرش من الامتلاء بالأطعمة، كما في أيام العام الأخرى، وقد يتندر رب البيت مع الحضور أثناء جلوسهم على المائدة بجملة {إكلوا باكر صايمين}.

 

أبوطبيلة

 

وأبوطبيلة أو {المسحراتي}، كما يسمى في بعض البلدان العربية هو شخصية محبوبة ارتبط اسمها بالشهر المبارك، حيث تعود أن يخرج قبل الإمساك بساعتين تقريبا، ليبدأ عمله ويدور في الفرجان والسكيك، مناديا على الأهالي بالانتباه من النوم، وهو يضرب على طبلته فتستيقظ النساء وتقوم بإعداد السحور، ومن ثم توقظ أفراد أسرتها، وعادة ما يكون السحور خفيفا، ويقتصر على الأرز الأبيض الخالي من أي إضافة كالمرق أو اللحم، والذي يمكن عمله بفترة قصيرة أو يكون محفوظا بـ{الملالة} منذ الفطور، وربما أضيف التمر واللبن الى السحور إن توفر.

وكان لكل فريج {أبوطبيلة} خاص به، حيث جرت العادة أن يعتمد أهل الفريج عليه في الاستيقاظ، فيقدمون له ما تيسر لديهم من قمح أو أرز أو سكر او يقدم بعضهم النقود مقابل ما يقوم به من عمل، وهو قنوع راض بما يُعطى ويمارس عمله بنشاط وحماس واضحين، فيمشي مسافات طويلة بخطى سريعة لإنجاز مهمته كاملة وفي أوقاتها المناسبة.

وقد تعود على ترديد بعض الجمل المرافقة لقرعه على الطبلة مثل {يا نايم وحد الله، ولا إله إلا الله، السحور يرحمك الله، وقد يخرج بعض الأطفال من منازلهم فيتبعونه مرددين خلفه ما يقول وهم فرحين ومرحين، وقد اعتبروا الأمر لهوا جميلا مرتبطا برمضان.

المائدة الرمضانية القديمة

 

كانت المائدة الكويتية في {رمضان} غنية بالأنواع رغم تقليديتها، فكان التمر واللبن ضيفين دائمين في الفطور وكذلك التشريب، وهو على نوعين خبز الخمير أو الرقاق، وكلاهما يصنع في المنزل، حيث يخبز الخمير في التنور، في حين يصنع الرقاق بإضرام النار بالرمث أو العرفج اللذين يجلبان من خارج السور ويباعان على من يرغب، ويوضع فوقه إناء كبير محدب أسود اللون يسمى التاوة، ثم تسكب العجينة فوقه حتى تحمر.

وكان الكويتيون يفضلون تشريب الخبز الخمير على الرقاق، أما الهريس فكان يحلّى بالدارسين المطحون، ويسكب عليه الدهن العداني إن توفر.

أما الأرز - أو العيش كما يسمى محليا - فكان على أنواع ودرجات من الجودة كعيش البلم من كراتشي وكلكوتا، وعيش البيشاور والزيرة رانكون والعنبر العراقي، ويطبخ مشخولا يضاف له وللتشريب مرق القرع أو الطماطم وربما أضيف له اللحم أو الدجاج أو السمك.

ويؤكل السمك في الفطور فقط، ولا يؤكل في السحور حتى وإن تبقى من الفطور شيء لاعتقاد الكويتيين بأن أكل السمك في السحور يتسبب في العطش نهارا، وربما اكتملت المائدة ببعض الفواكه المتوافرة في تلك الأيام ولا تتعدى الرقي والبطيخ والبمبر غالبا. 

أما المشروبات الباردة فلا تتعدى أيضا ثلاثة أنواع لدى العامة، وهي اللبن الذي يحضر منزليا لمن لديهم أغنام أو ماعز أو يباع في الأسواق، واللومي وهو وضع الليمون الجاف في الماء وينقع حتى يصبح لون الماء بنيا وطعمه حامضا ويشرب باردا، ويفضل الناس الليمون الصحاري الذي يجلب من عمان، لأن مفعوله أقوى وطعمه ألذ في الشربت أو في الطبخ.

وثالث المشروبات الباردة كان البيديان، وهو شراب اللوز المعروف، ولا يتوافر لدى كل البيوت في المائدة الرمضانية يوميا وإنما بشكل متقطع.

وقد عرفت المائدة الكويتية أنواعا من الحلويات في رمضان والأعياد والمناسبات الأخرى.

وأهم الحلويات القديمة اللقيمات التي يتم تحليتها بماء السكر أو الشيرة والزلابية، وهي حلوى شبكية محبوبة في رمضان والرهش، ويحلى بزيت السمسم المعروف بالهردة أو بالدبس. 

كما كان يتوافر العديد من الأنواع الأخرى التي تباع بالأسواق أو تصنع في المنازل، وهو الغالب مثل الحلوى والدرابيل والعقيلي وبيض القطا والغريبة وجبدة الفرس والقبيط.

 

*كاتب وباحث كويتي

الديوانية

هي واحدة من أجمل العادات الكويتية التي مازالت قائمة الى الآن، وإن كانت في الماضي أقل عددا وأكثر وجاهة وأكبر دورا.

وكانت الديوانية تبنى على طريقتين، فالدواوين الكبيرة غالبا ما تكون مفصولة عن البيت، والأصغر تكون جزءا من البيت، حيث يكون المنزل ببابين أحدهما لأهله، والثاني مدخل الضيف والمسايير.

وكانت الديوانية في الماضي بمنزلة الملتقى الذي يجمع أهل الفريج، فيعلموا من بعض الحضور ما استجد من أخبار ويبوحوا بآرائهم في مختلف القضايا الخاصة والعامة والآنية.

ولا تتفق جميع الدواوين بأوقات محددة، فمنها ما يفتح بعد صلاة الفجر ويستمر الى الشروق، ومنها ما يفتح بعد صلاة المغرب الى العشاء، وأغلبها يفتح بعد صلاة العشاء الى ما قبل منتصف الليل.

أما في رمضان فتفتح جميعها بعد الفطور أو العشاء حتى منتصف الليل، وتقدم الدواوين المشروبات الساخنة لروادها والمهنئين بقدوم الشهر المبارك. وأهم هذه المشروبات الشاي والقهوة واللومي والدارسين والزعتر، أما الشاي والقهوة فتقدمهما كل الدواوين، وبقية المشروبات تقدمها بعض الدواوين وبتقطع.

ويأخذ بعض الرجال أولادهم معهم ليتعلموا من الدواوين الأخبار والخصال وحلاوة الحديث، ومعرفة أصول وأعراف المجتمع وتقاليده.

وتقدم الدواوين في رمضان بعض الوجبات الخفيفة التي تسمى الغبقة، وهي الوجبة الخفيفة، وأصل المفردة عربي، حيث تعود النجديون القدماء على تسمية العشاء الخفيف المتأخر بعض الشيء {غبوقا{، وهو عادة ما يكون تمرا ولبنا، ومن الغبوق اشتقت الغبقة.

ولم تكن الأطعمة المقدمة في غبقات رمضان تخرج عن الباجلا والنخي وخبز العروق والمحلبية واللقيمات وعصير البيذان، بينما كانت بعض العائلات الميسورة تستأجر بعض المشايخ الذين يقدمون ما يشبه المحاضرة الدينية لرواد دواوينهم، أو بعض قراء القرآن الكريم لتلاوة ما تيسر من الآيات المباركات.

العادات الجميلة

عرف المجتمع الكويتي القديم بالتقوى والتكافل والتعاون ومساعدة المحتاجين، فكان الناس يصلون أرحامهم ويتواصلون مع جيرانهم، وإنك لترى النساء والصغار يحملون الأواني الممتلئة بالطعام في الفترة التي تسبق الفطور فيوصلونها لجيرانهم أو أقاربهم قريبي المنازل، بما كان يعرف بالنقصة.

كما كانت بعض الأسر الميسورة تقيم ولائم الإفطار الجماعي في دواوينها أو في المساجد.

وكان يستفيد منها الفقراء والسابلة والمحتاجون، وكانت المساجد منتشرة في كل الأحياء القديمة، وقد بناها الكويتيون من حر مالهم، وهي تمتلئ في العشر الأواخر بالمصلين، حيث يحيي الناس صلاة القيام ويخرجوا صدقاتهم وزكواتهم في أيام الشهر الأخيرة، فيوزعونها على المحتاجين من الأقارب والجيران وأهالي الفريج، ما يدخل السرور عليهم ويشيع الألفة والمودة بينهم.

القرقيعان 

القرقيعان احتفالية شهيرة للأطفال في ليالي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من رمضان، كانت ومازالت تنتشر في الخليج والعراق.

حيث يدور الصغار على منازل الفريج وهم يحملون أكياسا لجمع العطايا ويرددون الأغنية المشهورة {قرقيعان قرقيعان عادت عليكم صيام، سلم ولدهم يالله، خله لأمه عسى البقعة ما تخمه ولا توازي أمه{.

ومن الطريف أن الأطفال يختمون الأغنية بصيحة موحدة {يسوق والا ما يسوق؟{، فإذا كان أهل المنزل يريدون أن يعطوهم فإنهم ينادون من داخل البيت لا يسوق، فينتظر الأطفال عند الباب حتى يخرج لهم من يعطيهم القرقيعان.

ويقال إن الشباب كانوا يخرجون متأخرين في بعض الفرجان ليقرقعوا أيضا، فيعطيهم بعض الأهالي القرقيعان أو بعض النقود.