تعكس عدائية الأولاد شكلاً من القلق والغضب، ويجدون غالباً صعوبة في استعادة الهدوء. يصعب في هذه الحالة أن نهدئ من روعهم ونساعدهم ليتحكّموا بسلوكياتهم. تؤدي هذه السلوكيات إلى تضاعف مشاكل الأولاد العدائيين. لكنهم يُعتَبرون عموماً "أشقياء” أو "مشاكسين” ويُعاقَبون.

لكن يكون الأولاد العدائيون مصدر قلق شديد بالنسبة إلى الآخرين أيضاً. قد يميلون إلى مجادلة الناس من حولهم واستعمال ألفاظ عدائية، وقد يجدون صعوبة في السيطرة على مزاجيّتهم ويسهل أن يغضبوا وينزعجوا من الآخرين. يكونون غالباً جريئين وانفعاليين وسريعي الامتعاض. يمكن أن تعوق تصرفاتهم العدائية دروسهم وتؤذي الأولاد الآخرين أو تخيفهم أو تبعدهم.

ما لم نتدخّل لمساعدة هؤلاء الأولاد، قد يجازفون بتطوير اضطرابات سلوكية خطيرة مثل اضطراب العناد الشارد أو اضطراب التصرّف. مع زيادة مشاكلهم، تهدد سلوكياتهم العدائية سلامة الأولاد الآخرين و/أو الراشدين. وحين تصل السلوكيات العدائية إلى هذا المستوى، يُطرَد جزء من هؤلاء الأولاد من المدرسة أو تُعلَّق دروسهم لفترة. عند حصول ذلك، يصبّ التركيز على حماية الأولاد الآخرين وأساتذتهم.

Ad

يتبنى بعض الأولاد سلوكيات عدائية تكون أقل تطرفاً أو إشكالية، لكنها تبقى مقلقة. قد يصفعون أولاداً آخرين أو يدفعونهم أو يقرصونهم، أو قد يعمد بعض الأولاد إلى رمي أغراض صغيرة أو تحطيمها حين يشعرون بالغضب والانزعاج. ويصاب آخرون بنوبات غضب فيركلون الناس أو يصرخون.

يكون بعض الصغار عدائيين لفظياً، فيشتمون الأولاد الآخرين ويهددونهم ويضايقونهم أو يستعملون مقاربة السيطرة على العواطف لخداع الأولاد والتسلط عليهم. حتى أنهم قد يهمّشونهم وينشرون الإشاعات عنهم.

بغض النظر عن مستوى العدائية، يجب أن تتدخلي باكراً لمساعدة الأولاد العدائيين. يحتاج هذا النوع من الأولاد إلى تطوير استراتيجيات تكيّفية سليمة للسيطرة على سلوكياتهم والتحكم بالغضب والتخبّط وغيرها من مشاعر ومواقف مقلقة. يجب أن نعلّمهم طرائق بديلة لحل المشاكل ونقدّم لهم استراتيجيات فاعلة لاستعادة الهدوء وإرخاء جهازهم العصبي كي لا يغضبوا بسرعة ويطلقوا رد فعل هجومياً حين يشعرون بالتهديد.

ما سبب العدائية لديهم؟

لا يتصرف الأولاد بعدائية لأنهم "مشاكسون” أو "أشقياء”. تُشَكّلها تجارب سابقة كتلك التي تشمل علاقاتهم مع الناس و/أو تجارب اجتماعية معينة أو صدمات فعلية (صدمة أو صدمات عاطفية لها طابع مزمن ومعقد). تُطلِق تلك الأنماط الدماغية رد فعل هجومياً، فيردّ الطفل بكل عدائية للاحتماء من التهديد المنظور. غالباً ما تكون هذه العملية غير واعية وفورية وتخرج عن سيطرة الطفل. قد يجد آخرون صعوبة في استباق أي تهديدات واضحة، وإذا فعلوا ذلك، يكون التهديد حميداً فيبدو أي رد فعل عدائي غير مبرر.

نتيجةً لذلك، يقف الدماغ الذي يتأثر جزئياً بالتجارب السابقة وراء السلوك العدائي.

تتفاعل عوامل عدة لتأجيج العدائية لدى الأولاد.

في بعض الحالات مثلاً، يمكن أن يؤدي التفاعل بين الطباع و/أو القابلية الوراثية والتأثيرات البيئية (مثل الضغط النفسي) إلى زيادة اتكال الأولاد على أسلوب العدائية كاستراتيجية تكيّفية عامة.

يشمل بعض العوامل المتعددة التي تتفاعل في ما بينها وتساهم في رفع مستويات العدائية لدى الأولاد ما يلي:

• تأثيرات وراثية و/أو مزاجية تحددها التجارب الفردية: لا تسبب الجينات وحدها أي سلوكيات عدائية.

• قد يحدّد بعض أنماط التَعلّق غير الآمنة وغير المنظّمة معالم الأنماط الدماغية التي يمكن أن ترفع مستوى العدائية لدى الأولاد.

• الضغط النفسي المتواصل والثابت.

• غياب استراتيجيات مناسبة لحل المشاكل والتكيف مع الظروف.

• خوض تجارب محدودة مع الأشخاص الذين يشكّلون قدوة مثالية ويقدّرون أهمية السلوكيات غير العدائية ويقدمون نماذج عنها (رفاق، أفراد العائلة، تلفزيون، ألعاب الحاسوب).

• أسلوب تربوي غير فاعل: قد يتخذ ذلك الأسلوب طابعاً استبدادياً أو متسلطاً أو قاسياً أو عنيفاً أو متساهلاً أو رافضاً. قد تؤدي المشاكل النفسية لدى الأهالي، مثل الاكتئاب، إلى تعزيز الضغط النفسي لدى الأولاد أيضاً.

• غياب التناغم بين الأهل والأولاد: قد يكون أسلوب التربية غير الفاعل نتيجة لسلوك الأولاد وليس سبباً له. قد تؤثر سلوكيات الأولاد الشائكة على مزاج الأبوين وسلوكياتهما التربوية أيضاً.

• إجهاد عائلي، اضطرابات، خلافات.

• غياب الاستقرار والبيئة الآمنة.

• خلل عصبي بسبب إصابة دماغية مثلاً.

سبل المساعدة
تساعدك الاقتراحات التالية وتساعد الأولاد العدائيين. جرّبي تلك التي تنطبق على وضعك. تذكّري أن تغيير السلوك يحتاج إلى الوقت ويرتكز على الإصرار والمتابعة المستمرة.

تنبّهي إلى أبسط التغيرات. يمكن أن تُحدِث الخطوات الصغيرة فرقاً حقيقياً وتقودك أنت والأولاد إلى نتيجة إيجابية. ركزي على تجارب ناجحة أو تغيرات إيجابية مهما بدت تلك الخطوات صغيرة.

يمكنك زيادة فرص نجاح الجهود التي تبذلينها بناءً على عوامل التماسك والمثابرة والصبر. جرّبي الاقتراحات التالية لمساعدة الأولاد العدائيين:

1 تجنّب العقوبة الجسدية: ترتبط العقوبة القاسية بالسلوك العدائي لدى الأولاد. تذكّري أن الأهالي وغيرهم من الراشدين يكونون بمثابة قدوة مثالية لأولادهم. إذا تصرّف الأهالي بعدائية، سيقوم أولادهم بالمثل.

2 التصرف كقدوة مثالية: يستطيع الشخص الذي يكون قدوة لغيره أن يسيطر على عواطفه ويتحكم بمشاعر الغضب. علّمي أولادك أن يعبّروا عن عواطفهم، سواء كانت إيجابية أو سلبية. تتطلب هذه العملية تقنيات مناسبة للتحكم بالغضب وشكلاً من الإصرار ومهارات تسمح بحل المشاكل. كوني الشخص الذي يتمنى الأولاد أن يشبهوه حين يكبرون. يعزز الأهالي الذين يكونون عدائيين شفهياً أو جسدياً العدائية لدى أولادهم.

3 تقديم مكافأة مناسبة على السلوكيات غير العدائية: حين تلاحظين أن ابنك يتصرف بطريقة مناسبة وغير عدائية، أشيدي بسلوكه. قولي له إنك تشعرين بالفخر به وأخبريه بضرورة أن يفتخر بنفسه أيضاً. يجب أن يعرف الأولاد أن أهاليهم يفتخرون بهم ويجب أن يطوروا حساً داخلياً من الفخر بنفسهم أيضاً.

4 عقود سلوكية ورسم الأهداف: دعي ابنك يحدد السلوكيات المتوقّعة وغير المتوقعة. تعاوني معه لتحديد أهداف تضمن تحسين سلوكه واكتبي معه عقداً مبنياً على تلك الأهداف. حضّري جدولاً لتعقب سلوكه بشكل يومي. قدمي له حوافز إيجابية (مكافأة خاصة، نزهة، وقت مميز مع الأقارب للاستمتاع بالنشاط المفضل لديه أو فترة للنشاطات الترفيهية واللعب المشترك بكل بساطة).

5 عدم ترسيخ السلوك العدائي: قد يعزز المعلّمون والأهالي عن غير قصد السلوك العدائي من خلال عامل الانتباه. قد يترسّخ السلوك العدائي عبر التذمر المستمر أو معاقبة الأولاد على تصرّفهم. يشعر بعض الأولاد بأن أي انتباه يبقى أفضل من غياب الانتباه. لذا قد يعزز الانتباه السلبي السلوك العدائي. أشيدي بأبسط محاولة يقوم بها لتبني السلوك المناسب وابذلي قصارى جهدك لتجاهل السلوك السلبي.

6 تبني أسلوب تربوي ودود وداعم وحازم: تجنبي الأنماط التربوية التي تعزز عدائية الأولاد (التسلط، السيطرة، القسوة، استعمال القوة، التساهل، المبالغة في الحماية، الرفض الدائم).

7 تعليم الأولاد المهارات السلوكية المناسبة وتطبيقها من الراشدين: تشمل تلك المهارات الإصرار والقدرة على حل المشاكل واتخاذ القرارات. يحتاج الأولاد العدائيون إلى المساعدة أيضاً لتطوير مهاراتهم الاجتماعية والقدرة على حل الخلافات. علّميهم السيطرة على انفعالاتهم كي لا يثوروا غضباً من دون التفكير بالعواقب.

8 مراعاة الظروف وإعادة تفسيرها: غالباً ما يرصد الأولاد العدائيون النوايا العدائية رغم عدم وجودها. من المفيد عموماً أن تشجّعيهم على إعادة تفسير الأسباب البديلة لسلوك الأفراد من حولهم. شجّعي ابنك العدائي على تبني نظرة الآخرين، بمن فيهم الأشخاص الذين جرحهم وكل من أخطأوا في حقه بحسب رأيه.

9 أداء الأدوار والتفكير بخيارات بديلة للعدائية: قد يستفيد الأولاد العدائيون من فرص تسمح لهم بأداء أدوار مختلفة أو التفكير ببدائل عن السلوكيات العدائية. حين يتصرف الأولاد بعدائية، ساعديهم على مناقشة المشكلة بالتفصيل. شجعيهم على التفكير بحلول بديلة وتطبيقها حين يتكرر الموقف نفسه. من المفيد أحياناً أن نطلب من الأولاد، لا سيما الأصغر سناً، أن يجدوا حلولاً بديلة للخلافات التي يواجهونها.

10 التحكّم بالغضب: تحدثي بصراحة إلى ابنك عن العواطف. ساعديه للتعبير عن مشاعره بطريقة مناسبة وسليمة وفكري بطرائق فاعلة للتعامل مع الغضب.

11 تحسين المهارات التربوية: خذي دورات في أساليب التربية أو طالعي كتباً قيّمة أو ابحثي عن الدعم من أهل الاختصاص لمساعدتك في تحسين مهاراتك التربوية والانتقال إلى الأسلوب التربوي الناجح.

12 التخلص من الضغوط والمخاوف الكامنة: قد تعزّز هذه العوامل الضغط النفسي وتكبح قدرة الأولاد على التكيف مع وضعهم أو قدرة الأهالي على تبني استراتيجيات تربوية فاعلة.

13 استراحة قصيرة: بعد نوبة عدائية، خصصي فترة قصيرة لك ولابنك كي تستعيدا الهدوء قبل مناقشة السلوك العدائي واتخاذ القرار المناسب بشأن العواقب المحتملة. اتركي ابنك في غرفة هادئة أو دعيه يجلس على كرسي في زاوية (دقيقة مقابل كل سنة من العمر). احرصي على ألا يحصل الطفل على مكافأة خلال الاستراحة.

أخيراً، إذا تبين أن المشكلة لن تتلاشى قريباً رغم الجهود التي تبذلينها، قد تبرز الحاجة إلى تقييم نفسي شامل لتحديد أصل المشكلة والتدخل لمعالجة الوضع بناءً على المؤشرات المتاحة.