من المبدأ تُولد فتُسمى باسم لا يمت لك بصلة، سواء من حيث الشكل أو المضمون أو السياق الاجتماعي والإيقاع اللفظي، فكم من جميلة لا تعرف الجمال، وكم من شريف تتوضأ بعد مصافحته، وكم من جراح يأتي بعده كاظم، ثم تكبر وتبدأ مرحلتك الدراسية الأساسية، ومعها يبدأ تعليمك أصول الغش و"سلومه" وأنه من لزوميات المرجلة وإعدادات الزلم! تتخرج من الثانوية فتبحث أولاً عن واسطة لتستخرج لك إجازة قيادة سيارة وأنت لا تعرف أن تمشي على قدميك أساساً، وبعدها تبحث عن واسطة أخرى لتدخلك كلية عسكرية فيُؤخذ لك ممن يستحق ليعطى من لا يستحق، أو تدخل الجامعة وتكون رغبتك الأولى "تمويل"، لكن تقبل بالشريعة، فتكتشف مع تقدم العمر والخبرة علم "التمويل بالشريعة". بعد تخرجك تسافر إلى تايلند لتكافئ نفسك على إنجازك الدراسي العظيم، وتعود فتصوت بالانتخابات لأصحاب اللحى الطويلة والأخلاق القصيرة لتكفر عن ذنوبك وتطهر درنك، ثم تقدم على الوظائف فتجد أصحاب الشهادات العالمية المضروبة ينافسونك بضراوة على لقمة عيشك ومستقبلك الوظيفي أو المهني. تفكر بعمل تجاري يحسن أوضاعك فتدخل في دوامة أخرى من الغش المقنن، فتتحايل على شروط الترخيص بتسجيله باسم أمك، وتتحايل على عُقد البلدية بتأجير مكان وهمي، وتتحايل على أفلام الشؤون الإنسانية بإيداع رواتب عمالك بالبنوك ثم تسترجعها منهم نقداً. تريد أن تتزوج لتكمل نصف دينك، كأن النصف الأول موجود! فتبدأ حفلة التكاذب والتزييف الاجتماعي من الطرفين، ولدنا ماكو مثل أخلاقه، فلان والنعم، بنتنا ما ينسمع صوتها، بنتنا ما تحب "الهياتة" بس من الأفنيوز للبيت ومن البيت للأفنيوز، ثم مع مرور الوقت تتعرف بهدوء على أسباب ارتفاع معدلات نسب الطلاق. تذهب لصلاة الجمعة فتغلق الشارع بسيارتك وتعطل حركة السير، ثم تهز رأسك معجباً بالخطبة عن إماطة الأذى عن الطريق. بعد عمر طويل تستلم بيت الحكومة فتكتشف كمية الغش الذي مارسه المقاول، وحجم التسيب والإهمال من المراقب والمسؤول، وعلى هذا المنوال تجري حياتك المغشوشة، ثم بعد كل ذلك تستغرب من كثرة حوادث انتحال الصفة هذه الأيام!

لا، بصراحة غريبة!
Ad