يحتاج دونالد ترامب إلى المساعدة، ولا تقتصر هذه المساعدة على كل تفاصيل السياسة المزعجة، التي يعجز عن إتقانها على ما يبدو، ولا حتى رسم استراتيجية سياسية متماسكة للفوز في شهر نوفمبر، بل يحتاج إلى مساعدة نفسية ملحة وطارئة.

بعث رد فعله غير المتزن تجاه عملية القتل الجماعي في "أورلاندو" برسالة واضحة إلى حزبه وإلى الناخبين عموماً، مفادها: لن يعود ترشحه للرئاسة بالفائدة عليه أو على الأمة.

Ad

اعتُبرت نظريات المؤامرة التي طرحها في البداية عن وثيقة ولادة أوباما مجرد نداء يائس طلباً للاهتمام: محاولة لجذب المجموعات المهمّشة حولته إلى أضحوكة. ولكن بعد أن انطلق بزخم سياسي قوي في السباق الرئاسي، ساد الاعتقاد أن هذه المعمعة ما هي إلا مسرحية كبيرة: خبير في مجال التسويق سيواجه هزيمة نكراء في الانتخابات الأولية، التي يكثر فيها المرشحون الجمهوريون.

إلا أن اتهاماته المتهورة، وسلوكه غير المنطقي، وثورانه العنيف لم تقف عند هذا الحد، ففي وقت تمر فيه الأمة بحالة من الحزن والحداد، اتهم المرشح الرئاسي الجمهوري الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة بالتعاطف مع الإرهابيين.

ذكر ترامب في البرنامج الصباحي على محطة Fox News: "إما أنه لا يفهم ما يحدث أو أنه يفهمه أكثر من أي شخص آخر. إما هذا أو ذاك".

وأضاف مستطرداً: "يقودنا رجل يفتقر إلى الصلابة أو الذكاء أو منهمك في التفكير في مسائل أخرى، وتدركون أن الناس لا يصدقون أنه منشغل بمسألة أخرى. يعجز الناس عن ذلك، يعجزون عن التصديق أن أوباما يتصرف على هذا النحو، وأنه لا يستطيع أن يذكر حتى عبارة الإرهاب الإسلامي المتطرف. ثمة خطب ما. هذا غير مقبول".

لا بد من التوضيح في هذا الصدد أننا نتحدث عن الرئيس عينه الذي أمر بتنفيذ عملية الكومندو لقتل أسامة بن لادن، عدو العالم المتحضر الأكبر.

إنه الرئيس ذاته الذي أمر بتنفيذ هجمات بطائرات من دون طيار تفوق عدداً ما شهدناه مع سلفه، فقتل بالتالي أكثر من 3 آلاف إرهابي مشتبه فيهم، فضلاً عن بضع مئات من المدنيين، وفق أفضل التقديرات.

ولكن إن كان أوباما متعاطفاً سراً مع الإرهابيين المعادين للولايات المتحدة، فقد فشل في ذلك فشلاً ذريعاً، ولا شك أن الأوان قد فات لكي يسحب مَن يتلاعبون به الخيوط الصحيحة، ويعيدوا عملياتهم المارقة إلى موضعها المناسب، تماشياً مع مهمة الإرهاب الجهادي المتطرف الحقيقية التي يسعون إلى تحقيقها.

وقد بلغ إخفاق ترامب حده مع تجلي هوسه بعد أحداث "أورلاندو" بعودته إلى مجال خبرته الوحيد: نفسه. فقد غرّد يوم الأحد: "أشكر مَن هنؤوني لأننا كنت مصيباً بشأن الإرهاب الإسلامي المتطرف".

بحلول صباح يوم الاثنين، كان أي مرشح طبيعي سيتراجع عن هذا الكلام المقيت والمتعالي ويتبنى خطاباً يساعد الأمة على لملمة جراحها ويندد بالإرهاب. ولكن لا داعي لأن نذكر أن رجل الأعمال هذا، الذي يعمل في مجال تطوير العقارات، لم يقدِم على خطوة مماثلة.

أخبر ترامب Fox News: "كلا، كلا، كلا، أتلقى آلاف الرسائل والتغريدات التي تؤكد أنني كنت محقاً بشأن هذا الوضع برمته. أقصد أنني كنت مصيباً بشأن مسائل كثيرة بصراحة".

ربما كان هذا سيبدو مضحكاً، لو لم يكن نجم تلفزيون الواقع هذا يسعى إلى ترؤس القوة العسكرية الأكثر فتكاً في العالم وترسانتها النووية.

بدلاً من ذلك نرى أمامنا مرشحاً جمهورياً فخوراً باقتراحه منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة عقب اعتداء إرهابي نفذه مواطن أميركي ما كان ليشمله هذا الحظر مطلقاً.

تألف حملة كلينتون جاذبية هذا المنطق المختل، فعقب النجاح الكبير الذي حققه الجمهوريون في انتخابات منتصف الولاية عام 2002، لاحظ بيل كلينتون بوضوح أن الناخبين لم يكترثوا كثيراً بتضارب سياساتهم، وأعلن كلينتون وقتذاك: "عندما يفتقر الناس إلى الشعور بالأمان، يفضلون الاعتماد على شخص قوي ومخطئ لا شخص ضعيف ومحق".

إذاً تواجه هيلاري كلينتون اليوم تحدي أن تكون قوية ومحقة في آن واحد، وخصوصاً أنها تخوض سباقاً ضد خصم يشذ كثيراً عن المألوف.

يجب ألا تفاجئ نسخة ترامب من السياسات المختلة هذه مَن يدعمونه، فنلاحظ خطاً مباشراً بين جنون وثيقة الولادة والمكان الذي يجد فيه هذا الجمهوري نفسه اليوم، ويشير هذا الخط إلى هاوية أخلاقية وسياسية سيواجه الحزب الجمهوري صعوبة كبيرة في الخروج منها.

بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر حذّر جورج بوش الابن العالم من أنه "إما أن يكون معنا أو ضدنا في الحرب على الإرهاب"، ولكن لا بد من أن نثني على الرئيس بوش لأنه شدد أيضاً على أن الإسلام دين سلام، وأن الأميركيين المسلمين أصدقاؤنا ومواطنون مثلنا يستحقون الاحترام.

إذاً، على الحزب الجمهوري أن يقرر اليوم ما إذا كان يدعم قيادة متعقلة أو لا، فهل يقف في حربنا ضد الإرهاب إلى جانب قائد حقيقي أم قائد واهم لا ينفك يطرح نظريات المؤامرة؟

* ريتشارد وولف