تشكّل العلاقة بين سلوك الإنسان والنوم ومراحل القمر المتحوّلة مادّة بحث علمية. بينما لم يكتشف العلماء بعد علاقة تأثير الإيقاعات الشمسية والموسمية والتواتر اليومي والساعات بنا، تجدهم يحقّقون في آثار إيقاعات القمر وقد توصلوا إلى أدلّة متزايدة تشير إلى أن الدورة القمرية تؤثّر في الوظيفة الفيزيولوجية لدى الحيوانات بالإضافة إلى سلوكياتها، بما فيها الطيور والأسماك وحيوانات بحرية أخرى.نظراً إلى تأثير دورة القمر على الفيزيولوجيا البشرية وسلوكيات الإنسان ونومه، اختلطت الاكتشافات العلمية، وأشار بعضها إلى الراوابط بين مراحل دورات القمر والتغيّر في أنماط النوم ومستويات النشاط، فيما فشلت دراسات أخرى في إظهار أي رابط.
نوم قليل
تحلّل دراسة دولية حديثة واسعة النطاق آثار المراحل القمرية على مستويات النوم والاستيقاظ لدى الأطفال. تعاون باحثون من مختلف دول العالم في بحث شمل أكثر من 5000 ولد من 12 بلداً، واكتشفوا أن ثمّة علاقة بين تغيّر أنماط النوم لدى الأطفال وتفاوت المراحل القمرية.استخدم الباحثون بيانات من الدراسة الدولية للسمنة ونمط الحياة والبيئة في مرحلة الطفولة (ISCOLE)، مشروع بحث مستمر يجري في مواقع دراسة في أستراليا والبرازيل وكندا والصين وكولومبيا وفينلاند والهند وكينيا والبرتغال وجنوب أفريقيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. عكست هذه الدول تنوعاً في الموقع الجغرافي ومجموعة من عوامل التنمية الاقتصادية وعوامل ثقافية اجتماعية أخرى.تراوحت أعمار الأولاد الذين شملتهم الدراسة بين 9 سنوات و11 سنة. وشارك 5812 ولداً، بأعداد متساوية من 12 دولة مختلفة. قاس العلماء مستويات النوم والاستيقاظ بأجهزة لقياس التسارع توضع على الخصر، وجمعوا بيانات حول فترة النوم أثناء الليل وفاعليّة النوم (مقدار الوقت الذي ينام فيه الولد مقارنةً بالوقت الإجمالي الذي يمضيه في السرير). كذلك قيّموا مستويات النشاط في النهار، سواءً كان وقت الجلوس قليلاً أو معتدلاً أو طويلاً جداً. لاحقاً، حللوا البيانات من خلال إنشاء رابط بينها وبين 3 مراحل قمرية مختلفة:القمر المكتمل (زائد أو ناقص 4 أيام).هلال/ نصف بدر (ناقص أو زائد 9-4 أيام منذ الظهور الأقرب للقمر المكتمل).قمر أول الشهر (ناقص أو زائد 14-10 يوماً منذ الظهور الأقرب للقمر المكتمل).كشفت تحاليل العلماء أن ثمة تغيّراً بسيطاً ولكن مهم في فترات النوم التي يمضيها الأولاد حين يكون القمر مكتملاً. انخفضت الفترات بنسبة 4.9 دقيقة حين كان القمر مكتملاً، مقارنةً بفترات النوم عند ظهور قمر أول الشهر، ما يعادل نقصاً بنسبة 1 بالمئة.كان قياس النوم والنشاط الأمرين الوحيدين الذين تمّ ربطهما مع تغيرات المراحل القمرية. ولم يجد الباحثون أي رابط بين المراحل القمرية المختلفة ومستويات الاستيقاظ وفترات الجلوس وفاعليّة النوم لدى الأولاد.دليل آخر
فيما لم يجد العلماء تحولات كبيرة وجليّة في أنماط نوم الأولاد المرتبطة بالقمر، نجحت دراستهم (الدراسة الأولى التي حلّلت تأثير القمر على نوم الأطفال في 5 بلدان أساسية مختلفة) في إنشاء رابط بسيط ولكن مهم بين فترات النوم ومراحل القمر. يُضاف هذا البحث إلى دراسات أخرى مسبقة أظهرت رابطاً بين أنماط النوم البشرية والدورة القمرية.ونشر باحثون سويسريون سنة 2013 نتائج دراسة أجريت في مختبر حول النوم ودورة القمر. ووجدوا عدّة تغيرات مهمة في أنماط النوم مرتبطة بالقمر المكتمل:• فترة نوم أقصر:
تقلّصت فترة نوم المشاركين بمعدّل 20 دقيقة أثناء مرحلة القمر المكتمل.• نوم متأخر:
استغرق المشاركون وقتاً أطول بمعدل 5 دقائق للنوم أثناء مرحلة القمر المكتمل.• انخفاض نسبة الميلاتونين:
أظهر المشاركون نسباً أقل من «هرمون النوم» أثناء مرحلة القمر المكتمل.•ضعف في نوعية النوم:
قال المشاركون إنهم لم يناموا نوماً عميقاً كالعادة أثناء مرحلة القمر المكتمل.•تغيّر في هيكلة النوم:
أمضى المشاركون وقتاً أقل في النوم البطيء، واستغرقوا وقتاً أطول لبلوغ نوم الريم (نوم حركات العين السريعة) أثناء مرحلة القمر المكتمل.جذبت الدراسة الكثير من الاهتمام، إذ أنشأت رابطاً قوياً بين فيزيولوجيا الإنسان والنوم ومراحل القمر. وأظهرت دراسات إضافية تغيرات مماثلة في أنماط النوم مرتبطة بالدورة القمرية. وكشف أحد البحوث (أجراه أيضاً علماء في السويد) أن ثمة نقصاً في فترات النوم بنسبة 25 دقيقة أثناء القمر المكتمل. كذلك اكتشف الباحثون تغيراً في هيكلية النوم، خصوصاً في الوقت الذي يستغرقه الإنسان ليبلغ نوم الريم أثناء قمر أول الشهر. وأظهر المشاركون الذين ناموا في المختبر في فترة الدراسة تفاعلاً للمؤثرات البيئية أثناء النوم في مراحل القمر المكتمل.اكتشفت أيضاً مجموعة علماء من أوروبا وكندا والولايات المتحدة روابط بين الدورة القمرية وفترة النوم وفاعليته ونوعيته، بالإضافة إلى تغيرات النوم البطيء ونوم الريم.تفاوت الاكتشافات
لا تشير الأدلة جميعها على وجود رابط بين النوم والدورة القمرية، كذلك لا تظهر بصورة موحدة حقيقته. ولم تجد الدراسة الحديثة التي شملت أكثر من 2000 رجل وامرأة في سويسرا أي رابط بين مراحل القمر وفترات النوم أو نوعية النوم.واكتشف بحث حديث (أحد الدراسات القليلة التي حلّلت علاقة نوم الأطفال بمراحل القمر) تغيرات في النوم ومستويات النشاط التي اختلفت بوضوح في الدراسة الراهنة. اكتشف باحثون دنماركيون أجروا دراسة شملت 795 ولداً تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عاماً أن هؤلاء ينامون لفترة أطول بقليل، نحو 3 دقائق، أثناء مرحلة القمر المكتمل. بالإضافة إلى ذلك، اكتشفوا أن مستويات النشاطات لدى الأطفال تغيّرت أيضاً إثر تأثير القمر، وأنهم كانوا أقل نشاطاً في مرحلة القمر المكتمل، بمعدّل 4 دقائق من النشاط المعتدل أو الحاد.رافقنا الرابط الذي يجمع النوم والاستيقاظ والقمر لفترة طويلة جداً. ولا نزال في بداية البحث العلمي الذي يدرس احتمال وجود الرابط وكيفية تأثيره على أنماط نومنا، ونوم أطفالنا. نحن على يقين من أن لدى أشكال أخرى من الحياة الحيوانية روابط فيزيولوجية وسلوكية مع القمر. وقد يُظهر لنا المزيد من البحوث إن كانت هذه الحال تنطبق علينا أيضاً.