في الدول المتطورة يتم تقييم أي مشروع ضخم مثل مشروع المطار الجديد (تكلفته مليار و300 مليون دينار) بعدد فرص العمل الجديدة التي يوفرها للعمالة الوطنية، ومقدار الضرائب على أرباح الشركة أو الشركات التي ستقوم بتنفيذه، فضلا عما ستستفيده الميزانية العامة للدولة بعد تطبيق "برنامج الأوفست" (برنامج العمليات المقابلة)، الذي أشرنا إليه غير مرة، والذي يُلزم الشركة الأجنبية الفائزة بعقود عسكرية قيمتها 3 ملايين دينار وأكثر أو بمناقصة حكومية كبيرة (10 ملايين دينار وأكثر) باستثمار 30% كحد أدنى من قيمة الصفقة في السوق المحلي مع شركاء محليين، وذلك في مجالات البنى التحتية، ونقل التكنولوجيا إلى السوق المحلي، وتوفير فرص التعليم والتدريب في الخارج للمواطنين، ودعم برامج المساعدات الخارجية، فهل ستستفيد ميزانية الدولة التي تعاني عجزا ماليا من مشروع المطار الجديد؟

الجواب هو بالنفي للأسف، فلم يتم الإعلان عن أي فرص عمل جديدة للعمالة الوطنية، وذلك على الرغم من ضخامة الصفقة المليارية، وفي الوقت الذي يرتفع فيه سنوياً معدل البطالة بين الشباب لا سيما الخريجين، كما أنه ليس هناك نظام للضرائب التصاعدية على الدخل والثروة وأرباح الشركات الخاصة. أما برنامج "الأوفست" فقد ألغته الحكومة بجرة قلم قبل مدة، وبالتالي، حرمت الميزانية العامة للدولة من إيرادات غير نفطية تشكل ما نسبته (30%) من هذه الصفقة المليارية، وغيرها من الصفقات المليارية الضخمة، في حين أن الوكيل المحلي سيحصل على نسبة يبدو أنها تتراوح بين (25-30%) من القيمة الكلية للصفقة أي بحدود (325– 390 مليون دينار) وهو مبلغ ضخم قد تتجاوز قيمته بعض بنود الدعم الاجتماعي الضروري في الميزانية العامة (الرعاية الاجتماعية أو بدل الإيجار مثلا)، والتي تنتوي الحكومة تخفيضها أو إلغاءها مثلما جاء في خططها "التنموية" ووثيقتها الاقتصادية، وقد كان من الأولى توفير هذا المبلغ، وذلك من خلال التعاقد المباشر من دون وسيط محلي مع الشركة التركية التي ستقوم بتنفيذ المشروع.

Ad

ليس ذلك فحسب، بل كان المفترض أن يتم توفير المبلغ كاملاً (مليار و300 مليون دينار) لو كان المشروع عن طريق نظام الـ"بي أو تي" بدلا من مناقصة مليارية تشتمّ منها رائحة تنفيع الوكيل المحلي، فهذا هو ما يستحق فعلا أن يُطلق عليه "بي أو تي" بدلاً من مقاهي "الشيشة"، والأسواق التجارية، ومحلات الهواتف، ومعارض السيارات، والمطاعم التي تمنحها الحكومة أراضي حكومية بأسعار زهيدة للغاية، ثم تُسمّي ذلك "بي أو تي"!

مشروع المطار الجديد هو أحد الأمثلة الصارخة على المناقصات المليارية التي لا تستفيد منها الميزانية العامة للدولة، بل إنها تُحملها أعباء إضافية كان المفترض تجنبها، وذلك على الرغم من أن خطط الحكومة ووثيقتها الاقتصادية تشيران إلى تنمية الإيرادات غير النفطية لتلافي العجز المالي، وعلى الرغم أيضاً من ارتفاع معدل البطالة بين الشباب الخريجين، ولكن على ما يبدو أن الإيرادات غير النفطية التي تقصدها الحكومة هي التي تأتي فقط من جيوب المواطنين من أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة!