تخيل أنك رب بيت ولديك عدد كبير من الأطفال ومواردك محدودة، وابنك البكر ناضج بما يكفي للخروج من منزلك والاعتماد على نفسه، لكنه لا يريد، فهو يفضل البقاء، كما أنه يستهلك الموارد التي يحتاج لها إخوته، فهل من الصواب ترك أطفالك الآخرين يعانون بسبب أخيهم الكبير لأنه متردد بشأن الاعتماد على نفسه؟

حاليا نجد دينامية مماثلة بين البنك الدولي والمستفيدين من برنامج المؤسسة الدولية للتنمية، وتدعم المؤسسة الدولية للتنمية النمو بشكل عادل في الدول الفقيرة من خلال منح قروض منخفضة الفائدة وطويلة الأجل للحكومات الوطنية، ويدعم البرنامج 77 دولة من أفقر البلدان في العالم، نصفها من إفريقيا، كما يوفر المساعدة للبلد الذي لم يعد يستحق ذلك: الهند.

Ad

في نهاية السنة المالية 2014 خرجت الهند رسميا من برنامج المؤسسة الدولية للتنمية، لأنها لم تعد دولة فقيرة بما فيه الكفاية للتأهل، وقام البنك الدولي بتحديد العتبة لتلقي المساعدة، على أساس نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي (الناتج القومي الإجمالي). في السنة المالية 2016 ستصل العتبة إلى 1215 دولاراً. وتجاوز نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي في الهند الحد في البنك الدولي سنويا منذ عام 2010، وفي عام 2014 بلغ 1570 دولاراً.

كما أن الهند تستحق الائتمان، فبذلك يمكنها الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية، ورغم هذا تواصل الهند تلقي 3.2 مليارات دولار سنويا لدعم المرحلة الانتقالية من برنامج المؤسسة الدولية للتنمية، مثلها مثل البلدان الفقيرة الأخرى التي تطلب مزيدا من الأموال.

في السنة المالية 2015 تم تخصيص 20 في المئة من 14.6 مليار دولار المقدمة من برنامج المؤسسة الدولية للتنمية للهند، وقام سبعة وسبعون من المستفيدين الآخرين بتقسيم ما تبقى من 80٪، وليس هناك من سبب لتحصل الهند على هذه المعاملة الاستثنائية، فمن الأفضل إنفاق تمويل المؤسسة الدولية للتنمية الذي تتلقاه الهند في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث نجد احتياجات أكبر وخيارات التمويل محدودة للغاية.

وإذا تم تقسيم حصة الهند بالتساوي بين دول المؤسسة الدولية للتنمية المتبقية، فإن كل بلد سيتمتع بمتوسط أكثر من 25٪ كزيادة تمويل. إن تمويل البلدان الخمسة الأولى المقترضة من مؤسسة الدولية للتنمية في إفريقيا جنوب الصحراء- إثيوبيا ونيجيريا وكينيا وتنزانيا وغانا- من شأنه أن يزيد بنحو مليار دولار، وهذا يكفي لتمويل 4845 كيلومترا من الطرق المعبدة، وهي المسافة من جنوب إفريقيا إلى كينيا.

وتنص مراجعة سياسة مغادرة البنك الدولي في 2016 أن الهدف من تلك الأموال التي تعطى إلى الهند هو ضمان سلاسة انتقالها من بلد يستفيد من مؤسسة الدولية للتنمية تفاديا لمنع انخفاض مفاجئ في التمويل، ويمكن للهند التعامل مع هذا الانخفاض المتوقع، فهي بالفعل تعد أكثر ثراء بكثير من بلدان جنوب الصحراء، كما تبلغ احتياطياتها الدولية ما يقرب من 400 مليار دولار.

ويرى البعض أن نسبة كبيرة من فقراء العالم يعيشون في البلدان المتوسطة الدخل، ولهذا ينبغي للمجتمع المانح أن يفكر مليا في كيفية توجيه هذا التمويل، وقد دعا رافي كانبور، أستاذ في جامعة كورنيل وكبير الاقتصاديين في البنك الدولي لإفريقيا سابقا، لإعادة سياسة مغادرة المؤسسة الدولية للتنمية. ويشير إلى أنه في عالم يتزايد فيه التفاوت داخل الدول، فإن استخدام الثروة الإجمالية للبلد كمقياس للفقر سيهمل الملايين من الفقراء.

أنا أتفق معه تماما، فحتى الآن، ووفقا لمؤشرات التنمية العالمية التابعة للبنك الدولي، تبلغ نسبة الفقر في الهند 21.9٪، أي أقل من نصف معدل إفريقيا جنوب الصحراء والذي يبلغ 44.4٪، وهذا يعني أن إنفاق المال بشكل أفضل سيساعد البلدان الأكثر فقرا في المنطقة. إن الحل لدول مثل الهند هو إيجاد سبُل أفضل لإعادة توزيع الثروة، حتى يتمكن أغلب مواطنيها من الاستفادة منها.

فالدول الغنية لديها المزيد من الخيارات لمساعدة فقرائهم، الهند، على وجه الخصوص، لديها حق الوصول إلى مصادر أخرى لتمويل التنمية، بما في ذلك البنك الدولي للإنشاء والتعمير، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي أطلق حديثا، وبنك التنمية الجديد للبريكس. ويجب أن تُخصص المؤسسة الدولية للتنمية للبلدان الفقيرة التي يتم حظرها من الوصول إلى الأسواق العادية. هذا لا يتعلق بالهند وحدها، إذ من المتوقع أن تغادر الدول الإفريقية مثل زامبيا ونيجيريا وكينيا وغانا قريبا، كما يجب أن تكون على استعداد للالتزام بالقواعد نفسها.

وقد حث رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم الدول المانحة على تكثيف دعمها للمؤسسة الدولية للتنمية خلال تجديد الجولة الثلاثية لهذا العام، بحجة أن التمويل الإضافي "سيكون ضروريا بالنسبة إلى تحقيق أهدافنا والقضاء على الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك". وقد ذكر كل من إفريقيا وجنوب آسيا باعتبارهما مناطق مهمة ينبغي التركيز عليها.

ويتعين على قادة إفريقيا جنوب الصحراء ضمان تنفيذ وعود البنك الدولي، كما يجب الحرص على المغادرة الفورية لدول مثل الهند والتأكد من أن البنك يؤدي مهمته خدمة للبلدان الفقيرة، فالسماح للدول بالتشبث بالمؤسسة الدولية للتنمية لسنوات، كما فعلت الهند، يعني أنه ليس هناك ملاذ لبلدان ذات احتياجات أكبر.

وإذا لم يرسل البنك الدولي 20 سنتا من كل دولار من تمويل المؤسسة الدولية للتنمية إلى الهند، فسيوفر موارد مهمة للاستثمار في إفريقيا، حتى لو ظلت التبرعات مستقرة. ومن المقرر أن ينتهي دعم المؤسسة الدولية للتنمية إلى الهند بحلول عام 2017، فقد حان الوقت لكي يغادر الأخ الأكبر المنزل من أجل مصلحة الآخرين.

موجوبو مويو

* باحث في مركز بحوث التنمية الدولية (IDRC) وزميل باحث في مركز التنمية العالمية ومعهد أسبن للأصوات الجديدة.

«بروجيكت سنديكيت 2016»، بالاتفاق مع «الجريدة»