كانت «جمعية تشجيع حماية المواقع الطبيعية والأبنية القديمة في لبنان» (APSAD) حصلت على منزل زكي ناصيف في ديسمبر 2012 بعدما تنازل ورثته عنه (23 وريثاً) كي تحوله إلى مركز ثقافي في قلب منطقة البقاع اللبنانية، يؤمه محبو الفن الأصيل ويعرّف الأجيال الجديدة إلى هذا الفنان الرائد الذي تبقى أغنياته ماثلة في القلب وفي الوجدان، وتحاكي الظروف الحياتية سواء في الفرح أو الحزن أو في الملمات والحروب، تشجع وتعطي أملا بالمستقبل على غرار أغنيته {راجع راجع يتعمّر لبنان} التي تنتقل من جيل إلى جيل وتبقى خالدة.

بدأ ترميم المنزل عام 2008 بإشراف المهندس نبيل عضاضة، وفي 2012 أخذت {جمعية تشجيع حماية المواقع الطبيعية والأبنية القديمة في لبنان} على عاتقها استكمال الترميم.

Ad

تبلغ مساحة المنزل حوالى 600 متر مربّع، ويتألف من طابقين وباحة واسعة (سطيحة)، وكان يعتبر بيت العائلة ويعود إلى الجد شاكر ناصيف، والد زكي ناصيف، وأشقائه الخمسة.

الطابق العلوي للمنزل الذي يضم غرف النوم أبقي على ما هو عليه، ويحوي سرير زكي ناصيف والطاولة التي كان يدوّن عليها مخطوطاته الفنية، بالإضافة إلى بيانو، نظاراته، قلمه الخاص، أوراقه والكرسي الخشبي الذي كان يهوى الجلوس عليه عند المساء، ليتأمل قمر مشغرة.

يضمّ الطابق السفلي مركزاً ثقافياً سمعياً وبصرياً، تعرض فيه مؤلفات زكي ناصيف الموسيقية وصور فوتوغرافية تروي أهم مراحل حياته، فضلا عن أفلام وثائقية تروي تفاصيل مشواره الفني والمحطات البارزة فيها. أما الباحة الخارجية فخصصت لإقامة حفلات موسيقية في الهواء الطلق وتتسع لنحو 250 شخصاً.

في ديسمبر 2004 ، أسست الجامعة الأميركية في بيروت برنامجاً أكاديمياً يحمل اسم زكي ناصيف، ومنذ يناير 2008 تحتضن أرشيفه الكامل المؤلف من 1100 مقطوعة، ومؤلفات موسيقية لم تر النور، قدمها نبيل ناصيف، ابن شقيق زكي ناصيف، كهبة إليها، فأوصلت كتاباته وأوراقه الخاصة إلى مكتبة نعمة يافت في حرم الجامعة.

يذكر أن زكي ناصيف درس في الجامعة الأميركية في ثلاثينيات القرن الماضي فن التأليف الموسيقي والغناء.

حدث وقدوة

خلال حفلة افتتاح المتحف اعتبرت ريا الداعوق، رئيسة «جمعية تشجيع حماية المواقع الطبيعية والأبنية القديمة في لبنان» (APSAD)، أن «المبدع زكي ناصيف أعطى بريقاً جديداً للموسيقى وللكلمات، ونحن نكرمه اليوم بإعادة الحياة الى منزله ومسقط رأسه ليكون هذا الحدث قدوة لأعمال أخرى، نكرم كل من أعطى لبنان نجاحات ثقافية اجتماعية وغيرها».

أما الدكتور نبيل ناصيف فأشار إلى أن زكي ناصيف كان مبدعاً في الكلمة والنوتة والصوت، أسس مع حفنة من معاصريه مدرسة موسيقية جديدة تمكن الأجيال الناشئة والمقبلة من أن تعبر عن مشاعرها ومعتقداتها بوسائل راقية، تؤكد الصورة الأصيلة لهويتها الوطنية في بلاد المشرق}،

أما ممثل وزير الثقافة مدير الآثار سركيس خوري فنوّه بعطاءات زكي ناصيف اللامتناهية، وأكد أن وزارة الثقافة إدراكا منها للدور الريادي للموسيقى وللفن، تعتبر متحف زكي ناصيف ومدرسة الابساد للموسيقى، جزءا لا يتجزأ من هيكليتها، وما هذا الإنجاز إلا خطوة من خطوات الألف ميل في مسيرة تكريم عظماء لبنان.

في الختام، اعتبر وزير السياحة ميشال فرعون أن {مشغرة هي الرسالة، التاريخ الاقتصاد والثقافة، ولا شك في أن زكي ناصيف هو نموذج ويعكس هذا التاريخ الثقافي والحضاري، وحمل مشغرة وتاريخها وتجاوز حدودها ولبنان ووصل إلى العالم العربي، متسلحاً بحضارته وتراثه وفنه الكبير}.

محطات من سيرة

زكي ناصيف أحد مؤسسي الفن اللبناني ومطلقي الأغنية اللبنانية، ولد في بلدة مشغرة، أكبر مدينة في وادي البقاع الغربي عام 1916. منذ طفولته عشق الشعر والموسيقى الشعبية (الزجل، المعنّى، العتابا، الميجانا، أبو الزلف...). في بداية الخمسينيات شارك مع الأخوين رحباني، حليم الرومي، توفيق الباشا، فيلمون وهبي، في تأليف «عصبة الخمسة»، غايتها تشجيع الغناء المحلي الذي يستمد جمله اللحنية من الفولكلور باعتباره قابلاً للصقل والتطوير.

في هذا السياق، أطلقت العصبة «الليالي اللبنانية» الأولى في «مهرجانات بعلبك الدولية» (1957)، بـ «عرس في القرية»، وهو عمل فولكلوري.

كتب زكي ناصيف ولحن أغنيات لفيروز، صباح، وديع الصافي، ماجدة الرومي، نصري شمس الدين... وتحولت أغنيته «راجع راجع يتعمر لبنان» (1995) إلى نشيد، وقد أدى شخصياً بعضاً من ألحانه. توفي في بيروت في 10 مارس 2004 إثر نوبة قلبية.

تتميز موسيقى زكي ناصيف بتطوير الفولكلور اللبناني وإضفاء صيغة شعبية جديدة عليه، من دون أن ينزعه من تراثه المنغرس في التاريخ الإيقاعي واللحني. كذلك أدخل نوعاً جديداً على الغناء في الإذاعات، وهو غناء الكورس، بعدما كان مقتصراً على مغنٍ وحده، وجعله عنصراً فنياً ضرورياً في بنية الأغنية الحديثة والمعاصرة، وليس كمساعد للمغني، ما أدى إلى ازدهار المسرح الغنائي في لبنان.

من خلال ثقافته الموسيقية الشرقية والغربية، مزج بين الآلات الموسيقية الشرقية والغربية وأبدع ألحاناً فريدة، مستفيداً من خبرات الغرب، سواء من ناحية الآلات أو اللغة الموسيقية، كل ذلك ضمن إيقاع بسيط ومركّب، يضفي بهجة على السامعين.