رسمت نساء من دون أذرع في معرضك الأخير، هل تشيرين إلى تقويض يد المرأة؟

Ad

تقع المرأة في لوحات معرضي الأخير في منطقة وسط بين التمثال والإنسان، إذ تبدو ذراعاها مكسورتين كما في تمثال أفروديت إلهة الجمال عند اليونان، وعيناها مغلقتين كما في التمثال المصري القديم، أما وجهها فتشوبه ندوب وعلامات كوجه امرأة معاصرة تلاحقها الآلام. ربما يرجع تأثري بشكل الإنسان إلى بداية اهتمامي بالأسطورة منذ قدمت مشروع التخرج عام 1988، وكان تمثال ربة الجمال أفروديت مفردتي الأساسية ثم لحق به تمثال النصر المجنح، وكانت هاتان المفردتان تعبران عن أفكاري المتعلقة بقضايا المرأة التي شغلتني منذ ذلك الوقت. فقد لفتتني أثناء فترة دراستي الأكاديمية في زياراتنا الميدانية للمتحف اليوناني الروماني في الإسكندرية خزانة خشبية ممتلئة بمجموعة تماثيل لأفروديت تظهر بلا رؤوس وبلا أطراف وفي أوضاع نحتية مختلفة، وكنت أرى وقتها أنها في حالتها الراهنة تعبّر عن النظرة إلى المرأة كأنها بلا عقل وبلا قدرة على الفعل. وفي مجموعة معرضي «الجسد»، أستحضر في نوستالجيا خاصة ملامح هذا الجسد محملاً بانشغالات جديدة مع الحفاظ على الوجه وحضوره.

تميل أعمالك إلى التجريدية التعبيرية، فما يغريك بهذا الاتجاه الفني؟

ربما، لأنه يتناسب مع ميولي إلى تحميل الأشكال المجردة مضامين انفعالية ووجدانية بأداء حر، واستجابة لحالة العفوية اللحظية وقت ممارسة العمل ومحاولة الاستفادة من الحرية التي تمنحها الأشكال المجردة عن الارتباط بوصف أشياء محددة. أستعين غالباً بمفردات بسيطة وأحاول صياغتها في مجال قادر على استحضار المعاني العاطفية والإنسانية، والاستمتاع بالخامة حتى تصنع مزيجاً يستقبل جيداً المفردات البصرية التي طرحتها حالة كل عمل فكانت موحية لطرح بعض المعاني من دون ارتباط بمضمون وصفي، فالأداء السريع ليد لا تخاف على شكل عنصر تفقده يُسهل مهمة التدفق الانفعالي القادر على التواصل ونقل القيم التعبيرية، فقد يحمل التراكب المختلف التأثير للمسات الصغيرة إحساساً بالألفة والتقارب، وقد يحمل خطاً مائلاً مندفعاً قيم العمق واختراق الفراغ من دون أن يعتمد الشكل على المنظور المعتاد، وقد يعطي خطاً عرضياً مرتفعاً في لوحة تجريدية إحساس الأفق البعيد من دون احتياج إلى وجود سماء وبحر وأرض، ويبدو العمل أحياناً كأنما يصور مشهداً لديناميكية الطاقة من خلال شلال من الأشكال والألوان مشحوناً بإحساسات وصور ذهنية ومرئيات، فاللوحة التصويرية هي إحدى تلك الصيغ التي يمكن أن تتيح نوعاً من اللقاء التعاطفي بين الفنان والمتلقي عبر محاولة لصياغة الوجدان الإنساني بلغة أكثر بلاغة من الكلمة.

المشهد التشكيلي... والجسد

كناقدة تشكيلية، ما هي رؤيتك للمشهد التشكيلي الراهن؟

يشهد المشهد التشكيلي المصري حراكاً جاداً. أقُيمت في الموسم الراهن معارض جماعية وخاصة مهمة متميزة، خصوصاً في مجال النحت، وثمة طفرة في نشاط القاعات الخاصة وفي اختياراتها الناجحة لفنانيها. كذلك ألحظ عودة لافتة للتشخيص وحضوراً للشكل الإنساني على مسطحات التشكيل. ربما كان ما يعتمل في قلب وطننا العربي من أحداث متلاحقة وراء تلك العودة للإنسان كبطل في الأعمال الفنية، وربما لكل فنان قضايا إنسانية ذاتية تخصه. وأرى أن من المهم طرح هذه المفاهيم الإنسانية التي تعيد الإنسان إلى المشهد التشكيلي، لا سيما أن الإنسان في العصر الحديث بدأ ينظر إلى العالم بوصفه ملاحظاً وفصل نفسه عن العالم المحيط به، فلم يعد العالم رداء يلتف به إنما هو مشهد يراقبه، وبالتالي خرج منه فخرج أيضاً من المشهد المصور. كذلك غمرتنا التكنولوجية وكان الفن أسرع الأنشطة الإنسانية استجابة لها، وألقى الفنان بنفسه بين معطياتها، وامتلأت الأعمال الفنية بأجزاء الآلات وشاشات الكمبيوتر والأقراص المرنة والعاديات، وتراجع الشكل الإنساني وزاد اغترابه وانفصاله.

كيف ترين العودة إلى تصوير الجسد الإنساني؟

مؤشر مهم في المشهد التشكيلي المصري الحالي، فالجسد يرسم هوية الإنسان، ويعطيه صورة، ويحدّد ماهيته، وهو المكان الذي يربطنا بالمكان الأكبر الكون، وسيظلّ الجسد الإنساني عنصراً تشكيلياً قادراً على حمل كثير من المعاني والدلالات.

لجسد المرأة تحديداً تاريخه الفني الخاص، فكما يقول عبد الله الغزامي «جسد المرأة هو الجسد الأكثر وقوعاً تحت جبروت الرمز»، حتى تحوّل إلى صورة ذهنية حُملت بكثير من الدلالات في الوعي الإنساني. ونلحظ عودة واضحة لتناول جسد المرأة في معارض فنية عدة في الموسم الراهن.

عموماً، عكس تاريخ الفن بشكل صادق المفاهيم الثقافية السائدة لكل عصر، إذ كان جسد المرأة مثلاً يُستخدم للتعبير عن الأفكار الخاصة بالحضارة بداية من معاملته كرمز للخصوبة في الفنون البدائية ثم إضفاء صورة القداسة عليه في فنون الحضارات القديمة، خصوصاً الحضارة المصرية القديمة التي صوّرت حتحوت إلهة الحب والجمال، ونوت ربة السماء، وإيزيس سيدة الحياة، وشيسكاف معبودة الحفظ والرعاية، وصورت ملكات مصر مضفية عليهن أنبل الأوصاف كسيدة التجلي وسيدة البهجة ومقيمة الشعائر والمشرقة كالشمس، وغيرها من صور البهاء التي جسدت من خلالها المرأة كمعبودة وكملكة. وتطور الأمر وصولاً إلى النزعات النسوية الجديدة، التي أصبحت المرأة تختزن في نفسها وجهة النظر الذكورية لتصبح بذلك مراقباً لنفسها.

لماذا تعيش أعمال روادنا التشكيليين وتتوارى الأعمال الأخرى؟

لكل جيل رواده ولا نستطيع الحكم على هذه الريادة أثناء زمن ممارسة التجربة، ومن نعتبرهم رواداً اليوم لم يكن يطلق عليهم هذا المسمى في زمنهم. يحتفظ التاريخ بكل ما له قيمة ويسقط ما دون ذلك، وأعتقد أننا نحظى بفنانين كبار سيكونون هم رواد هذا الجيل.