من بين الاتصالات والرسائل التي تلقيتها تعقيبا على مقالي المنشور على هذه الصفحة الأحد الماضي بعنوان "أيقونة الزمان وعبقرية المكان... في رحاب الله حمد الجوعان" رسالة من الأخ الفاضل معالي وزير التجارة الأسبق السيد أحمد الهارون، يقول فيها أحسنت يا أبو تامر على مرثيتك الرائعة لفقيدنا العزيز حمد الجوعان، وهذا شيء ليس بغريب عليك، وأنت من يملك القلب والقلم والإخلاص والوفاء لأحبائك بالسراء والضراء.

وأشكر معاليه على هذا الإطراء الذي غمرني به، بشعوره النبيل، وكلماته الرقيقة، التي تحفل بالسمو والرقي الذي عهده الجميع فيه، ففي عنقي دين لحمد، المعلم والصديق والصاحب لا أستطيع أن أوفيه ولو بديوان من المراثي، وقد كان معالي الوزير من كوكبة الفرسان والأبطال الذين رافقوا حمد في تأسيس المؤسسة وإرساء دعائمها، وأثروا معه نظام التأمينات الاجتماعية بالتطبيق السليم لأحكامه وبالعمل المثابر الدؤءوب ليصلوا به إلى هذه المنظومة الرائعة التي تطاول أفضل نظم التأمينات الاجتماعية في العالم.

Ad

ومن بين رسائل العزاء التي تلقيتها في الفقيد الراحل رسالة من الأستاذة والزميلة الآنسة نادية خالد العبدالغفور التي استهلت رسالتها بالتقدير الكامل لنظام التأمينات الاجتماعية، ولواضعه الفقيد الراحل، تغمده الله برحمته، إلا أنها تطالبني بتوضيح لما وقع فيه هذا النظام من مخالفة لأحكام الدستور، حسب زعم بعض الكتّاب على صفحات الصحف، وخاصة أنها بقيت دون رد من المؤسسة، الأمر الذي لم تجد له تفسيرا.

وبادئ ذي بدء فإني أعتقد أن المؤسسة لم تقصر في الرد على الحملة الظالمة التي تعرض لها النظام في ردها المنشور على صفحات "القبس" في عددها الصادر في 26 يناير الماضي، وأن سكوت المؤسسة عن الرد على المسألة الدستورية في اعتقادي كان تعففا واستحياءً من الدخول في سجال لا طائل من ورائه، إلا أنه وقد فرضت عليَّ هذه الرسالة مسؤولية هذا الرد، فإنه شرف لي أن أدافع عن دستورية نظام وضعه الفقيد الراحل، الذي كان له مواقفه الرائعة في الدفاع عن الدستور في مجلس الأمة، بل قبل انتخابه لعضوية المجلس، وأنه لم تكن لتفوته أي مخالفة للدستور في هذا النظام، وأذكر موقفه في الدفاع عن الدستور في أزمة تنقيحه سنة 1983، والذي أشرت إليه في مقالي المنشور على هذه الصفحة يوم 14 فبراير الماضي تحت عنوان "الجنود المجهولون في مسيرة الديمقراطية".

وكان البعض قد نعى على النظام أن مواده أرقام 33 و57 و91 و92 فيما فرضته من أعباء مالية على أصحاب الأعمال قد خالفت أحكام المواد 11 و24 و48 و134 من الدستور، وسوف أستعرض فيما يلي نصوص تلك المواد، لأبين أنها كانت ومازالت متوافقة مع الدستور.

التجني على الواقع

وفي سياق النعي على النظام مخالفته لأحكام الدستور تم الاستدلال بالمادة (33) من نظام التأمينات الاجتماعية التي أجازت لوزير المالية زيادة الاشتراكات الشهرية التي يؤديها أصحاب الأعمال بواقع 2% من مرتبات المؤمن عليهم العاملين لديهم، وأنه قد صدرت هذه القرارات بالفعل من الوزير، وهي لم تصدر أساسا لسبب بسيط أن هذه المادة وردت في باب إصابات العمل، الذي لم يعمل به حتى الآن، ولهذا لم يصدر أي قرار من الوزير أو غيره في تطبيق أحكامه.

تكاليف مالية مفروضة بقانون

كما نعى على المبالغ الإضافية المفروضة على أصحاب الأعمال بالمواد 91، 92، 93 من قانون الـتأمينات الاجتماعية، مخالفتها لأحكام المادة (134) من الدستور التي تنص على أن إنشاء الضرائب العامة وتعديلها وإلغاءها لا يكون إلاّ بقانون، ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم والتكاليف إلاّ في حدود القانون.

وقد أنصف هذا النعي الحقيقة من نفسه، لأن المبالغ الإضافية المفروضة بالمواد المذكورة قد فرضت بقانون التأمينات الاجتماعية، فليس فيها أي مخالفة لأحكام المادة (134) من الدستور، التي تتطلب صدور قانون بهذه الأعباء.

تكاليف مالية في حدود القانون

ونعى كذلك على النظام ما فرضته المادة (57) الواردة في الباب الخامس الخاص بأصحاب الأعمال من فوائد ومبالغ إضافية، في حالة عدم تسجيلهم لدى المؤسسة أو التأخير في سداد الاشتراكات المستحقة عليهم لمخالفة هذه الأعباء المالية لأحكام المادة (134) من الدستور، وهو نعي مردود عليه بأن القانون قيد سلطة الوزير في فرض هذه المبالغ، بألا تجاوز المبالغ المنصوص عليها في المادتين (91) و(92)، واللتين تحددان مبالغ الاشتراكات في الباب الثالث، فيكون فرض هذه المبالغ في حدود ما نص عليه القانون في هاتين المادتين، متفقا مع أحكام المادة 34 من الدستور.

كما نعى على المادة (92) من قانون التأمينات الاجتماعية ما تفرضه على صاحب العمل الذي لم يقم بتسجيل كل أو بعض عماله خلال الميعاد المقرر لذلك، أو لم يؤد الاشتراكات على أساس المرتبات الحقيقية بأن يؤدي للمؤسسة مبلغاً إضافياً يوازي 10% من الاشتراكات التي لم يؤدها، فضلاً عما تقضي به المادة السابقة.

فأين المخالفة للدستور في نظام التأمينات الاجتماعية، وقد فرضت كل هذه التكاليف المالية بقانون، عدا المادة (57) التي فرضت التكلفة المالية على الخاضعين للباب الخامس بقرار وزاري، في حدود القانون التي قيدها القانون بألا تجاوز الأعباء المالية المماثلة في الباب الثالث.

نصوص طبقت نصف قرن

إن المبالغ الإضافية التي فرضت على أصحاب الأعمال الذين يتهربون من تسجيل المؤمّن عليهم أو الذين يتأخرون في سداد اشتراكاتهم أو اشتراكات المؤمّن عليهم العاملين لديهم التي يحصلونها من مرتباتهم، هي أعباء مالية تفرضها كل نظم التأمينات الاجتماعية في العالم.

وإنه لولا هذه الجزاءات المالية التي فرضت عليهم لما استطاع النظام تحقيق أهدافه، ولما حقق كل هذا النجاح الذي يتحدث عنه القاصي والداني.

ومن الجدير بالذكر أنه قد تم تخفيض المبالغ الإضافية المفروضة على أصحاب الأعمال بموجب المادة (91) من قانون التأمينات الاجتماعية، من 6% شهريا ليصبح 1% شهرياً، كما عدل المبلغ الإضافي المنصوص عليه في المادة (92) من هذا القانون، من 50% إلى 10%، عندما استقر نظام التأمينات ووقر في ضمير أصحاب الأعمال.

الدور الاجتماعي للنظام

أما نعي الحملة الظالمة على المؤسسة تقاضيها للأرباح والفوائد في نظام الاستبدال بنسب تقارب نسب فوائد البنوك، بالرغم من أنها مؤسسة اجتماعية، تهدف إلى توفير حياة كريمة لأصحاب المعاشات والمؤمّن عليهم بما يخالف أحكام المواد 11، 24، 48، 134 من الدستور.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.