ولى زمن لحس الكلام والمرور عليه ونسيانه وكأن شيئاً لم يكن، فالعالم اليوم يتجه نحو مرحلة جديدة من التطور والعياذ بالله، وهي مرحلة "أكل الكلام".

صحافي أميركي مسيحي أو يهودي كافر، لا أعرف بالضبط مذهب أهله، لكني متأكد من أنه ليس مسلماً ولا يتخلق بأخلاق الإسلام الحقيقي، اضطر إلى أن يأكل مقالاته الصحافية المطبوعة، تنفيذاً لوعد قطعه على نفسه بأن يأكل عموده إذا فاز ترامب بترشيح حزبه الجمهوري بانتخابات الرئاسة الأميركية.

Ad

في ظني المتواضع أن ما قام به هذا الصحافي من التزامه بوعده ووفائه بعهده قد يكون ليس سوى بداية لمؤامرة صهيونية ماسونية جديدة من أعداء الأمة على العرب والمسلمين، لدفعنا نحو تقليدهم والتشبه بهم وأكل كلامنا، لكن هيهات، فنحن أساساً ضد نظرية التطور.

وهؤلاء الغربيون أناس تافهون يعطون للكلمة قيمة أكثر مما تستحق وللوعود وزناً لا داعي له، أما نحن فأكبر من الكلمات والوعود ومن كل ما يقيد لدينا شهوة سرد بطولاتنا الرنانة وقوتنا الخارقة، كما أن أخلاقنا العربية تمنعنا، وديننا الإسلامي يحرم علينا أكل الكلام المتردي والوعود النطيحة والتصريحات المخنوقة والتهديدات الفارغة، وإلا لرأيتم العجب مما لا تحمد عقباه، ولا نتمنى رؤياه.

فتخيلوا معي مثلاً لو أن أعضاء حركة "حدس" غير التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، ولا تمت لها بصلة، وهذه بحد ذاتها نقطة تحسب لهم، لولا أنهم فقط يؤمنون بأفكار السيد حسن البنا التي أهمها الدعوة إلى إنشاء جماعة الإخوان المسلمين، ولكن هذا موضوع آخر ليس مقامه الآن، المهم دعونا نبقى بخيالنا فيما لو قرر أحدهم مثلاً الالتزام بالقيام بما فعل هذا الصحافي الكافر، وخصوصاً من كان يصرخ منهم بأعلى صوته أو يهرول بإصبعه كاتباً أن "المقاطعة مبدأ"، فعندها يا ترى كم مبدأ سيضطر ليبتلع اليوم وماذا سيشرب فوقها حتى لا يغص بمبدأ صلب لا سمح الله؟! أو كم واحداً منهم سيضع هاتفه الذكي داخل فمه ليتذوق طعم تغريداته المفعمة بالعنفوان والثورية؟! أو تخيلوا معي أيضاً ماذا سيفعل من كان يهدد "عدوا رجالكم ونعد رجالنا"؟، وكم رجلاً عليه أن يلتهم الآن وكيف سيهضمهم؟!

لذلك، فلنحمد الله على نعمة الإسلام وحرصنا على عدم التشبه باليهود والنصارى الكفار، فلو انطلت علينا المؤامرة لا قدر الله، فسنكون مضطرين عندئذ لافتتاح أجنحة خاصة بمستشفياتنا لتخصص التسمم المبدئي الدقيق، وكذلك سيجب على اختصاصيي ودكاترة التغذية إعداد جداول وبرامج للوعود والالتزامات الأخلاقية مع احتساب سعراتها الحرارية وقيمتها الغذائية، تماشياً مع زيادة الطلب وانتشار السمنة الكلامية وبما يلبي حاجة السوق المتنامية، إلا أن ما يدعوني شخصياً للاطمئنان بكل الأحوال هو أنني - والحمد لله أولاً وأخيراً- لا أمتلك الجرأة حتى على أن أعد نفسي بشيء، كما أني لا أكتب إلا مقالاً واحداً في الأسبوع، وليكن الله في عون بقية الزملاء ويحفظهم من التسمم أو زيادة الوزن.