عُرف عن وزير خارجية إحدى الدول أنه شخصية مثيرة للجدل، وكان يلقي محاضرة عن مبررات وجود قواعد أجنبية في بلده فقال: "هذه القضية، لا يثيرها إلا أعضاء الإسلام (المَسيْس)! لأن جماعة الإسلام "المَسيْس" استبدلوا الدين بالعمل "المَسيْس"!

وبينما كانت أذهان الحضور في القاعة في حيرة من أمرهم لتفسير هذا المصطلح السياسي الجديد (الإسلام المَسيْس) صرخت بأعلى صوتي: أعتقد أن معالي الوزير يقصد "الإسلام المُسَيّس"! فظهرت ملامح سخرية صامتة على وجوه الحضور، لكن صاحب المعالي واصل... وهنا أرجو أن تعذروني من الدخول في ذكر محظورات "اللامعقول" من الأخطاء الفادحة!

Ad

فصاحب المعالي قال: "زهقنا من أعضاء الإسلام المُسيَس - نطقها صحيحة - وبلغ سيلنا الزبى وطفح الكيل".

وأقف هنا لحظة، لنرى كيف قرأ صاحب المعالي "بلغ سيلنا الزُبىٰ"، حيث يُفترض أن كلمة "زبىٰ" تُقرأ بالياء المقصورة (البطة)، لكن صاحب المعالي وقف أمامها بعض الوقت، حتى ساد القاعة الصمت، ثم فجّر قنبلته السياسية الثقافية عندما واصل قراءتها بالياء العادية!.. فضجت القاعة بالضحك والسخرية، مما أشعر السيدات الموجودات بالخجل!

تحدث هذه الكوارث اللغوية لأن الذين يلقونها لا يعرفون كتابتها بأنفسهم، ولا يتدربون على قراءتها قبل مواجهة الجمهور، فتقع مثل هذه المطبات المهلكة!

حسني مبارك خرج من هذه الورطة عندما أدرك أنه ليس بقوة عبدالناصر في الارتجال الحماسي، ولا بفصاحة السادات، فكان سكرتيره أسامة الباز يدبج له الخطاب، ثم يأتون له بمدرس إلقاء من معهد الفنون المسرحية ليلقيه أمامه مرات عدة، ثم يطلب إليه أن يحفظه كما يحفظ الممثل دوره في المسرحية، لذلك تجد أن خطابات مبارك بالفصحى أقرب إلى التمثيل منها إلى الخطابات السياسية، ويتضح ذلك بجلاء عندما يرتجل، وعندها تظهر لغة الشارع في ألفاظه واضحة!

أتذكر أن أحد القادة سجلت له كلمة يتوجه بها لشعبه في مناسبة معينة، وكان المكتوب أمامه: "إنه ليسعدني أن أحييكم"، فقرأها: "إنه لا يسعدني أن أحييكم"، وأذيعت كما هي، بحجة أنه لا يجوز تصحيح ما قاله القائد!

***

• أعود بكم إلى لمحة تاريخية أثناء خلافة عمر بن عبدالعزيز، حين قرر جمع أحاديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ورصد مكافأة لمن يقومون بهذه المهمة، فتقدم أحدهم بأن لديه أحاديث عدة، فقال له أحد العلماء:

ما مصادرك في أحاديثك؟

فقال: أنقل عن "أبي بكر بن الخطاب، وعن علي الصديق، وعن عثمان بن أبي طالب، وعمر بن عفان".

فقال له العالم: لله درك، ما أصدقك، وما أفصحك!