أكدت المحكمة الدستورية أن المادة 32 من قانون المحاماة تخل بحق التقاضي، وحكمت بعدم دستوريتها.

Ad

قضت المحكمة الدستورية، أمس، بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون المحاماة، التي تحرم الطعن على الأحكام الصادرة من محكمة الاستئناف بشأن تقدير أتعاب المحاماة، ليفتح الحكم إمكان تقاضي المحامين والأفراد المعترضين على أتعاب المحاماة التي لا تكتب بعقود أمام الدرجات القضائية الثلاث.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها، الذي أصدرته برئاسة المستشار يوسف المطاوعة، وعضوية المستشارين محمد بن ناجي وخالد سالم وخالد الوقيان وعلي بوقماز، إن النص المطعون بعدم دستوريته بخصوص ما تضمنه من عرض أمر تقدير الأتعاب في حالة عدم وجود اتفاق مكتوب على الأتعاب أو بطلان الاتفاق على الدائرة المدنية بمحكمة الاستئناف للفصل فيه بقرار نهائي غير قابل للطعن فيه مخالف لمبدأ المساواة ومخل بحق التقاضي.

وأكدت "الدستورية" أن المادة 32 من القانون رقم 42 لسنة 1964 بشأن تنظيم مهنة المحاماة أمام المحكمة، بعد استبدالها بالقانون رقم 62 لسنة 1996، تنص على أنه "يتقاضى المحامي أتعابا وفقا للعقد المحرر بينه وبين موكله، وإذا تفرعت عن الدعوى موضوع الاتفاق أعمال أخرى كان للمحامي أن يطالب بأتعابه عنها، وفي حالة عدم وجود اتفاق مكتوب على الأتعاب أو بطلان الاتفاق يعرض أمر تقديرها على الدائرة المدنية بمحكمة الاستئناف للفصل فيه بعد الاستئناس برأي جمعية المحامين بقرار نهائي غير قابل للطعن فيه".

وقالت المحكمة في حكمها إن الطعن مبنى النعي على الفقرة الأولى من المادة 32 سالفة البيان- حسبما يبين من حكم الإحالة- حاصله أن نص هذه الفقرة خالف المادتين 29 و166 من الدستور، إذ مايز بين المتقاضي في مجال التداعي بشأن المطالبة بأتعاب المحاماة، فاعتبر المنازعة في تقدير أتعاب المحاماة في حالة وجود عقد اتفاق على هذه الأتعاب، هي منازعة عادية تجري الإجراءات فيها وفقاً للإجراءات المعتادة للدعاوى المدنية من حيث الاختصاص بنظرها، والطعن في الأحكام الصادرة فيها، فيما أعطت للمحامي الذي لم يبرم عقد اتفاق مكتوبا على الأتعاب، أو كان الاتفاق المبرم بينه وبين موكله باطلاً، الحق في اللجوء إلى محكمة الاستئناف، لتقدر دائرتها المدنية أتعابه بقرار نهائي غير قابل للطعن فيه، على الرغم من عدم استناد هذا التمييز إلى أساس موضوعي، لأن أعمال المحاماة التي يزاولها المحامون في الحالتين واحدة.

وأضافت: قصر نظر المنازعة في تقدير أتعاب المحاماة- في حالة عدم وجود اتفاق مكتوب- على درجة واحدة ينطوي على تفرقة غير مبررة بينها وبين المنازعة في تقدير ذات الأتعاب في حالة وجود اتفاق مكتوب عليها بين الطرفين، والتي يجوز الطعن فيما يصدر بشأنها من أحكام، وفقا للقواعد العامة المقررة للطعن في الأحكام، وهو ما يخالف مبدأ المساواة، ويمثل إخلالاً بحق التقاضي الذي كفله الدستور للناس كافة.

نعي في محله

وأوضحت المحكمة أن هذا النعي في محله، ذلك أنه من المقرر- في قضاء هذه المحكمة- أن حق التقاضي للناس كافة مبدأ دستوري أصيل، باعتباره الوسيلة التي تكفل للأفراد حماية حقوقهم والتمتع بها والذود عنها، وردّ الاعتداء عليها، والأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة تعتبر حداً لها يحول دون إطلاقها.

ولفتت المحكمة إلى أنه ولما كان المشرع في نطاق تنظيمه لأتعاب المحامي عن الأعمال التي يقوم بها لمصلحة موكله، جعل الأصل أن يتقاضى المحامي أتعابه وفقاً للعقد المحرر بينه وبين موكله، وتخضع المنازعة بينهما في هذه الحالة للقواعد العامة في التداعي ولطرق الطعن المقررة لما يصدر فيها من أحكام.

وقالت: أما في حالة عدم وجود اتفاق مكتوب على الأتعاب، أو كان الاتفاق باطلاً، فقد جعل المشرع أمر تقدير الاتعاب منوطاً بالدائرة المدنية بمحكمة الاستئناف، لتفصل فيه بقرار نهائي غير قابل للطعن، فيكون المشرع بذلك خصَّ المنازعة المتعلقة بتقدير أتعاب المحامي في الحالة الأخيرة بتنظيم خاص قائم بذاته، ومختلف في مضمونه عما تخضع له غير ذلك من المنازعات المتعلقة بعقد وكالة المحامي عن موكله من قواعد حاكمة، وذلك على الرغم من اتحاد هذه المنازعات جميعها في جوهرها، وتماثلها في طبيعتها، لتعلقها جميعاً بخلاف بين أصيل ووكيل في إطار عقد الوكالة المبرم بينهما- سواء كان هذا العقد مكتوباً أو غير مكتوب- فأخضع المنازعة في الحالة الأولى للقواعد العامة في التداعي، ولطرق الطعن المقررة لما يصدر فيها من أحكام، في حين قصر النظر في الحالة الثانية على محكمة الاستئناف، لتصدر قراراً فيها غير قابل للطعن فيه، وذلك في غيبة من أي مبررات منطقية أو ضرورة مُلجئة، من شأنها أن تسمح للمشرع بإحداث هذا التمييز غير المبرر، وهو يكشف بجلاء عن إخلال بحق التقاضي.

وتابعت المحكمة: ترتيباً على ما تقدم، فإن النص المطعون فيه في خصوص ما تضمنه من عرض أمر تقدير الأتعاب في حالة عدم وجود اتفاق مكتوب على الأتعاب أو بطلان الاتفاق على الدائرة المدنية بمحكمة الاستئناف للفصل فيه بقرار نهائي غير قابل للطعن فيه، يكون قد خالف مبدأ المساواة، وأخلَّ بحق التقاضي، من ثم يتعين القضاء بعدم دستوريته.

منطوق الحكم

وحكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 32 من القانون رقم 42 لسنة 1964 بشأن تنظيم مهنة المحاماة أمام المحاكم، المعدَّل بالقانون رقم 62 لسنة 1996، فيما تضمنته من النص من أنه "... وفي حالة عدم وجود اتفاق مكتوب على الأتعاب أو بطلان الاتفاق يعرض أمر تقديرها على الدائرة المدنية بمحكمة الاستئناف للفصل فيه، بعد الاستئناس برأي المحامين بقرار نهائي غير قابل للطعن فيه".