أحمد شاب بدون، بدون جنسية لربما، ولكن ليس بدون طموح وليس بدون أمل وليس بدون الاجتهاد المطلوب لتحقيقهما. أحمد من مواليد 1984، ولد لأب وأم أميين، ولذلك، كبر شغوفاً بالتعليم، مجتهداً في تحصيله. حصل أحمد في سنة 2014 على البكالوريوس بامتياز، وبقي متطلعاً لاستكمال دراسته العليا. تحصل أحمد على قبول في عدة جامعات وعروض من أخرى، منها بعثة للدراسة والتدريس في جامعة غرب فيرجينيا في الولايات المتحدة، وقبول من جامعة أدنبره في أسكتلندا وآخر غير مشروط من جامعة دبلن في أيرلندا، إلا أن التفوق والاجتهاد ممنوعان على أحمد، فنحن في الكويت نؤمن جداً بالنظرية الطبيعية والتقسيمات الطبقية، تموت وتحيا كما قدرت لك الطبيعة ورسم لك القدر، تبقى في طبقتك، وأي محاولة للخروج من بؤس حياتك ستقابل بالرفض والمقاومة.

Ad

وعليه، صودر جواز مادة 17 الخاص بأحمد، وتطايرت كل محاولاته لتجديد الجواز في عواصف من الذل والامتهان. قالوا لأحمد إن سبب منع صرف الجواز هو قيد أمني، وما سبب القيد الأمني؟ لا إجابة أبداً عن هذا السؤال، يرفض الموظفون سواءً في الجهاز المركزي أو إدارة الجنسية والجوازات، حسب كلام أحمد، إخباره بالسبب. طلبت منه التمعن في التفكير، هل من حدث في حياته قد يضع عليه قيدا أمنيا؟ أخبرني أحمد أنه إبان المظاهرات، فقد أخاه المعاق ذهنياً، مما دفعه للذهاب بحثاً عنه في أماكن مختلفة. يقول إنه ذهب بقدميه إلى المخفر سؤالاً عن أخيه، فقبضوا عليه وأودعوه السجن لفترة ما، في حين أنه لم يشارك في مظاهرة ولم يقترب من أماكن الأحداث السابقة مطلقاً. يتوقع أحمد أن هذا الحدث هو سبب القيد الأمني، وأشاركه أنا هذا التوقع، وليته شارك في المظاهرات، لربما كانت حرقة قلبه تخفّ، فعلى الأقل يكون الثمن الذي يدفعه الآن له مقابل، ولو نفسي، ولو فقط كلمة لا.

خسر أحمد كل شيء، خسر وظيفته في الكويت التي قدم استقالته منها ليستكمل تعليمه، خسر مقعده في أدنبره وخسر البعثة التي حصل عليها من فيرجينيا. تعاطف معه الأكاديميون في جامعة دبلن وتقديراً لظروفه أجلوا العرض المقدم له من جامعتهم إلى سنة 2016/ 2017، وهي الفرصة القادمة إلى نهايتها قريباً إذا ما لم يحصل أحمد على جوازه ويسافر سريعاً ليبدأ دراسته.

يسألني أحمد، لماذا يحدث لي كل هذا دكتورة؟ أنا رجل أحمل عائلتي الصغيرة والكبيرة على أكتافي، أحمل هموماً أكبر من عمري وطموحاً أكبر من إمكاناتي، لمَ يحرمونني حتى هذه الفرصة، هذا المتنفس البسيط؟ لا ردود لدي أقدمها لأحمد، كما لم يرد عليه آخرون، الموظفون والمسؤولون والنواب، حتى جمعية حقوق الإنسان ما ملكت له رداً، والتي وبحسب ما أخبرني أحمد، أخبره أحد أعضائها أنه ليس بيدهم شيء الآن. وبالتواصل مع السيد محمد الحميدي عضو مجلس إدارة جمعية حقوق الإنسان بخصوص الموضوع، أخبرني أن الوضع مزر وأن "الداخلية" تضع القيود الأمنية على أبسط الأسباب، وأن الجمعية حاولت التواصل معهم سابقاً دون أي استجابة. يقول الأستاذ الحميدي أنه رفع عدداً من القضايا بسبب هذا الموضوع، مؤكداً لي أن سياسة الدولة القادمة مخيفة تجاه البدون، حيث إن الأمر لن يتوقف عند القيود الأمنية فقط. يبدو أن القادم، والكلام لي الآن، أعظم وأمرّ.

قصة أحمد هي قصة كل شاب بدون يعيش في المركز الإنساني العالمي الكويتي، شباب وشابات، من الجيل الخامس أو السادس الآن من البدون، لم يعرفوا غير الكويت بلداً، استنشقوا هواءها، مشوا في شوارعها، سكنوا بيوتها، التي ليست ككل البيوت، تعلموا في مدارسها، التي ليست ككل المدارس، غنوا نشيدها، التصقوا بترابها لربما أكثر من الكويتيين أنفسهم، فنحن نسافر للخارج، نرى أماكن أخرى، نحب بلداناً ومدناً أخرى، أما هم فلم تعرف أغلبيتهم سوى هذه الأرض، وهذه السماء، وهذا الماء المالح للخليج، تلك هي كل حياتهم التي ترفض الحكومة الاعتراف لهم بها. قصة أحمد مقبلة على نهاية، وكم أخشى هذه النهاية، أخشى أن يخسر أحمد آخر آماله وأن تخسر الكويت أحمد المتفوق الذي يمكن أن يقدم لها الكثير، وأن يخسر المركز الإنساني كل ما تبقى له من مصداقية. لدي الكثير من أوراق أحمد ومستنداته للراغب في الاطلاع، عل وعسى أن يمدّ أحدهم يداً له، فتطلق سراحه ليستكمل تعليمه ويحقق شيئا من آماله، لربما يتزن ساعتها ميزان الدنيا لأحمد بعض الشيء، فتنصفه، ولو لمرة.