هل أنت يا عنف دواء لكل مسيء أدب؟ وهل أنت ضروري لتحقيق العدالة أم مجرد عذر لشيطان؟ وهل تجبرنا على استعمال العصا على رأس الطفل لنصلح عقله؟ ولماذا تجعلنا نهدد الموظف بخصم الراتب ليكون وفياً؟ وهل تحتاجك أميركا لإرغام العالم على احترام سيادتها؟ وهل أنت مسموح للمجاهد كوسيلة جادة للتحرر؟

Ad

 بحثت عن أنواعك يا عنف، وقرأت ما قاله المفكرون فيك، وسألت المعلم والطبيب والاستشاري النفساني والواعظ الإسلامي، وتعقبت كلمات البيولوجيين والفسيولوجيين، لأكون واعيا لحقيقتك فلا أرتبك في مواجهتك.

أنواعك كثيرة، فمنك اللفظي، والأسري، والإعلامي، بل حتى ظهر منك عنف التواصل الاجتماعي! فوجدتك مثلاً قبل أيام في مدرسة حكومية حين جمعت معلمة طلابها في ساحة المدرسة ليهتفوا بأعلى صوت "أنا حمار" عقاباً لهم، ووجدتك حين كوت أم ابنها لأنه يتبول لا إرادياً وهو نائم، ووجدتك في البرلمان حين تحول إلى حلبة مصارعة، وما أكثرك في مراكز تسويقنا! فلمَ أنت بيننا يا عنف؟ وما أسبابك؟

أجاب البيولوجيون بأنك منحوت بكروموزومات جيناتنا، وادّعى علماء الأعصاب أنك مجرد اختلال أمزجة المخ بسبب ارتجاجات أو اضطرابات غدد، لكن علماء الفسيولوجيا اكتشفوا أن لك أماً واحدة، وأمك هي منطقة في كتلة الدماغ صغيرة قطرها بالمليمترات تسمى (اللوزة)، لكنها إذا تهيجت تكهرب المخ كله! فتتهيج عند التوتر، فتسأل اللوزة العقل: "نقاتل أم نهرب؟"، فيجيب الشرطي: "العنف سببه انتشار المخدرات!"، ويرد الطبيب النفساني بل هو بسبب "السادومية"، وهي حالة نفسية شخّصها علماء ألمان على أنها التلذذ بتعزير الغير، لكن خبراء التربية فسروها ببساطة بأنها مجرد بلادة إحساس، لأن الناس لا تقرأ القصص فلا تتعاطف مع مشاكل غيرها. وانتشرت ألعاب الفيديو التي تكرس في الطفل فكرة "إن فوزك يكون بقتل أكبر كمية من الشخصيات يا بطل"، وتؤكد الإحصاءات الأميركية أن الطفل يشاهد أكثر من 20.000 مشهد عنف قبل النضوج، والأهم من كل شيء كيف نعالجك؟

من الطريف أني ذكرت مشهد الأم التي تكوي ابنها ليكفّ عن التبول اللاإرادي عند طبيبة الأطفال، فجحظت عيناها! وقالت: الطفل أولاً يحتاج إلى تصوير أشعة! وفحص دم! وجلسة نفسية! وأورد أستاذ الكيمياء السعودي أحمد بدوي أن العنف يولد أجيالاً معقدة، وسألت ناصر العازمي المزارع الكويتي الذي زرع الأناناس وفاكهة الشوكولاتة وبهار الفانيلا ببلدنا "كيف تطفئ الزراعة العنف؟" فرد: "إنها تشفط السلبية". فيبدو أن الجميع يركز على إطفاء التوتر ثم تبني هواية، ودائما وأبدا نتعامل مع العنيف بأسلوب غير مباشر، ولكن لماذا يا عنف أشعر أنك ستبقى بيننا حتى إن طبقنا تلك الحلول؟

 وقد فهم بعض الناس الدين الإسلامي على أنه جزء من موروثنا الصحراوي، فقرونه بالجلافة والغلظة! فهيا نتتبع سلوكاً بسيطاً لابن الصحراء ونرى: رجل يرفع صحن طعام رمته زوجته على الأرض لأنها غاضبة، ويلملم الفتات عنها، ويحملها على ظهره عندما يلعب معها خارج البيت، ويمدّ لها ركبته لتدوس عليها حتى تركب الرحل، ويقبّل رأس ابنته كل يوم. ما رأيك فيه؟ لا أقول إلا صلى الله عليه وسلم.

الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم يقول "لم يسبق لفيلسوف أن قتل رجل دين واحد باسم الفلسفة، لكن سبق لرجل الدين أن قتل الكثيرين من الفلاسفة باسم الدين"، معتبرا أن العنف في الدين، لكن العنف فيمن فهم الدين خطأ.

 واختارت السياسة شحذ فهم الكثير من الناس بأن الدين هو الموت في سبيل الله، بيد أنه نظام الحياة في سبيل الله، وهذا ما أكده لي إمام مسجد منطقة الشعب حين سألته أمام الناس: "جاءك مجاهد يريد رمي إخوته المؤمنين فماذا تقول له؟" فرد: "يؤثم إذا رمى أي كافر فما بالك بمسلم؟".

فيا عنف، إنني لا أدينك، ولكن أعاتب كل علماء الدنيا والدين الذين قصروا في توعيتنا بشأنك، فلقد اتضح هوانك أمام العقول الفاهمة، والآن هلا خرجت من مجتمعنا بلطف؟!