لا صوت يعلو فوق صوت الأزمة الاقتصادية في مصر، التي تشهر أنيابها من ارتفاع سعر الصرف، إلى المعوقات التي تتزايد كل يوم أمام عمل المستثمرين الأجانب، وتناقص الاحتياطي النقدي، وعجز الموازنة، وليس انتهاء بارتفاع الأسعار.

Ad

ولن يمكن حل الأزمة الاقتصادية إلا إذا وضعنا أيدينا على جوهر الأزمة، وجوهر أية أزمة اقتصادية وسببها الأساسي دائماً هو "عجز الموازنة"، وإذا استطعنا أن نجد حلاً لهذه المشكلة، فسنستطيع أن نجد حلاً لجميع المشاكل التالية المترتبة عليها، فتعود الأسعار للانخفاض، ويهدأ سعر الصرف، ويقل العجز في ميزان المدفوعات، وبالتالي يقل الضغط على سعر الصرف في السوق، ويعود سعر الجنيه للانخفاض مرة أخرى.

وإذا كانت بداية حل الأزمة الاقتصادية تبدأ من "عجز الموازنة"، فإن القراءة الأولية في الموازنة المصرية تكشف أن حل العجز فيها ليس سهلاً، لأن الحكومة لا يمكنها الاقتراب من ثلاثة أرباع المصروفات التي تذهب للمرتبات والصحة والتعليم، وهذا يعني أن العجز مستمر.

ما الحل إذن، إذا كان لا يمكن تخفيض المصروفات بصورة كبيرة، كما لا يمكننا أن نزيد الإيرادات بصورة مؤثرة؟، الحل هو أن نقوم بالخطوتين في وقت واحد، أن نحاول تخفيض المصروفات دون أن يؤثر ذلك على المواطن محدود الدخل، ودون أن تزيد الأعباء عليه، مع الاهتمام في الوقت نفسه بزيادة الإيرادات بشكل أكبر، وهو ما يفتح أمامنا باباً لأزمة أخرى، وهو المشكلات التي ستقابلها الاقتراحات بزيادة الإيرادات، هناك حلول جزئية لكنها غير نهائية، مثل أن ترفع الدولة الدعم جزئياً عن الطاقة، مع ملاحظة ضرورة عدم الاقتراب من دعم السولار والكهرباء، لكن حتى هذا الحل رغم كل المشكلات التي سيتسبب فيها، لن يكون ناجعاً، لأنه سيوفر مبلغاً، لكنه لن يحل المشكلة.

الخطوة التالية في زيادة الإيرادات، يمكن أن تكون زيادة الضريبة على الأرباح، والضريبة على القيمة المضافة، لكن هذه مرحلة تالية، لأنه لو تم فرض هذه الضريبة الآن، فستؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني.

زيادة الإيرادات تكون أيضاً من خلال زيادة النشاط الاقتصادي الذي يمكن اعتباره المفتاح الرئيسي لحل عجز الموازنة، وحل عجز الموازنة مفتاح الاستقرار، واللجوء إلى النشاط الاقتصادي هو الحل الأمثل لمصر، فضلاً عن أنه سيكون عكس ما سيطلبه صندوق النقد الدولي، الذي سيطالب بإجراءات ضد المواطنين، إذا طلبنا قروضاً.

وإذا كنا نقول إن الحل هنا هو زيادة النشاط الاقتصادي، فعلى الدولة أولاً أن تعرف ما هي الأسباب التي أدت إلى توقف هذا النشاط، عليها أن تجد حلاً لعدم الاستقرار في سعر الصرف، لأن القرارات المضطربة التي ترفع سعر الصرف ثم تخفضه، ثم تحرره، لن تدفع المستثمرين في النهاية إلا إلى الهروب من السوق المصري، كما على الدولة أن تعيد النظر مرة أخرى في قانون الاستثمار، خاصة مع الشكاوى المستمرة من المستثمرين، من مواد القانون الجديد.

ولن تتمكن الدولة من جذب مستثمرين جدد، إلا إذا وفرت بيئة مناسبة للمستثمر، الذي لن يجازف بأمواله ويدفع بها في دولاب حكومي، يهتم بالبيروقراطية أكثر من اهتمامه بجذب الاستثمار، الحلول ممكنة، والأزمة الاقتصادية في مصر يمكن أن تجد حلاً، لكن المهم أن نبدأ.