أكد رئيس قسم الاقتصاد في جريدة «الجريدة» محمد البغلي أن الخصخصة ليست مجرد بيع أصول، إنما قواعد وضوابط تتطلب هيئات تنظيمية وبيئة تنافسية، وخلق فرص عمل، ووعاء ضريبياً ونماذج نجاح.

جاء ذلك خلال كلمة البغلي أمام ندوة الجمعية الاقتصادية الكويتية، أقامتها أمس الأول، وتناولت مناقشة معوقات الإصلاح الاقتصادي في الكويت.

Ad

وقال إن السعي إلى بيع أملاك الدولة وخدماتها، يأتي بوتيرة أسرع بكثير من وتيرة الوعاء الضريبي، الذي يحصّل الإيرادات العامة للدولة بعد التخصيص، موضحاً أن الدولة، في حين تسارع نحو التخصيص، فإنها تتلكأ في إعداد قانون ضريبة الأعمال على الشركات.

فرص عمل

وأوضح أن مشاريع الخصخصة في الكويت، تركز دائماً على مسألة نقل الملكية وقيمتها في ميزانية الدولة، لكنها لا تتحدث مثلاً عن فرص العمل المستهدفة داخل القطاع المخصص، فعندما تنوي الدولة تخصيص وزارة كالمواصلات، فإن الحديث يجب أن يكون أولاً عن شركات متنافسة في البريد والهاتف الأرضي والكيبلات الدولية وغيرها من خدمات الوزارة.

استمرار الأزمة

ولفت البغلي إلى «أننا الآن قريبون من العام الثاني لتراجع أسعار النفط بسبب عوامل متعددة ليس لنا أي علاقة في معظمها، مثل تراجع الطلب في الصين، وانخفاض النمو في شرق آسيا والعالم، وسياسات التقشف الأوروبية، كذلك نمو الإنتاج الأميركي، ونحن جزء من منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، التي هي جزء من السوق، بالتالي، فإن تأثيرنا قليل على أسواق النفط العالمية».

وذكر أن الإيرادات النفطية، التي كانت تصل خلال السنوات السابقة إلى حوالي 30 مليار دينار، باتت التوقعات تصل إلى 5.7 مليارات دينار، وهذا الأسبوع توقع وزير المالية أن يكون العجز 8 مليارات دينار؛ بسبب الارتفاع النسبي لأسعار النفط، أي إن العوائد من المتوقع أن تبلغ 10 مليارات دينار، مشيراً إلى أن الميزانية في الكويت تضاعفت خلال 16 عاماً نحو 6 مرات، وأصبح السعر، الذي يحقق تعادل الميزانية هو 65 دولاراً للبرميل.

وقال البغلي، إن دعم الدولة للسلع والخدمات في مشروع الميزانية الجديدة يقدر بـ2.895 مليار دينار، بما يعادل 15 في المئة من إجمالي مصروفاتها، في حين تمثل المرتبات وما في حكمها 55 في المئة، بما يعادل 10.385 مليارات دينار، مما يعني أن المرتبات والدعم يشكلان معاً 70.0 في المئة من إجمالي مصروفات الميزانية، «وهذه المصروفات أمر مرتبط بنا كالتزامات واجبة للدولة وغيرهما، وفيما يتعلق بالإيرادات، فصحيح أنها تضاعفت خلال الفترة نفسها، لكنها لا تشكل التزاماً لأحد غيرنا».

الإصلاحات والإدارة

وشدد البغلي على ألا قيمة للحديث عن الإصلاحات المالية أو الاقتصادية ما لم تبدأ بالإدارة، مشيراً إلى أن ظهر الدولة مكشوف في ملف إعادة تسعير الخدمات لتمويل عجز الميزانية، وهناك ثقوب عديدة تجعل الخطاب الحكومي بشأن الإصلاح المالي عرضة للنقد والاعتراض في حين الإيرادات العامة تتراجع إلى مستويات قياسية تناهز 65 في المئة.

تناقض السياسات

وبين أن الحكومة، في حين تسعى إلى إعادة تسعير الخدمات لخفض النفقات العامة، نجدها تتجه بكل قوة إلى طلب ما يوازي 6 مليارات دينار من الاحتياطي العام للدولة لزيادة الإنفاق العسكري، مما يعكس شعوراً بعدم جدية الإصلاح المالي، إضافة إلى استخدام العلاج في الخارج كورقة مساومة سياسية، رغم كل تكاليفها المالية الباهظة، والتي تشير المعلومات إلى أنها تضخمت كثيراً، رغم كل ادعاءات الترشيد والتقشف.

أما فيما يتعلق بتجارب الخصخصة - والكلام للبغلي- فيكفي أن تضع ملف الخطوط الجوية الكويتية كنموذج صارخ لكيفية التردد في الاتجاه الحكومي نحو الخصخصة، فذات مرة تريدها شركة خاصة تسعى إلى الربحية، ومرة أخرى تسعى إلى أن تكون ناقلاً وطنياً تابعاً للدولة، ولعل هذا التردد في واحد من أسهل نماذج الخصخصة نظراً إلى التنافس المفتوح في سوق الطيران المحلي ومحدودية موظفي الشركة؛ يجعل الحديث عن خصخصة خدمات وقطاعات أخرى مرتبطة بمصالح وحياة الناس، كالجمعيات التعاونية والكهرباء والماء والنفط والتعليم والصحة، ضرباً من المغامرة، إن لم يكن الجنون.

وأكد أن أي عملية إصلاح مالي أو اقتصادي تستوجب أن تكون هرمية الشكل، أي من الأعلى ثراء إلى الأدنى، بالتالي فإن معاملة الجميع وفقاً لمسطرة واحدة، فيها جانب عالٍ من الخلل، فالأَولى هنا التفكير في فرض نسبة ضرائب معينة على أرباح أو إيرادات الشركات، إلى جانب تعديل أسعار حقوق الانتفاع لمستويات السوق قبل التوجه إلى زيادة أسعار البنزين أو الكهرباء، رغم أهميتها، وضرورة الاعتراف بأن الأسعار لا تتناسب مع طبيعة الخدمة في السوق خصوصاً الكهرباء.

وقال البغلي، إن هناك انحرافاً في الإنفاق الحكومي، «وهنا لا نتحدث فقط عن الإنفاق الاستهلاكي في الميزانية، بل حتى في نظيره الاستثماري من جهة أن الإنفاق العالي على المشاريع، التي بلغت قيمتها هذا العام نحو 9.3 مليارات دينار، معظمها ذو طابع إنشائي، لا يساهم في خلق فرص عمل أو تحقيق إيرادات عامة غير نفطية للدولة، بالتالي فإن هذا الانحراف يمكن أن يشكل عبئاً على الميزانية مع أن هدفه الأساسي تخفيف الضغط عنها.

وتابع: كما أن هناك غياباً لاقتصاد بديل، والمسألة لا تنحصر في تنمية الإيرادات من خلال جباية أموال ورسوم للسلع والخدمات، فهناك متطلبات أكبر تتمثل في خلق اقتصاد بديل ينافس الاقتصاد النفطي، وقد سئمت الناس وتدنت ثقتها لدى الحديث عن المنطقة اللوجستية في شمال الكويت، أو استثمار الجزر أو حتى مدينة الحرير، وهي خطط كان من الممكن أن ترفع نسبة الاقتصاد غير النفطي من الناتج المحلي الإجمالي لو طبقت على أرض الواقع.

وقال البغلي: اليوم نحن نعيش العام الـ 13 من خطة التحول إلى مركز تجاري ومالي والعام السابع من خطة التنمية، وجميع المؤشرات الاقتصادية والتجارية والتنموية الصادرة من المنتدى الاقتصادي العالمي، تبين أن أوضاعنا قبل إطلاق هذه المشاريع كانت أفضل بكثير من أوضاعنا ومراتبنا بعد إطلاق مثل هذه الخطط، ناهيك عن أن بعض القوانين، التي أقرت لتخفيف العبء عن الميزانية كصندوق المشروعات الصغيرة أو مشاريع الشراكة، إما لا تطبق، أو يتم تطبيقها على نطاق ضيق.

وأكد البغلي أن هناك هدراً عالياً جداً في مصروفات الدولة، تعبر عنه «تقارير ديوان المحاسبة»، لكن التعامل الحكومي والبرلماني معها أقل بكثير، إلى درجة جعلت رئيس الديوان السابق المرحوم عبدالعزيز العدساني يبدي امتعاضه، في رسالة رسمية، من أن «الديوان قام بالعمل على تفعيل تقاريره وملاحظاته، ويأسف لأن المردود لم يكن على مستوى الطموح، ومن الأهمية أن تتصدى السلطتان التشريعية والتنفيذية لتفعيل تقارير الديوان»، مضيفاً أن «من يريد الحد من الهدر المالي فعليه أولاً أن يقدم نموذجه في الحد من إنفاق الإدارة العليا، خصوصاً لكبار المسؤولين والقياديين على الأقل لتقديم قدوة حسنة» في نهج الإدارة العامة.

التحديات المستقبلية

وأشار البغلي إلى أن تقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية مطلع عام 2012 نص على (أن الوضع الاقتصادي خطير ويتجه إلى مزيد من الانحدار، وأن مزيداً من التأخير في تداركه؛ سيؤدي إلى صعوبة أكبر، وتكلفة أكثر، تدفع من رصيد مستقبل الوطن وأبنائه)، موضحاً أن الحكومة، (التي يطلب منها اليوم أن توفر في عام 2012 نحو 20 ألف وظيفة سنوياً عليها بعد أقل من 18 عاماً أن توفر 74 ألف وظيفة سنوياً).

وقال البغلي، إن الكويت ستواجه سنوياً حتى عام 2020، وهو موعد إنجاز جامعة الشدادية، أزمة قبول جامعية تتراوح بين 3 و5 آلاف طالب مستوفين الشروط، لكن ليس لديهم مقاعد في الجامعة، وأشار إلى أن الفئة العمرية بين 4 و24 عاماً، تشكل ما نسبته 43.5 في المئة من المواطنين الكويتيين، وهذا يعني مزيداً من توفير التعليم والسكن والوظائف وكيف توظفهم في وظائف إنتاجية.