تعرضت الكلمة الفارسية التي تعني جامعة (دانشكاه) في لافتة جديدة لجامعة هراة كُتبت باللغات الثلاث، الفارسية، والبشتو، والإنكليزية، للتخريب والتشويه. نفّذت مجموعة من الطلاب إضراباً وعلّقت لافتة جديدة باللغات الثلاث. إلا أن رئيس مجلس الولاية عمد بعد ذلك إلى إزالتها.

وفي تعليق على هذا الحادث المحزن، ذكر عريف رحماني، نائب من ولاية غزنة: {يمثل حرق لافتة جامعة هراة مؤامرة سياسية ولعبة خطرة هدفها نشر الكراهية بين المجموعات الإثنية. لذلك، من الضروري أن يعاقب مجلس الأمن الوطني مَن ارتكبوا هذه الجريمة ويتفادى نشوب صراع بين طلاب الجامعة}.

من الطبيعي أن يروّج القادة الوطنيون للغة ما على أنها {لغة وطنية} لأن ذلك يخدم مصالحهم الخاصة. منذ مطلع القرن العشرين، اعتبر القوميون الأفغان الباشتو عاملاً موحِّداً. رأى محمود طرزي وأفغانيون آخرون فيها عاملاً رئيساً يميز الأمة الأفغانية عن جارتها الإيرانية. وخلال عهد رئيس الوزراء هاشم خان (1959-1929)، تحوّلت البشتو إلى لغة رسمية في أفغانستان.

Ad

كانت العملة الأفغانية، التي تُعرف اليوم بالأفغاني، تُدعى سابقاً الروبي الكابولي، وأُصدرت في عهد الملك أمان الله خان في العقد الثاني من القرن العشرين، وحملت كتابة بالفارسية. وعلى زوايا العملة الورقية الأربع كُتبت قيمة الورقة باللغات الأربع: الفارسية، البشتو، الأرودية، والأوزبكية. ولكن مع تأسيس المصرف المركزي الأفغاني، استُبدل الروبي الأفغاني بالروبي الكابولي، وما عادت تُستعمل على هذه العملة سوى لغة البشتو. أما اللغات الثلاث الأخرى، فحُذفت عن زوايا العملات الورقية. وعلى الجهة الخلفية من الورقة النقدية، كُتبت قيمتها واسم المصرف باللغة الإنكليزية، علماً أن هذا التقليد ما زال مستمراً حتى اليوم.

تنوّع لغوي

في ثلاثينيات القرن الماضي، كان على الحكومة أن تختار من بين اللهجات الفارسية المتنوعة في أفغانستان، فأعلنت أن اللهجة الكابولية (داري) هي اللغة المعتمدة للأفغانيين الفرس. ولكن في أفغانستان اليوم، تُحدَّد الألقاب كافة الأكاديمية، العسكرية، والقانونية بالبشتو. إلا أن الدولة أقرت في السيناريو السياسي بعد عام 2001 بطبيعة المجتمع الأفغانية المتنوعة لغوياً. لذلك، حددت المادة 16 من الدستور الجديد أن البشتو والداري لغتان رسميتان في أفغانستان. أما في المناطق الأخرى التي تتكلم لغة مختلفة، فنصّ الدستور على استعمال هذه اللغة كـ}لغة رسمية ثالثة} في المهام الرسمية.

لكن هذه المادة ما لبثت أن ناقضت ذاتها بالإشارة إلى أن {استعمال المفردات الأكاديمية والإدارية الوطنية في البلد لن يتبدّل}. قاد هذا الأمر إلى صراع بين الناطقين بالفارسية والناطقين بالبشتو. تطبيقاً للقانون الذي ينص على استعمال ما يُدعى {المفردات الوطنية} بالبشتو، أصدرت المحكمة العليا الأفغانية مرسوماً ينصّ على اعتبار مصطلحات بشتوية، مثل بوهانتون (جامعة)، بوهانزاي (دائرة)، بوهانمال (مساعد باحث)، بوهاند (بروفسور)، وبوهنديار (دكتور)، {ملكية قانونية في اللغات الرسمية}، وينبغي استعمالها بالبشتو في كل اللغات. وشدّد المرسوم أيضاً على أن استخدام هذه الكلمات بلغات أخرى سيؤدي إلى حالة من الضياع لا داعي لها.

نتيجة لذلك، يصرّ المسؤولون الناطقون بالبشتو على أن استعمال مترادفات هذه المصطلحات بلغات أخرى يشكّل انتهاكاً للقانون. كذلك، يدّعي المسؤولون البشتون أن ترجمة هذه المصطلحات البشتوية ليست دارية بل إيرانية. على سبيل المثال، يعتقد موسى خان نصرت أن استعمال مترادفات فارسية للمصطلحات البشتوية سيسلب لغة البشتو قيمتها. في المقابل، يعتقد المسؤولون الناطقون بالفارسية أن من الضروري الإبقاء على الكلمات البشتوية مع إضافة الترجمة الفارسية أيضاً. نتيجة لذلك، أخّر الجدال حول استعمال المترادفين الفارسي والبشتوي لكلمة {جامعة} إصدار قوانين التعليم العالي. وفي أكتوبر عام 2008، نشب خلاف في ولاية بلخ في شمال أفغانستان بين مجموعتَين من الطلاب، تدعم الأولى البشتو والثانية الدارية الفارسية، بسبب لافتة الجامعة. وتطوّر الخلاف إلى سلسلة من الاعتداءات والتظاهرات.

القادة الأفغان

من الناحية التاريخية، أجاد كل القادة الأفغان تقريباً اللغتين الفارسية والبشتوية على حد سواء. إلا أن الرؤساء الحاليين ومَن سبقوهم واجهوا صعوبة أكبر في التحدث باللغتين، مطورين نوعاً من الخليط بينهما. ولكن، فضّل بعض الرؤساء في مرحلة ما لغة على أخرى. على سبيل المثال، مال كل من نور محمد تركي وحفيظ الله أمين إلى البشتو. في المقابل، يُقال إن بابراك كارمل فضّل الفارسية ربما بسبب تأثير خلفيته الثقافية المدنية. صحيح أن دستور عام 2004 لا يفرض على الرئيس أو أي مسؤولين آخرين إتقان اللغتين، ولكن كي يتمتعوا بالمصداقية الضرورية، عليهم التحدث بالفارسية والبشتوية على حد سواء، بما أن معرفة اللغتين تسهّل عليهم الاضطلاع بمسؤولياتهم الرسمية.

سعياً إلى جذب المجتمعات الناطقة بلغات مختلفة، حاول السياسيون والحكومات نقل رسالتهم، مستخدمين اللغات الأصلية في هذه المجتمعات المستهدَفة. بعيد انقلاب عام 1978، بعثت الإدارات الثورية الشيوعية الرسائل إلى المجتمعات الإثنية الرئيسة في الصحف الأسبوعية التي تُنشر بالأوزبكية، التركمانية، والبالوشية. تألفت المقالات عموماً من إعلانات الحكومة، الخطابات، والمراسيم. على نحو مماثل، عمد الجنرال عبد الرشيد دستوم، الذي ترشح إلى جانب الرئيس الحالي أشرف غني، إلى طباعة أعداد كبيرة من الملصقات، الصحف، وغيرهما من مواد باللغة الأوزبكية. حتى إنه في محاولة لبلوغ الناخبين الأوزبيك تفوه في أحد تصريحاته التلفزيونية خلال الحملة ببضع كلمات أوزبكية، علماً أن هذا حدث نادر جداً في أفغانستان.

حال السعي إلى ابتكار نوع من التناغم في ثقافة أفغانستان اللغوية المتنوعة، الذي بدأ في العقد الثاني من القرن العشرين، دون تطور الداري (الفارسية) وأبقاها منعزلة عن فرعها الفارسي الإيراني. ولكن رغم كل الجهود المبذولة لإبعادها عن دائرة السلطة، لا يمكن القضاء عليها تماماً. كذلك، لا نستطيع أن نتجاهل التأثير الكبير الذي خلفه التمييز اللغوي المدعوم من الدولة في البشتو. فقد رفعها من مكانتها كلغة قبلية فقيرة أكاديمياً وحوّلها إلى نظام لغوي محدّد يتمتع بمفردات أعمق ومكانة قانونية تضاهي اللغة الفارسية الغنية تاريخياً.

تدفّق الفارسية

خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، ساهم تدفق الكتب الأكاديمية والخيالية والمجالات والأعمال الأدبية المكتوبة بالفارسية من إيران، فضلاً عن هجرة أكثر من مليوني مواطن أفغاني إلى هذا البلد، في انتشار اللغة الفارسية بين الطلاب والكتّاب. كذلك مكّنت وسائل التواصل الجديدة المتحدثين بالفارسية. فساهمت محطات الإذاعة والتلفزيون التي تبث في أكثر من دولة، الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي التي تسّهل التبادل الثقافي بين الدول الناطقة بالفارسية (إيران، طاجيكستان، وأفغانستان) في محو الحدود الفاصلة بين اللهجات الإيرانية المختلفة. ونظراً إلى هذا الوضع، على الحكومة الأفغانية أن تطور سياسة ملائمة للتعاطي مع تبدّل وضع اللغات واستعمالها في هذا البلد.