حين شاهد المخرج ديفيد فارييه إعلان شركة {جين أوبراين} الإعلامية الذي يدعو إلى تقييد عارضي أزياء رشيقين ودغدغتهم أمام الكاميرا، شعر بفضول شديد وأراد اكتشاف سبب هذه النزعة الشائعة. فصنع الفيلم الوثائقي Tickled (مُدَغدَغ) الذي عُرض للمرة الأولى في مهرجان «صندانس» لتسليط الضوء على «مسابقة تحمّل الدغدغة». تحمل «مسابقة تحمّل الدغدغة» أهمية كبرى. يشدد إعلان شركة «أوبراين» على أنه «نشاط رياضي بالكامل»، لكن من الواضح أيضاً أنه يتطلّب «شباناً جذابين وأقوياء البنية وقابلين للدغدغة».لكن تبدو الأسباب التي تجعل الناس يدغدغون بعضهم في حياتهم اليومية مدهشة بالقدر نفسه، ومن الأسهل على الأرجح إجراء بحث عنها. في النهاية، نتبادل جميعاً الدغدغة في مرحلة معينة، حتى لو لم نحوّل هذه اللحظات إلى رياضة تنافسية. لكن ما سبب الدغدغة أصلاً؟يعرّف القاموس كلمة {دغدغة} بـ}لمسة خفيفة، أو وخز شخص، أو جزء من جسمه، بطريقةٍ تسبب الحكّة والضحك}.تشمل الصورة التي يحملها كثيرون عن الدغدغة أولاداً يغيظون أصدقاءهم أو يضايقون أشقاءهم. بما أن هذا السلوك يعكس جزءاً كبيراً من ذكريات طفولتنا، قد تبدو الدغدغة سادية بطبيعتها. لكن ألّف عالِم الأعصاب روبرت بروفين من جامعة ميريلاند كتابCurious Behavior: Yawning, Laughing, Hiccupping, and Beyond (سلوك مثير للفضول: تثاؤب، ضحك، حازوقة، وأكثر)، واستنتج أن معظم الناس يختبرون دغدغة إيجابية حين يحصل هذا العمل برضاهم: {إذا نظرنا إلى الأولاد ودغدغناهم، سيهربون منا لكن سرعان ما يعودون}.وفق دراسات أجراها بروفين، يقيّم الناس تجربة الدغدغة بمعدل 5 على مقياس من 10 نقاط، من درجة مزعجة جداً إلى درجة ممتعة جداً، ويبلغ هذا المعدل 5.9 عند دغدغة شخص آخر.لكن تختلف الأسباب التي تدفعنا للمشاركة في هذه اللعبة عن الأسباب التي تجعلنا قابلين للدغدغة. تُعتبر الدغدغة، مثل ردود الفعل المفاجئة، آلية يستعملها الدماغ للتمييز بين لمس الآخرين والتعرض للمس، لذا لا يمكن أن ندغدغ أو نفاجئ نفسنا. يوضح بروفين: {ترتبط الدغدغة ببرنامج عصبي يحدد طريقة التعامل مع الذات ومع الآخرين}.نحتاج إلى هذه الغرائز كي لا نشعر بالهلع كلما اصطدمنا بجدار أو لمسنا ملابسنا الخاصة: {كيف ستصبح حياتنا إذا كنا نهلع كلما اصطدمنا بجسم آخر؟ سنبدو جميعاً أغبياء}.لكن كما حصل مع صفات تطورية كثيرة، استعمل الناس ميلهم إلى الدغدغة لأغراض اجتماعية. في دراسة بروفين، كان التعبير عن العاطفة وجذب الانتباه من أبرز الأسباب التي ذكرها المشاركون لتبرير فعل الدغدغة.حتى الأشخاص الذين يؤكدون أنهم يكرهون هذا الشعور يقومون باستثناء واحد، ويعكس موقفهم قدرتهم القوية على تحمّل الدغدغة التنافسية بما يفوق ما يعترفون به.أضاف بروفين: {برزت عبارة شائعة بين النساء: {أكره الدغدغة لكني لا أمانع أن يدغدغني الشريك}.توصّل بروفين إلى نتيجة أخرى مثيرة للاهتمام: بعد عمر الأربعين، يتراجع ميل الناس إلى تقبّل الدغدغة بعشر مرات، ويتعلق جزء من السبب، بحسب رأيه، بتراجع العلاقة الحميمة بين الشريكين في هذه المرحلة. لوحظ أيضاً أن الناس يميلون إلى دغدغة الجنس الآخر أكثر من الجنس نفسه بست مرات. يبدو أن شيئاً لا يعزز الرومانسية أكثر من حرب الدغدغة!أوضح بروفين: {يربط هذا الفعل بين الناس خلال التبادل الحاصل في اللعبة الجسدية بدءاً من سن مبكرة. كذلك يقوي الروابط بين الناس}.يدغدغ الأهالي والأجداد أولادهم وأحفادهم للتقرب منهم. صحيح أن الأولاد يضايقون بعضهم بهذه الطريقة، وقد نكره الدغدغة لأننا نشأنا مع أشقائنا الذين يجبروننا على تحمّلها. لكن حين تكون الدغدغة طوعية، تصبح اللعبة ودّية.
توابل
لماذا ندغدغ بعضنا؟
21-02-2016