لم يعد أحد يتأثر كثيراً بالتفجيرات التي تحدث يومياً في الأسواق في دولة كالعراق مثلاً، وتسيل فيها دماء مئات الأبرياء، ولا أحد أيضاً أصبح يتابع فظائع "داعش"، لا لأن تلك الأفعال مقبولة، لا بل لكثرتها واعتياد الناس على سماع أخبارها، وبقيت فينا قلة من اهتمام أو ارتياع حين نسمع أن أحدهم فجر مسجداً يصلي فيه المسلمون.

يومياً هناك عمليات قتل وتفجير في بعض بلادنا في المساجد والأسواق وغيرها، القاتل والمقتول فيها مسلم، والقتلة أحياناً كثيرون في هذه البلاد يستحلون دماء غير المسلمين أيضاً بالقتل والنحر، وليست هذه الأفعال خاصة بالمسلمين أبداً، ولا هي خاصة بزماننا هذا، فهو سلوك بعض الأشخاص في كل الأديان والملل والأزمان، حيث يتم التأصيل لمثل هذه الأفعال من خلال فهمنا الخاطئ للنصوص الدينية المنتشرة بيننا، فليس بجديد إذا قلنا إن كل ما تفعله هذه الجماعات الإرهابية ما هو إلا نتاج كمّ هائل من النصوص، تم فهمها خطأ وتمتلئ كتبنا ومراجعنا بهذا الفهم الخاطئ الذي يقرر مثل هذه الأفعال!

Ad

 الأمة، كل الأمة، تعتقد يقيناً أنها ستفترق على 73 فرقة، وأن كل هذه الفرق في النار عدا واحدة هي في الجنة!! وهي الفرقة الناجية، وهي التي على الحق وأن سواها كلهم في النار!! والأمة، كل الأمة، تعتقد يقيناً أيضاً أن عليها محاربة من خالفها من الفرق وقتالها، ونشر رأيها بالقوة لأنه هو الرأي الصواب الأوحد، وأنها منصورة بإرادة الله ولها دعم سماوي وتأييد!

وإذا كانت الأمة ينظر بعضها إلى بعض بهذه الطريقة ولها ما يؤيدها من الفهم الخاطئ في النصوص فإن نظرتها إلى من خالفها في الدين أشنع وأخطر بطبيعة الحال، إذاً لماذا تستغربون أن يقتل بعضهم بعضاً وهم مأمورون بذلك بحكم هذا الكم الهائل من الفهم الخاطئ للنصوص الشرعية، والذي يملأ كتبنا ومراجعنا.

هذا الفهم وهذا الفقه كان حبيس الكتب لكنه اليوم ينطق، له فضائياته وبرامجه ومواقعه المنتشرة، أصبحنا نسمع هذا الفهم ونشاهده يومياً وتتربى عليه الأجيال، إذاً ماذا تنتظرون بعد هذا؟ هل ننتظر إلا التفجير والقتل في المساجد وغيرها؟ لا نتيجة طبيعية لمثل هذا الفهم الخاطئ للنصوص إلا ما شاهدناه ونشاهده يومياً!

الاختلاف سنة حياتية، نحن لا نتكلم عنها هنا، نحن نتكلم عما بعد هذا الخلاف والاختلاف، عما ينتج عنه، عن احتكار الحق وإلغاء الآخر، عن فكرة أن الكل هالك إلا أنا! عن فكرة توزيع الأماكن في الجنة والنار التي بات الكل يدعي ملكيتها والحق فيها!

وأخيراً، كذلك نحن لا ننكر هذه النصوص ولا نطعن فيها، وفي غيرها من النصوص الشرعية، حاشا لله، لكننا فقط نتكلم عن الفهم الخاطئ لها، أو بدقة أكثر نتكلم عن التجديد والاجتهاد في فهم تلك النصوص وتفسيرها بما يحقق مراد الشرع ومصلحة العباد وفق المتغيرات.