ما زلت محتاراً مما يجري في الكويت من تصرفات، فهي تصرفات لا يقبل بها أي مراقب لأحداث المنطقة، التي أعطت دروساً قاسية لا يمكن تجاهلها إلا من قِبل فاقد البصر والبصيرة.

Ad

فالإصرار على سياسات البطش الفكري واستعراض قوات الأمن، بمناسبة ومن دون مناسبة، وصدور أحكام بالسجن لسنوات عدة ضد مَن قام بالتنفيس عن الاحتقان الذي يعانيه، ومطاردات قوات الأمن وجوقة التعصب الديني، بهدف سد كل وسائل ومنافذ الترفيه، بمباركة ودعم من قوى البطش، كلها أمور تثير الغثيان.

ونضيف على ذلك كله محاولات خنق المواطن في رزقه، وفق ما يسمى بـ «سياسة التقشف»، التي تصر على تحميل الضعفاء والبسطاء سداد فاتورة «المافيا المالية» المتحكمة في كل مفاصل الدولة، وهذه المافيا تهدد مَن يعترضها بالويل والثبور وعظائم الأمور، وقد أعطت تلك المافيا أمثلة عدة لما تستطيع أن تفعله وتقوم به بالمعترضين، بمباركة ورعاية المتنفذين.

وهنا أود أن أنبه، إن أي شرارة، مهما كانت محدودة، فقد تكون بداية لانفجار كبير، وأقربها وأشدها خطراً، محاولة سلب القطاع النفطي من جميع المكاسب التي حققها عن جدارة، بعد صراع مرير طوال العقود الماضية، وهو الأكثر إخلاصاً وصموداً في وجه مختلف المتاعب والأخطار التي يواجهها كل مواطن يعمل في الدولة.

فبعد أن تسلم الشباب الكويتي المخلص لبلده قيادة هذا القطاع المهم، باعتبار أن النفط المورد المالي الوحيد للدولة، بعد تحريره من قبضة عناصر تعتبر نفسها دينية ومرتبطة بالفساد السائد في البلد، نذرت هذه الكوكبة نفسها للدفاع عن حقوقها المكتسبة، واتضحت شعبيتها الجارفة والكاسحة في الاجتماع الموسع الذي عقدته قاعدتها الجماهيرية الواسعة، فالتهديد الذي جُوبهوا به من قِبل بعض المسؤولين يوحي بصدام محتمل، وتسرّب بعض الأخبار عن تكوين جهاز خاص شرس، لمواجهة أي تحرك شعبي واسع ينذر بصدام دموي محتمل لن ينحصر في قطاع النفط وحده، بل سيفتك بمجتمع فككته الفتن الطائفية والقبلية، واخترقت صفوفه عناصر متطرفة نرى أفعالها ونلاحظها في كل قُطر عربي.

وهناك خطر آخر من الممكن حدوثه عندما تقرّ التسعيرة الجديدة للكهرباء، الأمر الذي يمس غالبية الشعب، ففصل الصيف الحار قادم، ويتطلب تكييفاً مستمراً، في ظل ضائقة مالية يعانيها الجميع، بسبب ارتفاع جنوني للأسعار، في الوقت الذي تغيب فيه الرقابة الفاعلة عن الأجهزة الحكومية، للحد من جشع بعض التجار.

ونتساءل: هل يستطيع الشعب أن يتحمل هذا العبء الثقيل؟ أم سيكون إضافة جديدة لهمومه؟

وأمر آخر لا نستطيع إغفاله وتجاوزه، وهو تعابير لا نسمع بها من قبل دخلت قاموسنا، مثل مناطق سيادية ممنوع دخولها أو انتقادها، فهناك مثلاً قرارات حكومية سيادية ووزارات سيادية مخصصة لعائلة الصباح، وأنا كمشارك في وضع الدستور أستغرب من ذلك، فلا شيء في دستورنا يشير إلى ذلك، فهذا اختراع لجهابذة عصر الردّة والتخلف، الذين يريدون إشاعة ثقافة الجاهلية الأولى، التي أوجدت آلهة عدة توجب عبادتها.

يا جماعة، سياسة العصا والجزرة فشلت لدى أعظم الدول وأغناها، والغطرسة والرعونة نهايتهما المأساوية مؤكدة، ولا بديل اليوم سوى تشخيص المرض، للنجاح في العلاج ومجابهة أعراض المرض، قبل ضياع المريض وفقده.

أقولها: إنني أتوجس خطراً وشيكاً، فهل من مسؤول يوقف هذا الانهيار؟ إنني أرى غيوماً سوداء كثيفة تتجمع مسرعة نحونا، أدعو الله أن يحمينا منها.

تساؤل أخير

هل زيارة الرئيس الأميركي أوباما لمجلس التعاون الخليجي قادرة على تأجيل الانفجار القادم في دول خليجية؟

إن مقابلة أوباما مع مجلة THE ATLANTIC الموسعة وضعت تصوراً لطبيعة الأخطار التي تحدق بالعالم، بسبب التطرف الدموي في منطقتنا، وهو السبب، كما يعتقد، في انتقال العنف إلى أوروبا وأميركا، ما أصبح مهدداً لأمن هذه الدول واقتصاداتها، وبات النزوح الكبير من مناطق التوتر إلى أوروبا الهاجس الأكبر، والإجراءات الأمنية وبعض مسكنات الضيافة فشلت في وقف هذا التدفق الخطر على هذه المجتمعات، فصار لابد من مواجهة الأسباب لهذه الظاهرة المدمرة لأوروبا وأميركا.

لقد أصبح جلياً أن منطقتنا هي الراعية، مالياً وفكرياً، لهذه المجموعات، لذلك ركز أوباما في مقابلته على هذه الدول، وخطورة الأوضاع السائدة فيها.

لم يكتفِ أوباما بهذه المقابلة المطوَّلة، بل أكدها في تصريحات لاحقة، وقرر مواجهة المسؤولين في المنطقة بلقاء سيتم هذا الشهر. واللافت للنظر في هذا الإطار، زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للمنطقة، وخصوصاً مقابلته للمعارضة البحرينية في البحرين.

فهل أصبحت أميركا ملاكاً معنياً بحقوق الإنسان وحريته وكرامته؟! الجواب حتماً لا. فالولايات المتحدة ليست جمعية خيرية، إنما دولة عظمى مصالحها تحدد سياستها، وتاريخها أسود، وبالذات مع جاراتها في أميركا اللاتينية، وقد قام أوباما نفسه بالاعتذار من هذا الإرث المخزي، وهذا ما عمَّقه البابا في زيارته لتلك المنطقة، فالأوضاع السائدة في المنطقة أصبحت تشكل خطراً حقيقياً على مصالحها وعلى حلفائها أيضاً.

إن هلع بعض الأنظمة في المنطقة، ومعظمهم يفتعل «التغطية» على الفشل في إدارة أمور بلدانها، لا ينطلي على المطلعين بالقرب على أوضاعها الداخلية، فالبديل الاستراتيجي المحلي في المنطقة غير موجود، فهل ستقبل نصيحة الحليف الأميركي قبل أن ينتصر العناد؟

الجواب عن هذا السؤال سوف يأتي قريباً، وليس أمامنا إلا الانتظار أمام إطلالة ربيعنا العربي، الذي نأمل ألا يتأخر كثيراً هذه المرة.