بدأت ممارسة التنويم المغناطيسي في القرن الثامن عشر من طبيب من فيينا يُدعى مسمر. في تلك الحقبة، ساد الكلام عن المغناطيسية، بما أن الباحثين كانوا يفترضون أن المرض يعود إلى انسداد في دورات مختلف السوائل في الجسم. وكان يُفترض بالمنوم مغناطيسياً أن يزيل هذا الانسداد. ولكن خلال الجلسات، بدأ الأطباء يلاحظون أن المريض يستطيع التواصل خلال ما دُعي أيضاً بـ{النوم الواعي».ابتكر مصطلح التنويم المغناطيسي عام 1842 جراح إنكليزي يُدعى جيمس بريد. كان المصطلح الذي اعتمده «التنويم العصبي». لكن مدرستي نانسي ولا بيتيه سالبترير هما من طور حقاً التنويم المغناطيسي في فرنسا خلال القرن التاسع عشر. فأعاد البروفسور شاركو استخدام التنويم المغناطيسي لمعالجة الجنون، وبدأ سلسلة من الأعمال لاقت أصداء إيجابية. ولكن بعد وفاته، اختفى التنويم المغناطيسي تدريجياً من الممارسات الطبية إلى أن أجرى إريكسون دراسات جديدة بشأنه. طريقتان أساسيتان• التنويم المغناطيسي وفق فرويداعتاد المعالج النفسي الشهير فرويد استعمال هذه الممارسة طول عشرات السنين قبل أن يتخلى عنها. كان يلجأ إليها ليعيد المريض إلى الماضي بغية استرجاع ذكريات نسيها. لكن الأسلوب الفرويدي يبدو قوياً من حيث الشكل مع مراحل مفصلية ضرورية، حتى لو كان المعالج النفسي يتجاوب مع ردود فعل المريض من خلال الإيحاء بالإشارات وبالكلام. لاحظ فرويد خلال جلساته أن من الصعب تنويم المرضى العقليين مغناطيسياً، وأن لا داعي لأن ينام المريض عميقاً كي تتحسن حالته.من المتعارف عليه اليوم أن التنويم المغناطيسي ساهم إلى حد كبير في صياغة الأسس التي حددها فرويد، خصوصاً في محاور مهمة مثل نظرية الانتقال أو أصل العصاب. إلا أن فرويد قرر في النهاية التخلي عنها لأنها لا تشكل ممارسة موثوقاً منها لاكتشاف حقيقة المريض، بما أنه يستطيع أن يكذب حتى خلال الجلسة.• التنويم وفق إريكسونيُشكل التنويم المغناطيسي الإريكسوني تقنية سريرية أكاديمية تسمح بإدخال المريض في حالة من النوم المتناقض. تسمح هذه الحالة ببلوغ بعض الموارد في الدماغ قد تساهم في تخدير المريض خصوصاً. لكن تقنية إريكسون أكثر ليونة، فهي تقوم في المقام الأول على حوار بسيط، وعلى المريض أن يكون منفتحاً وإيجابياً خلال هذه العملية من دون أن يشعر بأي قلق أو خوف.من المهم جداً أن يكون المريض مسترخياً كي ينجح المعالج تدريجياً في بلوغ اللاوعي. وهكذا يتمكن المريض نفسه بالتوصل في داخله إلى حل للمشكلة المطروحة. نتيجة لذلك، من الضروري أن يكون المعالج مؤيداً لقيم المريض وليس رافضاً لها. وبهذه الطريقة، يستطيع أن يساعده في بلوغ حالة من الوعي المعدّل.يكمن وجه الاختلاف الرئيس بين فرويد وإريكسون في أن الأخير يعتبر كما فرويد أن اللاوعي موجود، إلا أنه مصدر إيجابي، مع أن المريض يجهل الجزء الأكبر منه. نتيجة لذلك، يستطيع استغلال موارده الخاصة لتحقيق الشفاء وتحسين حالته النفسية. إذاً، لا يشكل اللاوعي مصدر خلل أو كبت. من ثم يستطيع المريض التخفيف من معاناته من دون أن يفهم بالضرورة الطريقة التي لجأ إليها لتحقيق ذلك.حالات يُستعمل خلالها التنويم• يُستعمل التنويم المغناطيسي لمعالجة بعض الأمراض النفسية والعقلية بمختلف درجاتها. في هذه الحالة، ينوم المريض مغناطيسياً بغية الكشف عن ذكريات مخبأة في اللاوعي وتشكل غالباً صدمات ترتبط بالطفولة.• من الممكن أيضاً اللجوء إلى التنويم المغناطيسي لأغراض أخرى. نتيجة لذلك، قرر بعض المستشفيات المتخصصة إطلاق مشاريع لاستخدام التنويم المغناطيسي في إطار معالجة الألم والإدمان. وبات التنويم المغناطيسي يُعتبر اليوم أداة جديدة غير دوائية تساهم في التخفيف من المعاناة في شتى المجالات. خلال جلسة التنويم المغناطيسي الناجحة، يفرز الجسم الإندورفينات، ما يسمح بإجراء بعض الفحوص، مثلاً، بسهولة أكبر بالنسبة إلى المريض والطبيب على حد سواء.• في الحالات الطارئة، يستطيع بعض المتخصصين تهدئة المريض الذي يواجه مصدر خوف كبيراً أو بيئة يجهلها. لكن هذا الأمر يتطلب الكثير من التدرب في مجال التواصل لأن هذه العملية لا تنجح إن لم يثق المريض في مَن يتعاطى معه. كذلك من الضروري أن يتحلى المعالج بالتنويم المغناطيسي بسرعة الملاحظة. في حالة الولد مثلاً، عليه أن يتنبه للعبة التي يحملها، للونها، وللحركات التي تهدئه. ومن الضروري بعد ذلك أن يلجأ إلى صور بسيطة يستطيع الولد فهمها من دون جهد يُذكر.جلسة التنويم المغناطيسيمهما كانت المقاربة النظرية التي يعتمدها المعالج، تبدأ كل الجلسات بحوار. وتنقسم الجلسة إلى ثلاث مراحل:الحث: تشير هذه الجلسة إلى اللحظة التي يقبل فيها المريض بالانتقال إلى حالة الوعي المعدل. من الضروري أن يملك المعالج حداً أدنى من المعلومات عن المريض: سنه، الوضع الذي أوصله إلى هذه المرحلة، بيئته، والخطوط العريضة في ماضيه الطبي. تقضي هذه المرحلة عموماً بمساعدة المريض على التركيز بصرياً أو سماعياً على ذكرى جميلة. ويستطيع المريض التوصل إلى هذه الحالة وحده أو من خلال مساعدة بسيطة، مثل صورة أو معزوفة موسيقية. فتسير هذه العملية بطريقة ممتعة وسلسة إلى أن يسترخي المريض بالكامل. ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن جلسة التنويم المغناطيسي لا تؤدي، بخلاف الأفكار السائدة، إلى فقدان تامٍ للوعي. على العكس، يجب على المريض بعد ذلك تنشيط ذاكرته كي يتمكن في النهاية من استعمالها مجدداً كي يقوم مثلاً بجلسات من التنويم المغناطيسي الذاتي.الغشية: تعتمد حالة الغشية أو الانفصال المغناطيسي على وتيرة صوت الطبيب ونغمته، نوع من الجمود، وتعاطف على المستوى الجسدي. من الضروري أن يشعر المريض في هذه المرحلة بالهدوء والسعادة. حتى إن بعض المرضى يتأرجح بين الغشية والواقع من دون أن يؤثر ذلك في تقدمه. ولكن من الضروري في هذه المرحلة التحدث ببطء والحفاط على حبل الأفكار.الخروج من الغشية: ينصح الطبيب المريض بإبقاء هذه اللحظة في ذاكرته كي يتمكن من التعود عليها واستعمالها مجدداً. ويساعد الطبيب المريض على استعادة اتصاله بالواقع من خلال البيئة والحواس ومن خلال صوته الذي يتبع وتيرة أكثر تسارعاً ونبرة أعلى. وتنتهي الجلسة بقليل من التمطط.تأثيرات الجلسة التقليدية• اختفاء مفهوم الوقت، على الأقل بالنسبة إلى المريض.• ارتخاء العضلات، مع أن المريض قد يقدم على حركات مفاجئة في بعض أجزاء جسمه.• انفصال المريض عن ذاته فيروح يراقب نفسه مع إحساس مضاعف بالوقت أحياناً.• تبدل الحواس، خصوصاً تلك المرتبطة بالألم.يعاني أحياناً بعض المرضى من هلوسات.أمراض تعالج بالتنويم المغناطيسي• التخفيف من القلق: يعاني المرضى غالباً حالات نفسية أو رهاباً يعود إلى صدمة قديمة مكبوتة. كذلك قد يُستعمل التنويم المغناطيسي لمعالجة الخوف، القلق، وحتى الاضطرابات الجنسية.• معالجة الإدمان:• الإقلاع عن التدخين وغيره من مواد الإدمان. فتقضي هذه العملية بربط التبغ بإحساس بشع، مثل الغثيان، بدل المتعة.• الحد من تناول الطعام، خصوصاً في حالة مَن يميلون إلى الأكل طوال اليوم ويعانون الوزن الزائد.• تعلم الاسترخاء: يشكل التنويم المغناطيسي وسيلة للاسترخاء لمن يعانون الإجهاد.• المساعدة في بعض العلاجات:• في حالة ارتفاع ضغط الدم الشرياني وخفقان القلب.• في حالة الربو والحساسية، حتى الجلدية منها.• لمحاربة اضطرابات الجهاز الهضمي.• لمعالجة بعض الاضطرابات التناسلية أو سلس البول.• في حالات التشنج العضلي وآلام أسفل الظهر.• التخدير: يلجأ الأطباء أحياناً إلى التنويم المغناطيسي بغية تفادي التخدير العام أو للتخفيف من جرعات المخدر وتأثيراته السلبية. فتؤدي عملية التنويم هذه إلى تبدل إحساس المريض بالألم والحد منه. نتيجة لذلك، صار عدد من الأطباء يجمعون اليوم بين التنويم المغناطيسي والتخدير. وتُعتمد هذه الطريقة خصوصاً في جراحات التجميل وفي حالة مَن يعانون حروقاً بالغة.لمحة شاملةبما أن التنويم المغناطيسي قلما يُستعمل في المستشفيات، يتطلب دراسة شاملة من الفريق المعالج، فضلاً عن تعاون كامل من المريض. فمن الضروري أن يكون الأخير مقتنعاً ومتحمساً لهذه الخطوة. أما الفريق الطبي، فيلزم أن يكون واسع الاطلاع في هذا المجال ويؤدي بالإجماع هذه التقنية. بالإضافة إلى ذلك، تتطلب هذه الخطوة معرفة المريض معرفة عميقة، لا على الصعيد الطبي والجسدي فحسب بل أيضاً العاطفي. لا يلجأ الطبيب عموماً إلى التنويم المغناطيسي إلا إذا طلبه المريض نفسه أو باقتراح من طبيب التخدير أو الجراح، خصوصاً إن كان المريض يواجه مشاكل تحول دون خضوعه للتخدير العام. على نحو مماثل، يلجأ بعض أطباء الأسنان إلى هذه التقنية، مع التذكير أن التنويم المغناطيسي لا يعني فقدان الوعي تماماً.بدأ استعمال هذه التقنية بانتظام إبان الحرب العالمية الثانية بغية مساعدة الجنود المصابين بالعصاب جراء المعارك. كذلك تُستخدم للتخفيف من الأمراض الطويلة، خصوصاً تلك التي تصيب الأطفال.لا يزال التنويم المغناطيسي في بعض البلدان محدود الاستعمال. صحيح أننا نلاحظ تراجع الإحساس بالألم خلال هذه العملية، إلا أننا ما زلنا نجهل طريقة تفاعل الدماغ خلالها. ومع أن الإندورفينات تساهم في ذلك، تتراجع أيضاً معدلات الهرمونات المرتبطة بالألم من دون أن نفهم فعلاً هذه الظاهرة.علاوة على ذلك، من الضروري الحفاظ على تواصل شفهي طوال هذه العملية، ما قد يكون أحياناً أمراً صعباً، خصوصاً في حالات التخدير حين لا يكون المريض «على حاله» طوال مدة الجراحة. وفي حال كان يعاني مشكلة ما تحول دون تعرضه للتخدير العالم، فيمكن في مطلق الأحوال اللجوء إلى تخدير موضعي.يبقى التنويم المغناطيسي علاجاً عصرياً رائجاً يُستعمل بكثرة في إطار العلاجات المعرفية والسلوكية وغيرها. تبقى الصعوبة الكبرى أن جلسة التنويم المغناطيسي لا تشكل جلسة علاج عادية. أما في المجال الجراحي، فمن الممكن اللجوء إلى التنويم المغناطيسي للحد من مخاطر التخدير، إلا أن من الضروري أن تكون الظروف مناسبة وفريق العمل مجهزاً لاتباع تقنية مماثلة، فضلاً عن تجاوب المريض. برهن إريكسون فاعلية التنويم المغناطيسي العلاجية. ولكن من الجلي أن الحكم عليه لم يكتمل بعد.
توابل - Healthy Living
التنويم المغناطيسي... متى نلجأ إليه؟
12-01-2016