صدر عن مؤسّسة الفكر العربي كتاب جديد مُترجم إلى اللغة العربية هو "أثر الإسلام في الثقافة الهندية"، وذلك في إطار برنامج حضارة واحدة، الذي يهتمّ بنقل المعارف عن أمّهات الكتب الأجنبية وخصوصاً الآسيوية والصينية والفرنسية والإسبانية.

الكتاب من تأليف المؤرّخ الهندي العريق الدكتور تارا تشاند، وترجمة د. محمد أيوب الندوي، وهو يتناول التأثير الذي أحدثه الإسلام والمسلمون في مجالات الثقافة الهندية المختلفة.

Ad

ويحاول المؤلّف وهو الخبير في الديانات الهندية، وصاحب علم واسع في تاريخ العلاقات العربية- الهندية، أن يستعرض الأفكار التي جرى تبادلها بين المسلمين والهندوس، ويؤرّخ للممارسات الثقافية والاجتماعية والدينية الناشئة عن التأثّر والتأثير في هذا التفاعل الفكري.

وعلى الرغم من أن العلاقات العربية الهندية يجدها القارئ العربي في مؤلّفات عربية شتى تراثية وحديثة، فإن ما يجده في كتاب "أثر الإسلام في الثقافة الهندية"، لا يعثر عليه في أيّ مؤلَّف آخر موضوع بالعربية أو منقول إليها. فقيمة هذا الكتاب تكمن في إبرازه النبض الفكري الذي يلمسه المؤلّف في العلاقات- العربية الهندية.

ولا يبحث الكتاب حصراً في أثر الإسلام في الثقافات الهندية، بل يبحث في التأثّر والتأثير المتبادلين بين مختلف الأديان الهندية. ولعلّ أكثر ما في الكتاب أهميةً، هو أن القارئ أياً كانت معتقداته وانتماءاته الدينية، سرعان ما يُدرك أن التعصب الديني هو نقيض الإيمان، حينما يريه المؤلّف بعَيْن العقل والإدراك، أن الإيمان بالله هو جوهر الأديان جميعاً وقاسمها المشترَك، وأن الإيمان بالله يعني الوقوف من جميع الأديان على مسافة واحدة. ويُذهَل قارئ الكتاب، حينما يكتشف من خلال ما يعرضه المؤلّف عن المعتقدات الدينية في الهند، عمق الفكر الفلسفي في هذه المعتقدات.

ويرى المؤلّف أن ثقافة الهند "ثقافة تأليفية تستمدّ قوامها من أفكار النُظم المختلفة، وتحتضن في مدارها المعتقدات والعادات والشعائر والمؤسّسات والفنون والديانات والفلسفات التي تنتمي إلى مختلف طبقات المجتمع الهندي في مراحل تطوّرها المختلفة". فإذا كانت الأديان نصفها عبادة ونصفها معاملة، فإن المعاملة نفسها ترتكز على تعاليم جوهر العبادة، وتكشف جوهرها وكنهها، وهي التي تُقرّب الشعوب بعضها من بعض. وهذا ما تميّز به التجار المسلمون ومن قبلهم التجار الفينيقيون، الذين حملوا مع تجارتهم وبضائعهم معتقداتهم الدينية إلى مختلف أنحاء حوض المتوسط، وأقاموا فيها الممالك من دون أن يستخدموا سلاحاً غير المعاملة الإنسانية.

ومن أجل تتبّع التغيُّرات التي طرأت على ثقافة الهند، بفعل نفوذ الإسلام، يعمد المؤلّف إلى تقديم وصف لتلك الثقافة، على نحو ما كانت عليه قبل دخول الإسلام إلى البلاد. ثم يقسّم الثقافة إلى قسمين رئيسَيْن: أولاً، الدين والفلسفة، وثانياً الفن، مع ما يشمله من أدب وغناء وعمارة. ثم يستعرض كل قسم على حدة، منذ دخول المسلمين إلى الهند حتى سقوط الإمبراطورية المغولية في القرن الثامن عشر.