لقد ادّعت أنظمة الحكم في العراق الملكية والجمهورية الحق التاريخي للعراق بالكويت منذ ثلاثينيات القرن العشرين حتى احتلال صدام حسين للكويت 1990م، وأحد مبررات إسرائيل هو الحق التاريخي لليهود في فلسطين! ودعوى إيران بمسمى الخليج الفارسي من منطلق الحق التاريخي... إلخ.

Ad

 فما حكاية الحق التاريخي التي تثار بين الحين والآخر في عصرنا؟ بداية ماذا يعني الحق التاريخي؟ إنه يعني أن لدولة أو لفرد حقا ماديا أو معنويا سبق أن كان له، وله حق وراثته مهما طال الزمن، والسؤال: هل تلك المطالبة أولاً مشروعة وممكنة؟ وثانياً هل أخذت بعين الاعتبار التطورات التاريخية التي مرت على الإنسان زمناً طويلاً؟ يبدو أن هناك ادعاء بالحق التاريخي بدون وجه حق، وأن هناك فهماً خاطئاً لاستخدام المصطلح، وأن اللعبة السياسية تغلب على مثل تلك المطالبات، فعندما ظهرت الحركة الصهيونية كحركة سياسية تبحث عن وطن قومي لليهود اختارت فلسطين من ذلك المنطلق، وإن مطالبة الأنظمة السياسية العراقية بالكويت من ذلك المنطلق، وتنسحب على المطالبات الأخرى في استخدام مصطلح الحق التاريخي!

لقد مرت على البشرية حروب إقليمية وعالمية غيّرت معالم الدول والإمبراطوريات وتغيرت الحدود على البشر والأرض، وظهرت قوميات وزالت إمبراطوريات عبر عصور التاريخ، وكذلك لعبت الهجرات البشرية الكبيرة دوراً في تغيير معالم وهويات مجتمعات بأكملها، ويبدو أن التقادم الزمني قد فرض الأمر الواقع بالنسبة إلى العرب وغيرهم، من هنا فإن الادعاء بالحق التاريخي لجماعة أو دولة بأرض قد لا يستند إلى أساس تاريخي، أو غير تاريخي، فهل يمكن أن تدعي تركيا اليوم بالأراضي والأقطار التي كانت تابعة للدولة العثمانية من منطلق ما يسمى بالحق التاريخي؟ وهل يمكن أن يظهر الهنود الحمر في أميركا ويدعون حقهم التاريخي في أميركا الشمالية والمطالبة برحيل مئات الملايين من الأميركيين الذين هاجروا إليها في التاريخ الحديث والمعاصر؟

لقد فقد العرب في تاريخهم المعاصر أراضي ومساحات كبيرة في فلسطين وسورية وغيرهما، فهل يستطيعون إرجاع فلسطين والإسكندرونة والجولان وغيرها من منطلق الحق التاريخي؟ إنها حجة من لا حجّة له، بيد أنه يجب أن يكون واضحاً بأن هناك حقوقاً لدول عندما تكون قد تعرضت أراضيها للعدوان والاحتلال، ومن غير المقبول أن تفرض دولة وجودها على الآخرين من منطلق القوة وتتمسك بما يسمى الحق التاريخي.

وخرائط الدول العربية وحدودها قد وضعت واعترف بها النظام الدولي منذ الحرب العالمية الأولى، ولا يجوز بعد ذلك تغييرها أو الحديث عن الاستخدام السياسي لما يسمى بالحق التاريخي، أما قضايا أخرى مثل مسمى الخليج بالفارسي أو العربي فقد جاء من منطلق القوة أثناء قيام الإمبراطورية الفارسية في العصر القديم، فليس من المعقول أن يطلق الإسكندر الأكبر هذه التسمية في القرن الثالث قبل الميلاد ويتمسك بها الإيرانيون اليوم من منطلق الحق التاريخي!

هذا لا يعني بطبيعة الحال أن نسكت أو نرفض المطالبة بحقوقنا في الأرض والمياه، التي اغتصبت في فترة استعمارية أو في مرحلة تخلفنا وضعفنا، إن الأرض التي احتُلت بالقوة من وطننا العربي من حقنا أن نطالب بها، خاصة في التاريخ الحديث والمعاصر بعد أن استقرت الحدود والخرائط.

وإن تغيير المفهوم وتطبيق ما يسمى بالحق التاريخي لدولة بأراضي الدول الأخرى يحتاج إلى متغيرات تاريخية أساسها كما حدث في السابق الحروب العالمية والهجرات الجماعية الكبرى، وهذا ما ترفضه البشرية في وقتنا الحاضر حيث الدعوة إلى الاستقرار وحقوق الإنسان والمحافظة على حدود الدول، ومنع الحروب والعدوان، والأمن والسلام والاستقرار والتنمية والتقدم للشعوب، والمشكلة أن بعض الذين يثيرون موضوع الحق التاريخي للمطالبة بأراضي الآخرين جزء من أراضيهم مستباح ومهدد، لا بل تحت سيطرة غيرهم!

هذه إحدى مشكلات العصر التي عشناها ونعيشها فأين الحق في الحق التاريخي؟

وستبقى هذه الإشكالية ما دامت بعض القوى والدول تنطلق من موقع القوة وتفكر فيه، بعد أن تستنفد كل ما في جعبتها من مبررات.