مع انقضاء المهلة المحددة لوقف الأعمال العدائية في سورية وفق اتفاق ميونيخ، وتبخر الأوهام في شأن احتمال تطبيقه على الأرض، احتدمت المعارك، أمس، على جبهات عدة من شمال سورية إلى غربها، في حين وسعت تركيا دائرة استهدافها لمناطق تحت سيطرة الأكراد.

وبانتظار نتائج اجتماع عسكري أميركي ـ روسي هو الأول من نوعه، بدا أن عقد جولة جديدة من المفاوضات السياسية بين الحكومة السورية والمعارضة في الموعد المحدد في 25 فبراير أمرا «غير واقعي»، على حد تعبير موفد الأمم المتحدة الى سورية ستيفان ديميستورا.

Ad

ريف الحسكة

ميدانيا، حققت «قوات سورية الديمقراطية» التي تهيمن عليها «وحدات حماية الشعب» الكردية والمدعومة بغطاء جوي للتحالف الدولي تقدما ملحوظا على الأرض على حساب تنظيم «داعش» في محافظة الحسكة في شمال شرق سورية، وأصبحت على بعد 5 كيلومترات فقط شمال مدينة الشدادي، معقل الجهاديين، في تلك المحافظة.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الانسان بأن «قوات سورية الديمقراطية»، قطعت طريقين رئيسيين يستخدمهما الجهاديون لنقل الإمدادات، الأولى تصل بين الشدادي ومدينة الموصل في العراق، والثانية تربطها بالرقة، معقل التنظيم في سورية. وتمكنت أيضا من السيطرة على حقل كبيبة النفطي شمال شرق الشدادي إثر اشتباكات وغارات جوية نفذتها طائرات التحالف الدولي.

شمال حلب

على جبهة أخرى في محافظة حلب (شمال)، حققت «قوات سورية الديمقراطية» تقدما خلال الأيام الماضية على حساب فصائل إسلامية ومقاتلة مدعومة من أنقرة، ما أثار استياء الأخيرة التي بدأت السبت الماضي قصف مواقع سيطرة الأكراد في الريف الشمالي.

ويسيطر الأكراد على ثلاثة أرباع الحدود السورية مع تركيا التي تخشى إقامة حكم ذاتي كردي على حدودها، ما قد يشجع أكراد تركيا على القيام بخطوة مماثلة. واستهدفت المدفعية التركية طوال ليل الخميس ـ الجمعة مواقع سيطرة الأكراد في قصف هو الأعنف منذ أسبوع.

ووسعت تركيا هذه المرة من دائرة استهدافها، وفق عبدالرحمن، إذ لم يقتصر القصف على مناطق سيطرت عليها «سورية الديمقراطية» حديثا على مقربة من الحدود التركية، بل تعداها الى مناطق في ريف حلب الشمالي والشمالي الغربي، والتي يسميها الأكراد مقاطعة عفرين.

وحذر حلف شمال الأطلسي تركيا، أمس، بعدم الاعتماد على الحصول على دعم منه في حال حصلت مواجهة بينها وبين روسيا على خلفية النزاع السوري.

وقال وزير خارجية لوكسمبورغ جان اسيربورن متحدثا باسم الأطلسي: «الحلف لن يسمح بانجراره الى تصعيد عسكري مع روسيا بسبب التوترات الأخيرة».

وترافق المعارك في سورية غارات للتحالف الدولي بقيادة واشنطن الداعم لـ «قوات سورية الديمقراطية»، وأخرى روسية تؤمن غطاء جويا لقوات النظام السوري، لكن يستغلها الأكراد أيضا للتقدم على حساب الفصائل المعارضة للنظام.

معارك متفرقة

واستهدفت الطائرات الروسية مواقع الفصائل الإسلامية والمقاتلة في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، وفي محافظة درعا جنوبا. وحقق الجيش السوري تقدما في ريف اللاذقية الشمالي (غرب)، إذ سيطر أمس الأول على بلدة كنسبا، آخر معقل للفصائل الإسلامية والمقاتلة في المنطقة. وتتيح السيطرة على كنسبا لقوات النظام التقدم نحو منطقة جسر الشغور في محافظة ادلب المجاورة التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة، وبينها جبهة النصرة وإسلاميون، باستثناء بلدتين. وفي ظل التطورات الميدانية، بات تنفيذ اتفاق لوقف الأعمال العدائية أمرا شبه مستحيل.

«جنيف 3»

واتفقت المجموعة الدولية لدعم سورية التي تضم الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن وتركيا ودولا عربية الجمعة الماضي خلال اجتماع في ميونيخ (جنوب المانيا) على خطة لوقف المعارك في سورية خلال أسبوع وتعزيز ايصال المساعدات الانسانية الى المناطق المنكوبة نتيجة النزاع المستمر منذ 5 سنوات. وتم إيصال مساعدات انسانية لحوالي 82 الف سوري في مناطق عدة محاصرة قبل يومين، وفق الأمم المتحدة.

لكن المهلة المحددة لوقف الأعمال العدائية انتهت أمس من دون أي بوادر تهدئة. وكانت واشنطن والرئيس السوري بشار الاسد شككا بإمكان تنفيذ وقف النار في المهلة المحددة. ويهدد هذا الفشل استئناف محادثات السلام المقررة في جنيف.

وقال موفد الأمم المتحدة الى سورية ستيفان ديميستورا في مقابلة مع صحيفة «سفينسكا داغبلاديت» نشر أمس: «لا يمكنني واقعيا الدعوة الى محادثات جديدة في جنيف في 25 فبراير، لكننا ننوي القيام بذلك قريبا». واضاف: «اننا بحاجة الى 10 أيام حتى نستعد ونرسل الدعوات، والمحادثات (...) يمكن أن تكلل بالنجاح اذا استمرت المساعدات الانسانية واذا توصلنا الى وقف إطلاق نار».

إردوغان

في المقابل، أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، انه «ليس لديه شك» في وقوف مقاتلي «وحدات حماية الشعب» الكردية وراء الاعتداء بسيارة مفخخة الذي أسفر عن مقتل 28 شخصا مساء الاربعاء في وسط انقرة. وأعلن إردوغان من جهة اخرى انه سيوجه بصريح العبارة انتقادات الى نظيره الاميركي باراك اوباما في اتصال هاتفي حيال الدعم الاميركي لهؤلاء المقاتلين الذين تعتبرهم تركيا «إرهابيين».

وأضاف: «سنقول لهم (للمسؤولين الأميركيين) أين وكيف انفجرت الأسلحة التي يعطونها الى هذه التنظيمات». وقال إن «عناد البلدان الغربية يحزننا».

بوتين

وأجرى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اتصالا هاتفيا بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حيث أكد دعوته للعاهل السعودي لزيارة روسيا، وفق بيان صدر عن الكرملين، أمس.

وقال الكرملين إن الملك سلمان والرئيس بوتين عبرا عن رغبتهما في حل الأزمة السورية. كما تناول الجانبان خلال الاتصال الهاتفي العلاقات الثنائية، بمناسبة مرور 90 عاما على العلاقات السعودية - الروسية، إضافة إلى بحث تطورات الأوضاع في المنطقة.

عواصم ـ وكالات

حلب تستعد للحصار

لا يزال طريق واحد تحت النيران يربط مناطق المعارضة في شرق حلب بتركيا، وتقترب القوات السورية من فرض حصار على هذه المناطق، حيث يقوم المقاتلون، وبينهم إسلاميون، بتخزين الأسلحة والمؤن، أملاً في الصمود أطول فترة ممكنة.

في مدينة غازي عنتاب التركية، تعمل الجمعيات والمنظمات غير الحكومية على ارسال المؤن بصورة عاجلة الى حلب التي لا يزال يعيش فيها ما بين 250 و300 ألف شخص، إما لأنهم لا يملكون المال لترك منازلهم أو لأنهم يؤمنون أن لهم دورا يقومون به في «الثورة» التي يخوضونها ضد النظام السوري.

ويقول مدير جمعية «بيتنا سورية» أسد العشي، ان «الحصار ليس محكما بعد. هناك ممر الى الغرب نسميه طريق كاستيلو وان كان تحت نيران كل الاطراف تقريبا وخطيرا جدا. هذا الطريق يمكن ان ينقطع في اي لحظة. ولكن لدي صديق ذهب الى حلب قبل يومين وتمكن من الدخول اليها». وأضاف العشي: «نعمل ليلا ونهارا قبل ان يفرض حصار تام. هناك اكثر من مئة جمعية إغاثة سورية في المنطقة تعمل على تخزين كل ما يمكنها تخزينه داخل المدينة. مجلس حلب شكل لجنة طوارئ للاستعداد للحصار. في حال فرض حصار كامل يمكن لحلب ان تصمد سنة على الاقل، وربما اكثر». في غضون ذلك، كثفت المجموعات المعارضة إرسال الأسلحة والمؤن والتعزيزات الى مناطقها عبر طريق كاستيلو الذي يصلهم بمعقلهم الثاني في إدلب في شمال غرب البلاد. ويتم تخزين مئات لا بل آلاف الأطنان من الطحين والزيت والسكر واللوازم الطبية. ولا يزال ماثلا في الاذهان حصار مدينة حمص الواقعة الى الجنوب من حلب، والتي صمدت قرابة ثلاث سنوات قبل أن يستسلم المقاتلون.

ويقول المعارض منهل باريش ان حصار حلب «لن يكون مماثلا» لحصار حمص. ويضيف العضو السابق في حكومة مؤقتة شكلتها المعارضة ان المناطق التي تسيطر عليها المعارضة «اكبر بكثير ومحصنة. انهم يقومون بحفر خنادق وأنفاق. الحصار لن يكون محكما». وتتهم منظمات غير حكومية القوات النظامية باستهداف المستشفيات والمستوصفات في حلب، ما قد يؤثر على معنويات المدنيين والمقاتلين. لكن في شرق حلب، أقيمت تحت الارض مدارس عديدة في احياء معرضة للقصف، بحسب تقارير واردة من داخل المدينة.

ويقول منهل باريش «الأطباء الذين أرادوا الرحيل رحلوا. من بقوا يعرفون ما ينتظرهم وهم يفعلون ذلك بملء إرادتهم. انه خيارهم».

ولدى الحديث عن حلب، تستحضر مدينة غروزني عاصمة الشيشان التي عانت حصارا محكما في كل الحوارات بسبب الدمار التام الذي لحق بها جراء قصف المدفعية والطيران الروسي قبل عشرين سنة.

(غازي عنتاب - أ ف ب)