وكل يدعي وصلا بليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاكا!

Ad

... هذا البيت يعبر عن حال مسؤولي الدولة ونواب الأمة مع محدودي الدخل، فجميعهم منذ أن تهاوت أسعار النفط وبانت عورة العجز، يكرر علينا الأكليشيه الغامض "إجراءات معالجة العجز لن تمس أصحاب الدخل المحدود"، لكن عندما تبدأ الإجراءات لا نجد أي تمييز لـ"المحدود" عن غيره، فرفع رسوم إصدار البطاقة المدنية يمس الجميع "محدود" وخلافه، وإعلان وزير الصحة علي العبيدي خفض مخصصات العلاج في الخارج كذلك يشمل الكل!

المشكلة أن هناك عملية تمويه ومناورات يتم من خلالها تمرير الإجراءات المقبلة على شكل جرعات تصبح واقعاً دون أي مراعاة للعدالة الاجتماعية، وإلا فإن المنطق العملي يتطلب بداية تعريف من هم أصحاب "الدخل المحدود"، فهل المرأة التي تتقاضى ألف دينار كراتب شهري وغير متزوجة ولديها سكن مع عائلتها تعتبر من الدخل المحدود؟ أم صاحب الأسرة المكونة من زوجة وستة أطفال وراتبه ألفا دينار؟

البعض سيقول إن من ينجب عدداً أكبر من الأطفال عليه أن يتحمل مسؤوليتهم، لكن علينا أن نرى الصورة بشكل كامل وتاريخي، وأن نحمل الدولة المسؤولية أيضاً، فهي التي تدعو الكويتيين منذ عقود إلى زيادة الإنجاب، وتمنح علاوة الأطفال لعدد 7 أولاد، وإذا غيرت الدولة ذلك التوجه للحفاظ على موارد الدولة المحدودة ورفاهية الكويتيين فعليها أن توضح ذلك للكويتيين عبر وسائل إعلامها، بأن هناك رؤية بتحديد النسل، وتطبيقها عملياً من خلال تحديد علاوة الأطفال بثلاثة فقط في المستقبل، رغم أن مقدار تلك العلاوة لا تمثل فارقاً كبيراً في ظل الأسعار وتكلفة المعيشة الحالية.

الحديث عن أصحاب الدخل المحدود دون تعريف عملي، عن طريق معادلة تربط دخل الفرد بالتزاماته الأسرية يعتبر عبثاً وظلماً و"سلق بيض" لتمرير إجراءات غير منصفة وتخدم فئة دون غيرها، فلا يمكن أن أساوي متقاعداً راتبه 1300 دينار وغير متزوج مع نظير له آخر راتبه 2200 دينار، ولديه أبناء يسكنون معه، ويرعى والديه في نفس المنزل، وربما يتحمل مصاريف تعليم بعض أبنائه أيضاً، لذلك فإن استخدام الأرقام الصماء فقط لتعريف محدودي الدخل ظلم، كما يحدث عندما يحدد أن من راتبه (...) هو من أصحاب الدخل المحدود وخلافه لا يستحقون الدعم.

في الدول الديمقراطية يتم تحقيق العدالة عن طريق النظام الضريبي، فمن لديه عدد من الأبناء يرعاهم ويدفع لهم مصاريف تعليم وخلافه، يتم استقطاع نسبة من ضريبته، ومن يرعى مسناً من ذويه وهكذا، حتى إن كوبونات الغذاء وخلافه من وسائل دعم تربط بعدد الأسرة والتزاماتها، لذا فإن الحديث العام عن حماية محدودي الدخل دون وجود تعريف عملي عادل ومنصف لهم، وحتى من الطبقة المتوسطة المحتاجين إلى دعم لن تكون له مصداقية، كما يجب أن يضع من يتخذ هذه الإجراءات في اعتباره أن المساس بذوي الدخل المحدود هو قضية أخلاقية وإنسانية، ولكن التضييق على الطبقة المتوسطة يمس استقرار المجتمعات ويخلق التغييرات العنيفة (الثورات).

***

يروج البعض لضريبة المبيعات كحل أوحد للإصلاح الاقتصادي ومعالجة العجز دون البدء بنظام ضريبي للشرائح العليا من أصحاب الدخل والحيازات العقارية الكبرى وإعادة تسعير أراضي الدولة المستغلة كـ"مولات" وأنشطة كمالية والرسوم على التحويلات المالية الخارجية، وهذا أمر ضار وسلبي، فضريبة المبيعات مطلوبة للحد من التبذير وخلق موارد الدولة، ولكن دون خلق سلة ضرائب متكاملة تكون ظلماً وخراباً للمجتمع، وقد طبقت في الأرجنتين ومصر واليونان دون إصلاح جدي وحازم للنظام الضريبي كله فكانت نتائجها إفلاساً وعدم استقرار وثورات.

***

يمكن معرفة مدى جدية أعضاء مجلس الأمة 2013 في أهم اختبار للمجلس الحالي عند بحث الوضع المالي ومعالجة العجز في الموازنة العامة للدولة، وذلك إذا طلبوا في بداية الجلسة المقبلة، وقبل مناقشة الوضع الاقتصادي للبلاد، من الحكومة تقديمها عرضاً شاملاً عن الحالة المالية للدولة وقيمة عوائدها من كل الاستثمارات الداخلية والخارجية وإجمالي قيمة الفوائض المالية التي حولت للاحتياط العام في السنوات الخمس الأخيرة، ودون ذلك فإنها ستكون جلسة بروتوكولية تمهد للموافقة للحكومة على كل ما تريده من رفع أسعار ورسوم دون تحقيق أي عدالة اجتماعية مرجوة.