"عدو عدوي صديقي!"... شعار رفعه جورج واشنطن، وأحسن استغلال مضامينه، فانتزع به استقلال بلاده من أنياب إنكلترا.

Ad

كان الصراع الدموي الرهيب بين فرنسا وإنكلترا مستمراً على طوال القرن الثامن عشر، قرن الاستعمار، ونهب ثروات الشعوب المستضعفة، يدور على طول وعرض خريطة العالم... حروب لا تهدأ في الأرض أو البحر... مؤامرات لا تنتهي في دهاليز السياسة وأركان المخابرات السرية المظلمة.

• وقال جورج واشنطن لنفسه:

- لماذا لا أفيد من هذا العداء؟

الإنكليز يحتلون بلادي، ويستنزفون ثروات الأهالي، ويثقلون الظهور بالضرائب الفادحة... فأي ضير في أن أضع الفرنسيين بصفي في صراعهم المرير مع بريطانيا؟!

وحذره من مغبة ذلك صديقه توماس جافرسون:

- اذكر يا جنرال واشنطن أن الفرنسيين تحتنا في لويزيانا، وفوقنا في كندا، ماذا لو أطبق علينا فك الحوت بعد خلاصنا من إنكلترا؟... هل نستبدل باستعمار بريطاني استعماراً فرنسياً؟

- إذا كشر الصديق الفرنسي عن أنيابه - يا عزيزي جافرسون – فسيكون موقفه على الساحة الدولية بالغ الضعف، إنكلترا تحاربنا مسلحة، بما تسميه "حق الوطن الأم على مستعمراتها"، وليس لفرنسا مثل هذا السلاح.

- كن حذراً على أي حال يا جنرال، وليكن طلب المساعدة من فرنسا في أضيق الحدود.

- حتى هذا الترف يا عزيزي جافرسون لا أملكه... إنني بحاجة إلى كل شيء تتطلبه الحرب، فقد أنهكتنا المعارك السابقة على مدى خمسة أعوام، إننا بحاجة إلى جنود ذوي خبرة في مواجهة الإنكليز، إلى سفن بحرية، إلى مواد التموين، إلى كل شيء... فكيف أشترط على الفرنسيين أن تكون مساعدتهم لنا محدودة؟!

- لكننا – يا جنرال واشنطن – تباحثنا في ذلك مع الفرنسي الشاب – لافاييت – ووعد بأن يعلن مليكه لويس السادس عشر: أن ليس لفرنسا أطماع في بلادنا، لم يفِ بهذا الوعد حتى اليوم، وها نحن في خريف 1780 والفرنسيون لا يبدون حماساً لنصرتنا... لقد تجمَّد الموقف، وصرنا إلى حالة اللاحرب واللاسلم... وهذا يؤذي قضيتنا بأشد ما تفعل الهزائم العسكرية!

- صدقت يا جافرسون، حرب الاستنزاف هذه تقضي على الروح المعنوية... تجمَّد الموقف، كما قلت، وبقي الفرنسيون في نيوبورت، وبقينا نحن في نيويورك بلا حركة، الجيش في حالة يرثى لها الآن... – جافرسون – لا مفر لنا من المغامرة بالاتفاق الصريح مع الفرنسيين.

• ورغم أن الفرنسيين كانوا أكثر رغبة بأن يدخلوا في الصراع ضد إنكلترا، انتقاماً لما يفعله بهم الأسطول الإنكليزي في المياه الأوروبية، فإنهم أرادوا المساومة واستغلال الموقف، وكان على الجنرال واشنطن – المضطر – أن يركب الصعب، ويتنازل عن بعض حقوق بلاده في الشمال وفي الجنوب لفرنسا، كي تتحرك تحركاً مجدياً.

ما إن تم الاتفاق، حتى دبَّ النشاط في ميادين القتال... تسرَّبت بعض القوات الفرنسية، بقيادة روهامبيه، كما اقتربت قطع من الأسطول الفرنسي بقيادة دي غراس من الشواطئ الأميركية... وإن لم تجسر على إثارة الأسطول البريطاني، الذي يحمي القاعدة الإنكليزية في يوركك تاون.

• وقد كتب لافاييت رسالة إلى زوجته في فرنسا، يقول فيها:

"وصول القوات الفرنسية إلى أميركا سيرفع الروح المعنوية في الجيش الأميركي، الذي يستحق الرثاء حقاً... النظام بين صفوفه بالغ السوء... والتمرد قد يقع في أي لحظة، وفي أي فرقة... رغم العقوبات القاسية، كالإعدام والجلد، لإيقاف موجات التذمر، فالجندي الأميركي لا يجد الخبز، أو اللحوم، وما يقدم لهم عادة من خبز يثير التقزز، فهو خليط من القش والشعير والذرة... صدقيني – يا حبيبتي – فالجنود الأمريكان يأكلون بأقل وأسوأ مما تأكل جيادهم".

***

• بعد أن كان الواحد منا يستمتع بقراءة رواية أو بحث تاريخي، أو مسرحية، فعصر "داعش" في بلادنا فرض على رجل مسنٍ مثلي أن يطالع تاريخ الحروب والجيوش في العالم، لعله يتوصل إلى رؤية مستقبلية لما يجري في منطقتنا العربية التي تعج بالحروب.